الموضوع: معارضة مشروع قانون الحصانة للرعايا الاجانب، ودعوة ابناء الشعب والعلماء للانتفاضة
نداء
المخاطب: العلماء وطلبة العلوم الدينية وكافة ابناء الشعب الايراني المسلم
عدد الزوار: 130
التاريخ: 4 آبان 1343 هـ. ش/ 20 جمادى الثانية 1384 هـ. ق
المكان: مدينة قم
المخاطب: العلماء وطلبة العلوم الدينية وكافة ابناء الشعب الايراني المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا﴾ 1
هل يعلم الشعب الايراني بما يجري في المجلس هذه الأيام؟ هل يعلم أية جريمة اقترفت في الخفاء دون علمه؟ أيعلم أن المجلس، وباقتراح من الحكومة، قد وقع على وثيقة عبودية الشعب الايراني، وأقر بكون ايران مستعمرة؟ سلم اميركا وثيقة بوحشية الشعب المسلم، وخط بالحبر الأسود على جميع امجادنا الاسلامية والوطنية، وخط بالقلم الاحمر على كل ادعاءات وتبجحات زعماء القوم طوال السنوات العديدة الماضية. جعل ايران أحقر من اكثر الدول تخلفاً، وأهان الجيش الايراني الأبي والأمراء وضباط الصف، وداس على مصداقية المحاكم الايرانية.. أقر، وباقتراح من الحكومة الفعلية قراراً للحكومة السابقة يعد أشد القرارات خزياً، وفي ظرف ساعات محدودة من المباحثات السرية، ومن غير علم الشعب.. جعل الشعب الايراني في أسر الاميركان، فالمستشارون العسكريون وغير العسكريين الاميركان، وجميع أسرهم ومستخدميهم، أحرار في ارتكاب اية جريمة وأية خيانة، ولا يحق للشرطة الايرانية ملاحقتهم والقبض عليهم. كما لا يحق للمحاكم الايرانية محاكمتهم، لماذا؟ لأن اميركا دولة الدولار، وحكومة ايران بحاجة الى الدولار!!
واستناداً لهذا القرار المخزي، اذا تطاول مستشار أميركي أو خادم لمستشار اميركي على أحد مراجع التقليد في ايران، أو على احد افراد الشعب المحترمين، او على احد كبار المسؤولين الايرانيين، أو ارتكب خيانة، فليس للشرطة اعتقاله وليس للمحاكم الايرانية حق محاكمته. أما اذا تم التعرّض لكلب من كلابهم وجب على الشرطة التدخل، وعلى المحاكم متابعة القضية!
ففي الوقت الذي بدأت الدول الرازحة تحت وطأة الاستعمار تتحرر بكل شهامة وشجاعة من نير الاستعمار الواحدة بعد الاخرى وتحطّم قيود الأسر، يقر المجلس التقدمي في ايران، الذي يتبجح بحضارة الفين وخمس مئة عام، ويزعم كون ايران في مصاف الدول الراقية، يقر أشد القرارات الخاطئة خزياً وإهانة حين تتخذها حكومة عديمة المصداقية، ويعرف الشعب الايراني النبيل للعالم كأحقر وأشد الشعوب تخلفاً، وتدافع الحكومة بفخر واعتزاز عن القرار الخاطئ، ويقوم المجلس بإقراره.
لقد علمت من بعض المصادر المطلعة بأن مشروع القرار المخزي هذا، عرض على حكومات باكستان واندونيسيا وتركيا والمانيا الغربية، فلم تقبل إحداها هذا الإذلال والرضوخ للأسر.
والحكومة الايرانية وحدها تتلاعب بكرامة الشعب واسلامه وتعرضه للفناء. إن علماء الدين ورجاله حينما يطالبون بعدم تدخل قوة الحراب في مقررات البلد، وأن يكون النواب نابعين من الشعب، وان تكون الحكومات وطنية، ويدعون الى رفع الرقابة عن الصحافة، ووقف تدخل أجهزة الأمن في شؤونها، وعدم سلب الشعب المسلم حريته، كل ذلك من أجل أن لا تفرض امثال هذه المخازي على الشعب، وان لا يدفعوا بنا الى هذه المصائب.
أما لماذا لم ينبس البرلمان بشفة رغم أنهم- وفقاً للقاعدة الانسانية والوطنية- مخالفون مئة بالمئة لوثيقة العبودية هذه، وقد صمتوا جميعاً باستثناء شخصين او ثلاثة حيث بدا الاضطراب عليهم واضحاً في أثناء الحديث، فهو بسبب عدم اعتمادهم على الشعب، وأنهم أجراء، ولا يقوون على الاعتراض، لأنهم سيطردون بإشارة واحدة، ويزج بهم في السجن.
