يتم التحميل...

بنو قريظة ينقضون العهد مع رسول الله

غزوة بني قريظة

كان بنو قريظة الطائفة اليهودية الوحيدة التي بقيت في المدينة تعايش المسلمين في سلام وأمن، وكانوا يحترمون الميثاق الذي عقدوه مع النبي صلّى اللّه عليه وآله، احتراماً كاملاً.

عدد الزوار: 150

كان بنو قريظة الطائفة اليهودية الوحيدة التي بقيت في المدينة تعايش المسلمين في سلام وأمن، وكانوا يحترمون الميثاق الذي عقدوه مع النبي صلّى اللّه عليه وآله، احتراماً كاملاً.

فرأى "حُييُّ بن أخطب"أن طريق الانتصار في معركة الخندق يتوقف على الاستعانة بمن في داخل المدينة لصالح المعتدين العرب؛ وذلك بأن يدعو يهود بني قريظة إلى نقض العهد الذي عاهدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله به، ليشعل بذلك حرباً بين المسلمين ويهود بني قريظة ويشغل المسلمين بفتنة داخلية، وبذلك يمهّد لانتصار المشركين الذين يحاصرون المسلمين خلف الخندق.

وانطلاقاً من هذه الفكرة أتى "حييُّ"إ لى حصن بني قريظة، ودق عليهم الباب وعرّف نفسه، فأمر رئيس بني قريظة "كعب بن الأسد" بأن لا يفتحوا له الباب ولكنه أصر، وقال: ما يمنعك من فتح الباب إلا جشيشتك -أي خبزك- الذي في التنور، تخاف أن أُشاركك فيها فافتح فانَّك آمِن من ذلك.فأثارت تلك الكلمات الجارحة حمية كعب فأمر بأن يفتحوا له باب الحصن، ففتحوا له، فدخل مثير الحرب المشؤوم "حييّ" وقال لكعب: يا كعب لقد جئتك بعزّ الدهر، هذه قريش في قادتها وسادتها مع حلفائهم من كنانة، وهذه فزارة مع قادتها وسادتها، وهذه سليم وغيرهم، ولا يفلت محمَّد وأصحابهُ من هذا الجمع أبداً وقد تعاقدوا وتعاهدوا ألا يرجعوا حتى يستأصلوا محمَّداً ومن معه، فانقض العهد بينك وبين محمّد، ولا تردّ رأيي.

فأجابه كعب قائلاً: لقد جئتني -واللّه-بذلّ الدهر، وبسحاب يبرق ويرعد وليس فيه شيء، وأنا في بحر لجي لا أقدر على أن أريم داري ومالي معي، والصبيان والنساء، إني لم أرَ مِن محمَّد إلا صدقاً ووفاء فارجع عنّي، فانه لا حاجة لي فيما جئتني به.

ولكن حييّ بن أخطب لم يزل يراوض كعباً ويخاتله ويلحّ عليه حتى أقنعه بنقض عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وهيّأ لذلك، فقال كعب:أنا أخشى أن لا يقتل محمّد وتنصرف قريش إلى بلادها، فماذا نفعلُ حينذاك ؟ فوعده حيي أن يدخل معه حصنهُ ليصيبه ما أصابه إن لم يُقتل محمّد صلّى اللّه عليه وآله.

فقال كعب: دعني أُشاور رؤساء اليهود، فدعا رؤساء اليهود وشيوخهم، وخبرهم الخبر، وحيي حاضر، وقال لهم كعب:ما ترون ؟ فقالوا:أنت سيدنا، والمطاع فينا، وصاحب عهدنا وعقدنا، فإن نقضت نقضنا معك وإن أقمت أقمنا معك، وإن خرجت خرجنا معك.

فقال "الزبير بن باطا"وكان شيخاً كبيراً مجرّباً قد ذهب بصره: قد قرأت في التوراة التي أنزلها اللّه في سفرنا يبعث نبيّاً في آخر الزمان، يكون مخرجُه بمكة، ومهاجرُه في هذه البحيرة...يبلغ سلطانه منقطع الخفِّ والحافر فان كان هذا -أي محمَّد- هو فلا يهولنّه هؤلاء ولا جمعهم، ولو نوى على هذه الجبال الرواسي لغلبها.

فقال أخطب من فوره: ليس هذا ذاك، ذلك النبيُّ من بني إسرائيل، وهذا من العرب من ولد إسماعيل، ولا يكون بنو إسرائيل أتباعاً لولد إسماعيل أبداً، لأنَّ اللّه فضّلهم على الناس جميعاً وجعل فيهم النبوة والملك، وليس مع محمَّد آية، وإنّما جمعهم جمعاً وسحرهم !
ولم يزل يقنّع بهم، ويقلِّبهم عن رأيهم، ويلحُّ عليهم حتى أجابوه، ورضوا بأن ينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.

