الموضوع: لطائف توحيدية واسرار عرفانية
رسالة
المخاطب: الخوئي (مقبرئي)، السيد ابراهيم
عدد الزوار: 160المكان: مدينة قم
المخاطب: الخوئي (مقبرئي)، السيد ابراهيم
الحمد لله الذي تجلّى من غيب الهوية على الحضرة الأسمائية، وظهرت اسماؤه الذاتية في الحضرة الواحدية بالحقيقة العمائية، وتوحدت نعوته في احديته الغيبية، وتفردت آلاؤه من الوجهة الباطنية. علا وتفرّد في عين التشبيه، ودنا وتجلى في اصل التن- زيه. وعنده مفاتيح غيب الأسماء ومخاتيم حقائق الآلاء. فسبحانك اللهم يا من لا ترتقي الى ذروة كمال احديته آمال العارفين، ويقصر دون بلوغ كبرياء هويته أوهام الناعتين. جلّت عظمتك من أن تكون شريعةً لواردٍ، وتقدست آلاؤك أن تصير محموداً لحامدٍ. لك الأوّليّة في الآخرية والآخرية في الاوّلية. فأنت معبود في عين العابديّة والمحمود في عين الحامدية. فنحمدك اللهم بألسنك الخمسة في عين الجمع والوجود على آلائك المتجلّية في الغيب والشهود. يا ظاهراً في بطونه وباطناً في ظهوره.
ونستعينك- ياربنا- ونعوذ بك من شر الوسواس الخناس، القاطع لطريق الانسانية السالك بأوليائه الى جهنم مهوى الطبيعة الظلمانية. فاهدنا الصراط المستقيم الذي هوالبرزخية الكبرى ومقام احدية جمع الاسماء الحسنى وصلّ اللهم على مبدأ الظهور وغايته، وصورة أصل الوجود ومادته الهيولي الاولى، والبرزخية الكبرى الذي دنا فرفض التعيّنات فتدلى فكان قاب قوسي الوجود وتمام دائرة الغيب والشهود، اوأدنى الذي هومقام العماء بل لامقام على الرأي الأسنى (لايستطيع أحد أن يصطاد العنقاء بل هي الشرك للصقور).
وعلى آله مفاتيح الظهور ومصابيح النور بل نور على نور:(فمن لم يجعل الله له نوراً يهديه اليهم (فما له من نور)، سيما خاتم الولاية المحمدية ومقبض فيوضات الأحمدية، الذي يظهر بالربوبية، بعد ما ظهر آباؤه بالعبودية، فإن العبودية جوهرة كنهها الربوبية، خليفة الله في الملك والملكوت، وخزينة اسماء الله الحّي الذي لايموت، الامام الغائب المنتظر ونتيجة مَنْ سلف من الأولياء وغبر- ارواحنا له الفداء- والعن اللهم اعداءهم قطّاع طريق الهداية والسالكين بالأمة مسلك الهلاكة والغواية.
وبعد، فإنَّ الانسان ممتاز من بين سائر الموجودات باللطيفة الربانية والنفخة الروحية الالهية والفطرة السليمة الروحانية (فطرة الله التي فطر الناس عليها). وهذه بوجهٍ هي الأمانة المشار اليها بقوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ وهذه الفطرة هي الفطرة التوحيدية في المقامات الثلاثة عند رفض التعينات وإرجاع الكل اليه واسقاط الاضافات حتى الأسمائية وإفناء الجلّ لديه. ومَنْ لم يصل الى هذا المقام، فهوخارجُ عن الفطرة، وخائن للأمانة الالهية وجهول بمقام الربوبية وظلوم بحضرة الأحدية.
ومعلوم عند اصحاب القلوب والعرفان وأرباب الشهود والعيان من ذوي السابقة الحسنى، أنّ حصول المنزلة والوصول بهذه المرتبة لا يمكن إلّا بالرياضات العقلية بعد طهارة النفس وتزكيتها، وصرف الهمّ ووقف الهمّة على المعارف الالهية عقيب تطهير الباطن وتخليتها. فاخرجي أيتها النفس الخالدة على الارض لاتباع الهوى من بيت الطبيعة المظلمة الموحشة، وهاجري الى الله تعالى مقام جمع الأحدي، والى رسوله صاحب قلب الأحدي الأحمدى حتى يدركك الموت الذي هو اضمحلال التعينات، فوقع أجرك على الله، وتأسى بأبيك الروحاني في السير الى ربه وقل:﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ وهذا هو الفوز العظيم والجنة الذاتية اللقائية التي لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ولا تقنعي ايتها النفس بحصول الملاذ الحيوانية والشهوانية، ولا بالرئاسات الدنيوية الظاهرية، ولا بصورة النُّسك وقشرها، ولا با عتدال الخُلق وجُودتها، ولا بالفلسفة الرسمية والشبهات الكلامية، ولا بتنسيق كلمات ارباب التصوف والعرفان الرسمي وتنظيمها، وإرعاد أهل الخرقة وإبراقهم، فان صرف الهم الى كلّ ذلك والوقوف عليها اخترام وهلاك، والعلم هوالحجاب الأكبر. بل يكون همّك التوجه الى الله تعالى بارئك ومبدئك ومعيدك في كل الحركات والسكنات والافكار والأنظار والمناسك.
وهذه وصيتي الى النفس القاسية المظلمة، والى صاحبي وسيدي ذي الفكر الثاقب في العلوم الإلهية، والنظر الدقيق في المعارف الربانية، العالم الفاضل المولى الأمجد السيد ابراهيم الخوئي المعروف بمقبرئي دام مجده وبلّغه الله تعالى غاية آمال العارفين ومنتهى سلوك السالكين- فإني قد ألقيت في روعه امهات ما عندي من اصول الفلسفة المتعالية وشطراً وافراً مما تلقيت عن المشايخ العظام وصحف أرباب المعارف؛ فقد بلغ بحمد الله فوق المراد وتردّى برداء الصلاح والسداد وعلى الله التكلان في المبدأ والمعاد.
ولقد كررتُ وصيتي بما وصّانا المشايخ العظام أن يضن بأسرار المعارف إلّا على اهله، ولا يتفوّه بحقائق العوارف في غير محله، فإنّ الله جلّ اسمه قال: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا ً﴾.والتماسي منه دام عزّه أن يذكرني عند ربّه ذكراً جميلًا، ولا ينساني عن الدعاء في كل الأحوال، فإن بابه مفتوح للراغبين.﴿ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾واحشرنا مع الأبرار، وجنّبنا عن مخالطة السيئة الأشرار بحق محمدٍ وآله الاطهار عليهم السلام.
قد وقع الفراغ في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام (1357) وأنا العبد الضعيف السيد روح الله بن السيد مصطفى الخميني الكَمَرئي.
*صحيفة الإمام، ج1، ص: 40-41