هل يعلم الشعب الايراني أن ضباط الجيش بدلًا من أن يقسموا بالقرآن المجيد، يرددون عبارة (أقسم بالكتاب السماوي الذي أؤمن به)؟ هذا هو الخطر الذي نوّهت إليه كراراً: الخطر على القرآن المجيد وعلى الاسلام العزيز. الخطر على بلاد الاسلام، والخطر على استقلال البلد.
لا أدري أي سوء رآه النظام الغاشم في القرآن الكريم، وما الضرر الذي لحق به من اللجوء الى الاسلام والقرآن، كي يصر الى هذا الحد على محو اسمه؟ فلو لجأتم الى القرآن والاسلام، لن يجرؤ الاجنبي على طلب وثيقة العبودية منكم. لن يجرؤ على سحق امجادكم الوطنية والاسلامية إن تخلي الشعب عن السلطة الحاكمة، وافتقار السلطة للدعم الشعبي هو الذي يقود الى هذه المصائب.
وأني أعلن هنا أن قرار المجلسين الشائن مخالف للاسلام والقرآن وغير قانوني. ومخالف لرأي الشعب المسلم، وان نواب المجلسين ليسوا نواباً للشعب، بل نواب الحراب، وان قرارهم يفتقر للقيمة القانونية ازاء الشعب والاسلام والقرآن. واذا اراد الاجانب استغلال هذا القرار القذر استغلالًا سيئاً، فسوف يقول الشعب كلمته.
فليعلم العالم أن كل مصائب الشعب الايراني والشعوب الاسلامية هي من الاجانب، ومن اميركا، والشعوب الاسلامية مشمئزة من الاجانب عامّة، ومن اميركا خاصة، فتعاسة الدول الاسلامية وليدة تدخل الاجانب في مقدراتهم. فالاجانب هم الذين نهبوا وينهبون مواردنا وثرواتنا فالانجليز على مدى سنوات متمادية نهبوا وينهبون ذهبنا الأسود بسعر بخس.. الاجانب هم الذين احتلوا بلدنا العزيز دون وجه حق، هجموا عليه من ثلاثة محاور وقتلوا جنودنا.
فبالأمس ابتليت الدول الاسلامية بالاستعمار البريطاني وعملائه، واليوم بالهمينة الاميركية وعملائها. اميركا هي التي تساند اسرائيل وتدعم حلفاءها، وتبذل لإسرائيل كي تقوم بتشريد العرب المسلمين.. أميركا هي التي تفرض النواب، بصورة مباشرة وغير مباشرة، على الشعب الايراني.. اميركا هي التي تعتبر الاسلام والقرآن المجيد مضرّين بمصالحها، وهي التي تمارس الضغوط على المجلس والحكومة لإقرار وتنفيذ مثل هذا القرار المخزي الذي يصادر جميع امجادنا الاسلامية والوطنية.. اميركا هي التي تتعامل مع الامة الاسلامية معاملة وحشية، بل واكثر من وحشية.
على الشعب الايراني أن يحطم هذه القيود. وعلى الجيش الايراني ألا يسمح بمثل هذه الاعمال المخزية في ايران. ولابد لهم من مطالبة اصحاب المناصب العليا- بأية وسيلة ممكنة- باتلاف هذه الوثيقة الاستعمارية واسقاط هذه الحكومة وطرد النواب الذين صوتوا لصالح هذه اللائحة المفضوحة، من المجلس.
وعلى الشعب مطالبة علمائه بعدم الصمت عن هذا الأمر، وعلى علماء الدين الاعلام مطالبة مراجع الاسلام بعدم تجاهل هذه القضية، وعلى أفاضل واساتذة الحوزات العلمية مطالبة علماء الدين الاعلام بتحطيم حاجز الصمت.. وعلى طلبة العلوم الدينية مطالبة الاساتذة بألا يغفلوا عن هذا الأمر. وعلى الشعب المسلم مطالبة الوعاظ والخطباء باطلاعه على أبعاد هذه المصيبة الكبرى التي لم يطلع عليها.. وعلى الوعاظ والخطباء الاعتراض، ببيان رصين وشجاع، على هذا الأمر المخزي وتوعية الشعب. وعلى اساتذة الجامعات أن يطلعوا الشباب على ما يجري وراء الابواب المغلقة، وعلى الشباب الجامعي معارضة هذا المشروع المفضوح بحماسة وهدوء، وبشعارات منتقاة، ويلفتوا انظار شعوب العالم الى معارضتهم. وعلى طلبة جامعات الدول الاجنبية ألا يلتزموا الصمت عن هذا الأمر الحيوي الذي عرض سمعة الدين والشعب للخطر.. وعلى قادة الدول الاسلامية أن يوصلوا نداءاتنا الى اسماع العالم، وأن يسمحوا بتعريف العالم أنين هذا الشعب البائس بأجهزة البث الإعلامي الحر.