فقال: أخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمَّد، فأخرجوه، فأخذه ومزقه،
وقال: قد وقع الأمر، فتجهَّزوا وتهيّأوا للقتال، وبذلك جعلهم أمام الأمر الواقع الذي ظنوا أنه لا مفرَّ منه !

النبي صلى الله عليه وآله يعرف بنقض بني قريظة للعهد

بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن طريق جواسيسه الأذكياء نقضُ بني قريظة للعهد، في مثل ذلك الظرف الحساس، فغمه غماً شديداً. فأمر مِن فوره "سعد بن معاذ" و"سعد بن عبادة" -وكانا من خيرة رجاله الشجعان ومن قادة جيشه الممتازين، كما أنهما كانا رئيسي الأوس والخزرج- بأن يحصلا له على معلومات دقيقة عن هذا الحادث، وأسبابه وملابساته، وأنه إذا كان هناك خيانة ونقض للعهد فعلاً أن يخبّراه وحده فقط ولا يخبرا أحداً به ويقولا:عضل والقارة لكيلا لا يفتَّ ذلك أعضاد المسلمين ولا يضعف من معنوياتهم، وأما إذا لم تكن هناك خيانة، فيكذّبا الأمر بصراحة.

فذهب الرجلان، واقتربا إلى حِصن بني قريظة، فأشرف عليهما كعب من داخل الحصن، فشتم سعداً وشتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وبذلك أظهر نقضه للعهد والميثاق فأجابه سعد بالهام غيبي:إنّما أنت ثعلب في جحر، لتولَّيَنَّ قريش، وليحاصرنَّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ولَيُنزلنك على الصغار والذلّ وليضربنَّ عنقك.

ثم رجعا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقالا له:عضل والقارة.فكبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قائلاً برفيع صوته:"اللّه أكبر أبشروا يا معشر المسلمين بالفتح".


وهذه العبارات تكشف عن مبلغ شجاعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وعمق سياسته، فقد قالها لكي لا تضعف معنوية المسلمين، ولا يتملكهم الخوف إذا سمعوا بنقض بني قريظة للعهد، وهم في تلك الظروف الحرجة الشديدة أحوج ما يكونون إلى المعنويات العالية، والإحساس بروح النصر.


تجاوزات بني قريظة الأولية

كانت الخطة المبدأية لبني قريظة تقضي بأن يبدأوا عملهم الخياني بالإغارة على المدينة، وإرعاب النساء والأطفال الموجودين في البيوت والمنازل، وقد نفذت مراحل من هذه الخطة تدريجاً .

فقد أخذ بعض صناديد بني قريظة يحومون حول بيوت المسلمين التي فيها أطفالهم ونساؤهم بصورة مشبوهة .

تقول "صفية بنت عبد المطلب"عمة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله:كنت في فارع، حصن حسان بن ثابت، وكان حسان بن ثابت معنا فيه، مع النساء والصبيان، فمرّ بنا رجل من اليهود.فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول صلّى اللّه عليه وآله، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والمسلمون في نحور عدوّهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت، فقلت لحسان:إن هذا اليهوديّ كما ترى يُطيف بالحصن، وإنّي واللّه ما آمنه أن يدل علينا من وراءه مِن اليهود، وقد شُغل عنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه، فانزل إليه فاقتله، قال:يغفر اللّه لك يا ابنة عبد المطلب، واللّه لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، فلما قال لي ذلك احتجزت أي شددت وسطي ثم أخذت عموداً، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت: يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل، فقال حسان:مالي بسلبهحاجة يا ابنة عبد المطلب !

ولما بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن طريق عيونه على اليهود أنهم نقضوا ما بينه وبينهم من العهد، وأنهم طلبوا من قريش ألف رجل، ومن غطفان ألف رجل ليغيروا على المدينة عبر حصن اليهود، وكان ذلك في ما كان المسلمون منشغلين بحراسة الخندق، فعظم بهذا الخبر البلاء وصار الخوف على الذراري أشد من الخوف على أهل الخندق، بعث النبي صلّى اللّه عليه وآله مسلمة بن أسلم وزيد بن حارثة في خمس مئة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير.


*راجع:سيد المرسلين، الشيخ جعفر الهادي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، قم/إيران، 1422هـ، ج2، ص258-260.

2013-09-13