الإمام الجواد عليه السلام والمعتصم العباسي
ولادة الإمام محمد الجواد(ع)
المعتصم هو أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد ولد سنة ثمانين ومائة، كذا قال الذهبي. وقال الصولي: في شعبان سنة ثمان وسبعين. وأُمه أُم ولد من مولدات الكوفة اسمها ماردة وكانت أحظى الناس عند الرشيد. وكان ذا شجاعة وقوة وهمّة وكان عرياً من العلم، لقب بالمعتصم وهو ابعد ما يكون من الاعتصام بالله عز وجل.
عدد الزوار: 106
المعتصم هو أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد ولد سنة ثمانين ومائة، كذا قال الذهبي. وقال الصولي: في شعبان سنة ثمان وسبعين.
وأُمه أُم ولد من مولدات الكوفة اسمها ماردة وكانت أحظى الناس عند الرشيد. وكان ذا شجاعة وقوة وهمّة وكان عرياً من العلم، لقب بالمعتصم وهو ابعد ما يكون من الاعتصام بالله عز وجل.
وكان فاسد الأخلاق له غلام يقال له عجيب وكان مشغوفاً به.
وقد استمر على نهج أخيه في إثارة فتنة خلق القرآن. فسلك ما كان المأمون عليه وختم به عمره من امتحان الناس بخلق القرآن، فكتب إلى البلاد وأمر المعلمين ان يعلّموا الصبيان ذلك وقاسى الناس منه مشقة في ذلك وقتل عليه خلقاً من العلماء، وضرب الإمام احمد بن حنبل وكان ضربه في سنة عشرين. قيل فجلده حتى غاب عقله وتقطع جلده وقيده وحبسه.
لقد كان المعتصم محدود التفكير ميالاً للقسوة في تعامله مع خصومه السياسيين وغيرهم، وكان يفتقد كثيراً من مقومات الحنكة السياسية في إدارة شؤون الدولة، وقد تعرّض حكمه لكثير من صور الاضطرابات السياسية في أقاليم عديدة من الدولة العباسية.
وقد هيمن الجيش على الحكم في عصره بعد ان مال المعتصم إلى أخواله الأتراك وكوّن منهم جيشاً خاصاً، وأغدق عليهم الأموال الطائلة مما أثار حفيظة العسكريين العرب، وأثار النزعة القومية في المجتمع.
وتعتبر سياسة المعتصم هذه اخطر ما واجهته الدولة العباسية في مسيرتها. وقد ساءت الأحوال بعد المعتصم، واستشرى خطر العسكريين في الدولة وقاموا بالانقلابات العسكرية على الخلفاء الذين حاولوا تقليص سلطاتهم.
المعتصم والطليعة الإسلامية الواعية
على خلفية الخلاف العقائدي الشديد بين أئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم المؤمنين من جهة والخلافة العباسية واتباعها من جهة أخرى، استمر العداء بين الخطين وان اتخذ في كل فترة لوناً أو درجة من الشدة، ولم يكن المعتصم بمنفصل عن سياسة أسلافه المعادين لأهل البيت عليهم السلام وحزبهم.
لقد كاد للإسلام وخطه الصحيح فواجه معارضة شديدة من أهل البيت عليه السلام وشيعتهم وسنتناول الانتفاضات التي انطلقت في عصره خلال فصل قادم.
الإمام الجواد عليه السلام والمعتصم
لم تكن المدة التي قضاها الإمام الجواد عليه السلام في خلافة المعتصم طويلة فهي لم تتجاوز السنتين، كان ختامها شهادة الإمام عليه السلام على يد النظام المنحرف، وفيما يلي استعراض للعلاقة بين الإمام الجواد عليه السلام والمعتصم.
أ- استقدام الإمام عليه السلام إلى بغداد:
لقد خشي المعتصم من بقاء الإمام الجواد عليه السلام بعيداً عنه في المدينة، لذلك قرر استدعاءه إلى بغداد، حتى يكون على مقربة منه يحصي عليه أنفاسه ويراقب حركاته، ولذلك جلبه من المدينة، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين، وتوفي بها عليه السلام في ذي القعدة من هذه السنة.
لقد كان هذا الاستقدام بمثابة الإقامة الجبرية تتبعه عملية اكبر وهي التصفية الجسدية .
ب- اغتيال الإمام الجواد عليه السلام:
كان وجود الإمام الجواد عليه السلام يمثل خطراً على النظام الحاكم لما كان يملكه هذا الإمام من دور فاعل وقيادي للأُمة، لذلك قررت السلطة أن تتخلّص منه مع عدم استبعادها وجود العلاقة بين الإمام القائد والتحركات النهضوية في الأُمة.
فقد روى المؤرخون عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد قاضي المعتصم قوله:" رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك، فقال وددت اليوم أني قد مت منذ عشرين سنة، قال قلت له: ولم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الأسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين، قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: إن سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي فسألناه عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع.
قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع والكفّ إلى الكرسوع، لقول الله في التيمم فامسحوا بوجوهكم وأيديكم، واتفق معي ذلك قوم.
وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك؟ قالوا: لأن الله لمّا قال: وأيديكم إلى المرافق في الغسل دلّ ذلك على ان حدّ اليد هو المرفق.
قال: فالتفت إلى محمد بن علي عليه السلام فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين، قال: دعني ممّا تكلموا به! أي شيء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين، قال: أقسمت عليك بالله لمّا أخبرت بما عندك فيه.
فقال: أمّا إذا أقسمت عليّ بالله أني أقول إنهم أخطأوا فيه السنّة، فإن القطع يجب ان يكون من مفصل أُصول الأصابع، فيترك الكفّ، قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله: السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى:{وأن المساجد لله} يعني بهذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فلا تدعوا مع الله أحداً وما كان لله لم يقطع.
قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ.
قال ابن أبي دؤاد: قامت قيامتي وتمنّيت أني لم أك حيّاً.
قال زرقان: قال ابن أبي دؤاد: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة، فقلت: ان نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة وأنا أكلّمه بما أعلم أني ادخل به النار، قال: وما هو؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أُمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثمّ يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل شطر هذه الأمة بإمامته، ويدّعون أ نّه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟
قال: فتغير لونه وانتبه لما نبّهته له، وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيراً. قال: فأمر اليوم الرابع فلاناً من وزرائه بأن يدعوه -أي الجواد عليه السلام- إلى منزله فدعاه فأبى ان يجيبه وقال عليه السلام: قد علمت أني لا أحضر مجالسكم، فقال: إني إنما أدعوك إلى الطعام واحبّ ان تطأ ثيابي، وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك، فقد احبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك، فصار إليه، فلمّا طعم منها أحس السمّ فدعا بدابّته فسأله رب المنزل أن يقيم. قال عليه السلام: خروجي من دارك خير لك، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى قبض عليه السلام".
لقد كان الإمام الجواد عليه السلام يتوقع استشهاده بعد هذا الاستدعاء فقد روي عن إسماعيل بن مهران قوله:" لمّا أُخرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جُعلت فداك، إني أخاف عليك من هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ قال: فكرّ بوجهه إليّ ضاحكاً وقال: ليس حيث ظننت في هذه السنة.
فلمّا استدعي به إلى المعتصم صرتُ إليه فقلتُ له: جُعلتُ فداك، أنت خارجٌ، فإلى من هذا الأمرُ من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ثم التفتَ إليّ فقال: عند هذه يُخاف عليّ، الأمرُ من بعدي إلى ابني علي".
لقد درس المعتصم أكثر السبل التي يستطيع بها أن يصفي الإمام، فاعلية وأقلها ضرراً، فلم يجد أفضل من أُم الفضل بنت أخيه المأمون للقيام بهذه المهمّة فهي التي تستطيع أن تقتله بصورة أكيدة دون أن تثير ضجة في الأُمة، مستغلاً نقطتين في شخصيتها، هما:
1- كونها تنتمي للخط الحاكم انتماءً حقيقياً، فهي بنت المأمون وعمّها المعتصم، وليست بالمستوى الإيماني الذي يجعلها تنفك عن انتمائها النسبي هذا، لذلك كانت تخضع لتأثيراته وتنفذ ما يريده ضد الإمام.
2- غِيرَتُها وحقدها على الإمام بسبب تسريه وتزوّجه من نساء أُخريات، خصوصاً وأنها لم تلد للإمام، وإنما رزق الإمام من غيرها ولده الهادي عليه السلام.
ولقد كان أمر غيرتها شائعاً بين الناس لذلك قال المؤرخون: "وقد روى الناس أن أُم الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول: إنه يتسرى علي ويغيرني. فكتب إليها المأمون: يا بنيّة إنا لم نزوجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالاً، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها".
ولم تخل هذه الفترة من الاعتداءات الظاهرية على الإمام عليه السلام من أذناب السلطة، ومن ذلك ما فعله عمر بن فرج الرخجي الرجل المعادي لأهل البيت عليهم السلام والعامل عند السلطة العباسية. فمثلاً روى المؤرخون عن محمد بن سنان قوله: "دخلت على أبي الحسن الهادي عليه السلام فقال: يا محمد حدث بآل فرج حدث؟ فقلت: مات عمر. فقال: الحمد لله على ذلك، أحصيت أربعاً وعشرين مرة، ثم قال: أو لا تدري ما قال لمحمد بن علي أبي؟ قال: قلت: لا، قال: خاطبه في شيء، فقال: أظنّك سكران، فقال أبي: اللهمّ إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائماً فأذقه طعم الحرب وذلّ الأسر. فوالله إن ذهبت الأيام حتى حُرب ماله وما كان له، ثم أُخذ أسيراً فهو ذا مات".
* سلسلة أعلام الهداية-الإمام الجواد عليه السلام-، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام، ط1، 1422هـ، ج11، ص129-135.
2011-10-26