وعلى علماء وخطباء الشعوب الاسلامية، العمل على ازالة هذا العار عن جبين إخوتهم في الاسلام، أبناء الشعب الايراني المعظم، بسيل اعتراضاتهم. وعلى جميع فئات الشعب، الكف عن الصراعات الجانبية الموسمية، والسعي صوب الاهداف المقدسة في الاستقلال والتحرر من قيود الأسر. وعلى السياسيين الشرفاء أن يُطلعونا على ما يجري وراء الكواليس داخل المجلس، وعلى الاحزاب السياسية أن تتفق فيما بينها في هذه القضية المشتركة.
ان هدف المراجع العظام وعلماء الدين، واحد اينما كانوا، وهو الذود عن الدين الاسلامي المقدس والقرآن المجيد، ومساندة المسلمين. فلا اختلاف بين علماء الدين الاعلام وحفظة الاسلام في هذا الهدف المقدس. ولو افترض خلاف اجتهادي في وجهات النظر فيما يتعلق بأمر هامشي وبسيط، فليس اكثر من سائر الخلافات في الامور الفرعية، ولا يمنع من وحدة الرأي في الامور الاصولية. واذا كانت المؤسسات الحكومية تتصور أنها تستطيع، ببثّ سمومها، أن تصرف انظارنا عن الهدف المقدس، وتحقيق غاياتها المشؤومة باستغلال الجهلة المتعصبين، فإنها مخطئة.
وأنا كأحد خدمة علماء الدين الاعلام والشعب المسلم، على استعداد- في اوقات الخطر ومن اجل المصلحة الاسلامية العليا- أن استجيب بكل تواضع لأبسط الأفراد، فكيف العلماء الاعلام والمراجع العظام- كثر الله أمثالهم.
ومن الضروري أن يضبط الشبان المتعصبون والطلبة الحديثو العهد، ألسنتهم واقلامهم، ويمتنعوا عن طرح ما يثير الفرقة والتشتت من اجل الاسلام واهداف القرآن المقدسة. ذلك أن العلماء الاعلام بصدد اصلاح الوضع العام لإنهاء التخبط والفوضى، اذا أتاحت الحكومات لنا مجالًا للتفكير، وأمهلتنا المتاعب التي توجدها الزمرة الحاكمة، وسنحت الفرصة للاصلاح الداخلي. فمثل هذه المتاعب تعيقنا عن جهودنا في تهذيب الحوزات واصلاح المسائل. فمع شعورنا بالخطر المحدق بالاسلام والقرآن الكريم، لم يعد لدى الشعب والقوى الوطنية مجال للتفكير في الشؤون الأخرى. وهذه الموضوعات مهمّة حتى تنسينا مشاغلنا الخاصة.
هل يعلم الشعب المسلم أن في الوقت الحاضر عدة من العلماء والدعاة وطلبة العلوم الدينية والكثير من المسلمين الابرياء يقبعون في السجون، وقد سُجنوا مدداً طويلة دون تحقيق معهم خلافاً للقوانين. ألا يوجد من يضع خاتمة لهذه الفوضى الرجعية الشبيهة بالقرون الوسطى؟ لقد تم ذلك إثر مجزرة الخامس عشر من خرداد التي لن تلتئم جراحاتها في قلب الشعب الطاهر ابداً.
ان الزمرة الحاكمة بدلًا من أن تجد حلًا للاقتصاد الايراني وتحول دون افلاس التجار المحترمين، وتفكر بمأكل ومشرب الفقراء والمساكين وشتاء المشردين القارص، وتعمل على تهيئة فرص العلم للخريجين من الشباب وسائر الفئات المعدمة، بدلًا من كل ذلك تقوم باعمال تخريبية كالتي ذكرت وما شابهها كتوظيف النساء في المدارس الثانوية للبنين، والرجال في المدارس الثانونية للبنات، ومفسدة مثل هذا الامر واضحة للجميع، والاصرار على توظيف النساء في الدوائر الحكومية وفساد وعبث ذلك واضح للجميع.
فالاقتصاد الايراني اليوم في قبضة اميركا واسرائيل. والسوق الايرانية خرجت من يد الايراني المسلم، وقد بدأت ملامح الفقر والافلاس على وجوه التجار والمزارعين، وأدت اصلاحات السادة الى ايجاد سوق سوداء لاميركا واسرائيل، ولا من أحد يغيث الشعب الفقير.
إني أتألّم من التفكير بشتاء هذا العام، واتوقع حدوث مجاعة- لا سمح الله- وهلاك الكثير من الفقراء والمعوزين. فمن الضروري أن يفكر الشعب نفسه بالفقراء، ومن الضروري أن يتم الاعداد لشتائهم من الآن حتى لا تتكرر فجائع العام الماضي، ومن الواجب على العلماء الاعلام في البلد أن يدعوا الناس الى هذا الأمر الضروري.
اسأل الله- تعالى- عظمة الاسلام والمسلمين، وخلاص الدول الاسلامية من شر الاجانب خذلهم الله- تعالى- والسلام على من اتبع الهدى.
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج1، ص: 367,364
1- سورة النساء، الآية 141.