يتم التحميل...

السيدة زينب في عهد جدّها الرسول

وفاة السيدة زينب(ع)

إن الذكاء المفرط ، والنضج المبكر يمهدان للطفل أن يرقى إلى أعلى الدرجات ـ إذا استغلت مواهبه ـ وخاصةً إذا كانت حياته محاطة بالنزاهة والقداسة ، وبكل ما يساعد على توجيه الطفل نحو الأخلاق والفضائل،بعد ثبوت هذه المقدمة نقول:ما تقول في طفلة

عدد الزوار: 108

إن الذكاء المفرط ، والنضج المبكر يمهدان للطفل أن يرقى إلى أعلى الدرجات ـ إذا استغلت مواهبه ـ وخاصةً إذا كانت حياته محاطة بالنزاهة والقداسة ، وبكل ما يساعد على توجيه الطفل نحو الأخلاق والفضائل،بعد ثبوت هذه المقدمة نقول:ما تقول في طفلة:روحها أطهر من ماء السماء، وقلبها أصفى من المرآة، وتمتاز بنصيب وافر من الوعي والإدراك، تفتح عينها في وجوه أسرتها الذين هم أشرف خلق الله، وأطهر الكائنات، وتنمو وتكبر وتدرج تحت رعاية والد لا يشبه آباء العالم، وفي حجر والدة فاقت بنات حواء شرفاً وفضلاً وعظمة؟ !!

وإذا تحدثنا عن حياتها على ضوء علم التربية ، فهناك يجف القلم ، ويتوقف عن الكتابة ، لأن البحث عن حياتها التربوية يعتبر حثاً عن الكنز الدفين الذي لا يعرف له كم ولا كيف، ولكن الثابت القطعي أنها تربية نموذجية، وحيدة وفريدة،وهل يستطيع الباحث أو الكاتب أو المتكلم أن يدرك الجو العائلي المستور في بيت الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء عليهما السلام ؟

لقد روي أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قرأ قوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ1 فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أي بيوت هذه ؟

فقال: بيوت الأنبياء،فقام إليه أبوبكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة.
فقال النبي: نعم ، من أفضله 2،ويجب أن لا ننسى أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ـ الذي أعطى المناهج التربوية للأجيال ، وأضاء طرق التربية الصحيحة للقرون ـ لابد وأنه يبذل إهتماماً بالغاً وعنايةً تامةً في تربية عائلته ، ويمهد لهم السبيل حتى ينالوا قمة الأخلاق والفضائل،وخاصةً حينما يجد فيهم المؤهلات والإستعداد لتقبل تلك التعاليم التربوية،ومن الواضح أن السيدة زينب ـ بمواهبها واستعدادها النفسي ـ كانت تتقبل تلك الأصول التربوية ، وتتبلور بها ، وتندمج معها 3، وأكثر إنطباعات الإنسان النفسية يكون من أثر التربية ، كما أن أعماله وأفعاله ، بل وحتى حركاته وسكناته ، وتصرفاته وأخلاقه وصفاته نابعة من نوعية التربية التي أثرت في نفسه كل الأثر، إذن، فمن الصحيح أن نقول: إن السيدة زينب تلقت دروس التربية الراقية العليا في ذلك البيت الطاهر ، كالعلم ـ بما في ذلك الفصاحة والبلاغة، والإخبار عن المستقبل ـ ومعرفة الحياة، وقوة النفس وعزتها، والشجاعة والعقل الوافر، والحكمة الصحيحة في تدبير الأمور، واتخاذ ما يلزم ـ من موقف أو قرار ـ

فقالت:يا أبتاه ما أطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد، فضمها إلى صدره وقبلها بين عينيه، إن هذه اللقطة التاريخية تدل ـ بكل وضوح ـ على قوة التفكير والنضج المبكر في ذهن وفكر السيدة زينب ، حتى وهي في عمر الطفولة ، فكلامها هذا يدل على الأفكار والمفاهيم والمعاني التي كانت تجول في خاطرها !

فاللسان الذي قال: واحد ، لا يمكن له أن ينطق بكلمة: اثنين ، لأن لكلمة واحد ظلال في ذهن السيدة زينب عليها السلام ، كلما ذكرت الكلمة تبادر الى الذهن ذلك الظلال ، وهو وحدانية الله سبحانه ، وعدم وجود إله ثان يشاركه في الألوهية والربوبية وإدارة الكون، بالإضافة إلى إيمانها الوثيق بالله تعالى ، وتقواها ، وورعها وعفافها ، وحيائها ، وهكذا إلى بقية فضائلها ومكارمها،

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغمر أطفال السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بعواطفه ، ويشملهم بحنانه ، بحيث لم يعهد من جد أن يكون مغرماً بأحفاده إلى تلك الدرجة،وكان صلى الله عليه وآله وسلم ـ إذا زارهم في بيتهم أو زاروه في بيته ـ يعطر خدودهم وشفاههم بقبلاته ، ويلصق خده بخدودهم،ويعلم الله تعالى كم من مرة حظيت السيدة زينب عليها السلام بهذه العواطف الخاصة ؟ !

