يتم التحميل...

الموضوع: وصايا عرفانية اخلاقية، وتأييد الأهلية الفلسفية-العرفانية لأحد الطلبة

رسالة

المخاطب: همدان حجت، ميرزا جواد

عدد الزوار: 154
التاريخ 7 تير 1314هـ. ش/ 27 ربيع الاول 1354 هـ. ق‏
المكان: مدينة قم‏
المخاطب: همدان حجت، ميرزا جواد

بسم الله الرحمن الرحيم‏

سبحانك اللهم وبحمدك يا مَنْ لاترتقي الى ذروة كمال أحديته آمال العارفين، ويقصر دون بلوغ قدس كبريائه أفكار الخائضين، جلّتْ عظمتك من أن تكون شريعةً للواردين، وتقدست اسماؤك من أن تصير طعمةً لأوهام المتفكرين. لك الأحدية الذاتية في الحضرة الجمعية والغيبيّة، والواحدية الفردية في التجليات الاسمائية والاعيانية، فأنت المعبود في عين العابدية والمحمود في حال الحامدية. ونحمدك اللهم بألسنتك الذاتية في عين الجمع والوجود على آلائك المتجلّية في مرائي الغيب والشهود، يا ظاهراً في بطونه وباطناً في ظهوره.
ونستعينُك ونعوذُ بك من شرّ الوسواس الخنّاس، القاطع طريق الانسانية، السالك بأوليائه في مهوى جهنم الطبيعة الظلمائية، اهدنا الصراط المستقيم الذي هوالبرزخية الكبرى ومقام احدية جمع الأسماء الحسنى.

وصلّ اللهم على مبدأ الظهور وغايته، وصورة اصل النور ومادته- الهيولى الاولى- والبرزخ الكبرى الذي دنا فرفض التعيُّنات فتدلّى فكان قاب قوسي الوجود وتمام دائرة الغيب والشهود او أدنى الذي هومقام العَماء، بل لامقام هنا على الرأي الأسنى لا يستطيع أحد أن يصطاد العنقاء بل هي الشرك الذي يصطاد الصقور.وعلى آله مفاتيح الظهور ومصابيح النور، بل نورٌ على نور، غصنا لشجرة المباركة الزيتونة والسدرة المنتهى وأصلهما، وجنس الكون الجامع والحقيقة الكلية وفصلهما، سيّما خاتم الولاية المحمدية ومُقبض 2 فيوضات الأحمدية الذي يظهر بالربوبية بعد ما ظهر آباؤه عليهم السلام بالعبودية جوهرة كنهها الربوبية بعدما ظهر آباؤه عليهم السلام بالعبودية، خليفة الله في الملك والملكوت وإمام أئمة قطّان الجبروت، جامع احدية الاسماء الالهية ومظهر تجليات الأوّلية والآخرية، الحجّة الغائب المنتظر، ونتيجة مَنْ سلف وغَبَر- ارواحنا له الفداء وجعلنا الله من انصاره والعن اللهم اعداءهم، قُطاع طريق الهداية، السالكين بالامم مسلك الضلالة والغواية.

وبعد، فإنّ الانسان ممتاز من سائر الموجودات باللطيفة الربانية والفطرة الالهية- فطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناسَ عَليها- وهذه بوجهٍ هي الأمانة المشار اليها في الكتاب العزيز الالهي:﴿ إنّا عَرَضْنا الامانَةَ على السموات والارض والجبال فأبَيَنَ أن يَحْملنَها واشفقْنَ منها وحَمَلَها الإنسان. وهذه‏ الفطرة هي فطرة توحيد الله في المقامات الثلاثة، بل رفض التعّينات وإرجاع الكُلّ إليه وإسقاط الإضافات حتى الأسمائية وإفناء الجُلّ لديه. ومَنْ لم يصل الى هذا المقام، فهوخارج عن فطرة الله وخائن في أمانة الله، وجاهل بمقام الانسانية والربوبية، وظالم لنفسه والحضرة الالهية.
ومعلوم عند اصحاب القلوب من اهل السابقة الحُسنى، أنّ حصول هذه المنزلة الرفيعة والدرجة العَلية، لايمكن إلّا بالرياضات الروحية والعقلية والخواطر القُدسية القلبية بعد طهارة النفس عن ارجاس عالم الطبيعة وتزكيتها، فانّ هذا مقام لا يمسه إلّا المطهرون.