وكم من مرة وضع الرسول الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم خده الشريف على خد حفيدته زينب ؟ ! وكم من مرة أجلسها في حجره ؟!

وكم من مرة تسلقت زينب أكتاف جدها الرسول ؟!ويؤسفنا أنه لم تصل إلينا تفاصيل أو عينات تاريخية تنفعنا في هذا المجال ، وحول السنوات الخمس التي عاشتها السيدة تحت ظل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم 4.

*  كتاب زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي ص 18، مع تصرف يسير منا في بعض الكلمات،


1-النور: 36.
2-البرهان في تفسير القرآن ، للسيد هاشم البحراني ، عند تفسير الآية الكريمة.
3-ومن ذكريات الطفولة في حياة السيدة زينب عليها السلام نقرأ في كتب التاريخ: أنها سألت أباها ذات يوم فقالت: أتحبنا يا أبتاه ؟ !
فقال الإمام: وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي !
فقالت: يا أبتاه إن الحب لله تعالى ، والشفقة لنا،
المصدر: كتاب زينب الكبرى للنقدي ، وهو يحكي ذلك عن كتاب مصابيح القلوب للشيخ حسن السبزواري ، المعاصر للشهيد الأول ، رضوان الله عليهم،
إن هذا الحوار الجميل يدل على أكثر من معنى ، فمن ذلك:
1 ـ جو الود والصفاء الذي كان يخيم على دار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والعلاقات الطيبة بين الوالد الرؤف وبين طفلته الذكية !
2 ـ إن الحب ينقسم إلى أكثر من قسم ، باعتبار نوعه ومنشئه ومنطلقه ، وكل قسم منه له إسم خاص به ، لكن يطلق على الجميع كلمة الحب،
فهناك حب الإنسان لله تعالى الذي خلق البشر وأنعم عليهم بأنواع النعم،وهناك حب الوالد لأطفاله، الذي ينبعث من العاطفة والحنان ، وقد عبرت السيدة زينب عن هذا النوع بـ الشفقة،
ونقرأ في كتب اللغة أن الشفقة: هي العطف والحنان والرأفة والحنو،فهي ـ إذن ـ: فصيلة خاصة من الحب ،،ينبعث من قلب الوالدين لأطفالهما،
3 ـ المستوى الرفيع لتفكير السيدة زينب ،،رغم كونها في السنوات الأولى من مرحلة الطفولة،
أجل ، إنها سيدة،، حتى يوم كانت طفلة !
ونقرأ ـ أيضاً ـ عن الذكاء المبكر للسيدة زينب: أن والدها أجلسها في حجره ـ يوم كانت طفلة ـ وبدأ يلاطفها ، وقال لها: بنية قولي واحد،
فقالت: واحد،
قال: قولي إثنين،
فسكتت! فقال لها: تكلمي يا قرة عيني،
4-ونقرأ في بعض كتشب التاريخ رؤيا مخيفة رأتها السيدة زينب وهي في عمر الطفولة، فحدثت بذلك جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا جداه رأيت ـ البارحة ـ أن ريحاً عاصفة قد إنبعثت فاسودت الدنيا وما فيها وأظلمت السماء ، وحركتني الرياح من جانب إلى جانب ، فرأيت شجرة عظيمى فتمسكت بها لكي أسلم من شدة الريح العاصفة ، وإذا بالرياح قد قعلت الشجرة من مكانها وألقتها على الأرض !
ثم تمسكت بغصن قوي من أغصان تلك الشجرة فكسرتها الرياح ، تعلقت بغصن آخر فكسرتها الريح العاصفة ! !
فتمسكت بغصن آخر وغصن رابع ، ثم استيقظت من نومي !
وحينما سمع رسول الله منها هذه الرؤيا بكى وقال: أما الشجرة فهو جدك ، وأما الغصنان الكبيران فهما أمك وأباك ، وأما الغصان الآخران فأخواك الحسنان ، تسود الدنيا لفقدهم ، وتلبسين لباس المصيبة والحداد في رزيتهم،

2012-03-27