وصرف الَهمّ الى المعارف الالهية، وقَصْر الطرْف على الآيات والأسماء الربوبية عقيب صيرورته إنساناً شرعيّاً بعد ما كان إنساناً بشرياً بل طبيعياً. فاخرجي ايتها النفس الخالدة الى الارض لاتباع هواك من بين الطبيعة المظلمة المدهشة الهيولانية، وهاجري الى الله مقام الجمع، والى رسوله مظهر أحدية الجمع، حتى يدركك الموت بتأييد الله تعالى فوقع أجرك عليه، وهذا هوالفوز العظيم والجنة الذاتية اللقائية التي لاعين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

واعلمي أنك ظهرت من مقام جامعية الأسماء والبرزخية الكبرى، وانت غريب في هذه الدّار ولابد لك من الرجوع الى الوطن، فاحْببي وطنك فإنه من الايمان- كما أخبر به سيد الإنس والجان.
إيّاك ثم إيّاك- والله تعالى معينك في اولاك وأُخراك- أن تصرف همّك الى حصول الملاذّ الحيوانية الشهوية، فإنّ هذا شأن البهائم، أو الغلبة على أقرانك واشباهك حتى في العلوم والمعارف، فإن هذا شأن السباع، اوالرياسات الدنيوية الظاهرية وصرف الفكر والتدبير اليها فإنّ هذا مقام الشياطين، بل ولا تجعل نصب عينك صورة النسك وقشورها، ولا اعتدال الخُلق وجُودتها، ولا الفلسفة الكلية والمفاهيم المبهمة، ولا تنسيق كلمات أرباب التصّوف والعرفان القشرية وتنظيمها، وإرعاد اهل الخرقة وإبراقها، فانّ كل ذلك حجاب في حجاب وظلمات بعضها فوق بعض، وصرف الهّم إليها اخترام وهلاك، وذلك خسران مبين وحرمان ابدي وظلمات لا نهاية لها، بل يكون همّك التوجه الى الله تعالى والى ملكوته في كل حركاتك وسكناتك وانظارك وأفكارك، فإنك مسافر الى الله- تعالى- ولايمكن لك هذه المسافرة بقدم النفس، بل لابّد وأن يكون بقدم الله ورسوله، فإن المهاجرة من بيت النفس لايمكن بقدمها. فكلّما كان قدمك قدم النفس، ما خرجت بعدُ من بيتك، فلست مسافراً، وقد عرفت أنك غريب مسافر.

وهذه وصيّتي الى نفسي القاسية المظلمة البط- الة والى صاحبي الموف- ق ذي الفكر الثاقب في العلوم الظاهرة والباطنة والنظر الدقيق في المعارف الالهية، العالم الفاضل النقّاد والروحاني الآغا ميرزا جواد الهمداني- بل- غه الله غاية الأماني- فإني ولعَمر الحبيب مع أنّه لستُ من اهل العلم وطلابه قد ألقيت اليه ما عندي من مهمّات أصول الفلسفة الالهية المتعالية، وشطراً مما استفدت من المشايخ العظام- ادام الله ظلّهم- وكتب ارباب المعرفة واصحاب القلوب رضوان الله عليهم وقد بلغ بحمد الله تعالى مرتبة العلم والعرفان وسلك مسلك العقل والايمان، وهوسلّمه الله لطيف السرّ والقريحة، نقيّ القلب، سليم الفطرة، جَيّد الرؤية، متردٍّ برداء العلم والسداد وعلى الله التوكل في المبدأ والمعاد.

ولقد أوصيته بما وصّانا اساطين الحكمة والمشايخ العظام من ارباب المعرفة، أن يضنّ بأسرار المعارف كلّ الضنّ على غير اهله من ذوي الجحد والاعتساف، والضالّين عن طريق الحقّ والانصاف،فإنّ هؤلاء السّفَهاء قرائحهم مُظلمة، وعقولهم مُكدّرة، ولا يزيدهم العلم والحكمة إلّا جهالة وضلالة، ولا المعارف الحقَة إلّا خسراناً وحيرة، وقد قال تعالى شأنه:﴿ ونُنَزّلُ من القرآن ما هوشفاء ورحمة ... ولا يزيدُ الظالمينَ إلّا خَسَارا.
 

وإياك ثم إياك أيها الأخ الروحاني والصديق العقلاني وهذه الاشباح المنكوسة المّدعين للتمدّن والتجدّد، وهم الحُمُر المُستَنْفَرة والسّباع المفترسة والشياطين في صورة الإنسان، وهم أضلّ من الحيوان، وأرذل من الشيطان، وبينهم ولَعَمْر الحقيقة والتمدّن بون بعيد، إن استشرقوا استغرب التمدن، وإن استغربوا استشرق، فرّ منهم فرارك من الأسد، فإنهم أضرّ على الإنسان من الآكلة للأبدان.
وأكرر التماسي ووصيتي أن تذكرني عند ربك تعالى شأنه ذكراً جميلًا رَبَّنا آتنا في الدّنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقنا عَذابَ النّار وجَنّبنا عن مخالطة السّفَلة الأشرار بحقّ محمد وآله الأطهار- صلوات الله عليهم.

حرّره العبد العاصي المذنب السيد روح الله بن السيد مصطفى الخميني، غفر الله تعالى لهما وجزاهما وإخوانه المؤمنين جزاءً حسناً. في صبيحة يوم السبت لثلاث بقين من ربيع المولود سنة أربع وخمسين وثلاث مئة بعد الألف من الهجرة القُدسية النبوية صلى الله عليه وآله.

*صحيفة الإمام، ج‏1، ص: 36-38


1-افراده باعتبار المعنيى.
2-بالقاف والباء الموحّدة
..

 

2011-04-07