يهود بني قريظة يتشاورون حول الموقف
غزوة بني قريظة
تشاور يهود بنو قريظة وهم معتصمون بحصونهم في الموقف، وقد شارك فيه "حُيي بن أخطب"مثير معركة الأحزاب، فانه لم يذهب إلى خيبر بعد أن وضعت الحرب في معركة الأحزاب أوزارها وولى العرب المشركون بل دخل في حصون بني قريظة.
عدد الزوار: 187
تشاور يهود بنو قريظة وهم معتصمون بحصونهم في الموقف، وقد شارك فيه "حُيي بن أخطب"مثير معركة الأحزاب، فانه لم يذهب إلى خيبر بعد أن وضعت الحرب في معركة الأحزاب أوزارها وولى العرب المشركون بل دخل في حصون بني قريظة.
هذا وقد طرح زعيمُ بني قريظة ثلاثة اقتراحات وطلب من الجميع أن يتفقوا على واحدة منها لمعالجة الموقف
1- أن يؤمنوا برسول اللّه، ويصدقوه لأنه قد تبيّن لهم أنه نبي مرسل، وأنه الذي يجدونه في كتابهم، وبذلك يأمنون على دمائهم وأموالهم ونسائهم وأبنائهم.
2- أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يخرجوا إلى محمَّد وأصحابه يقاتلونهم، فإذا هلكوا، هلكوا ولم يتركوا وراءهم نسلاً يُخشى عليه، وإن انتصروا تزوجوا
من جديد، ووجدوا أبناء.
3- إن الليلة هي ليلة السبت، وانه عسى أن يكون محمَّد وأصحابه قد منوهم فيها، لعلمهم بأن اليهود لا يقاتلون في السبت، فلينزلوا من الحصون لعلهم يصيبون من محمَّد وأَصحابه على حين غفلة.
ولكن المشاورين رفضوا جميع هذه الطروحات، وقالوا:لا نفارق حكم التوراة أبداً، ولا نستبدل به غيره، وقالوا: ان نقتل أبناءنا ونساءنا فما خير العيش بعدهم، وقالوا: لا نقاتلُ ليلة السبت محمداً وأصحابه نفسد سبتنا علينا، ونحدث فيه ما لم يُحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ.
إن هذا الحوار يساعدنا على فهم نفسية تلك الجماعة ونعني اليهود، وخصالهم وأخلاقهم الفاسدة.
فإن رفض الاقتراح يكشف عن أنهم كانوا جماعة معاندة، لجوجة، لأنهم إذا كانوا حقاً يعرفون صدق نبوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله - كما قال زعيمهم - لم يكن لوقوفهم سبب إلا العناد والعتوّ، واللجاج.
وأما الاقتراح الثاني وما دار حوله من كلام فيشهد بجلاء على أن تلك الطائفة كانت جماعة قاسية، لا تعرف للرحمة والحنان معنى، لان قتل الأطفال والنساء الأبرياء لا يمكن من دون قسوة شديدة.
هذا مضافاً إلى أن المشاورين آنذاك رفضوا هذا المقترح لا بدافع الرحمة والشفقة على الأطفال والنساء، بل لأن الحياة لا تعود لذيذة بعد فقدهم هذا هو ما قالوه. ولم يقل أيُ واحد منهم: وماذا جنى الأطفال والنساء حتى نقتلهم ونذبحهم، ولو أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله -تمكن منهم- لم يقتلهم، فكيف نعمد نحن -الآباء الرحماء- إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة بحقهم. فنسفك دماءهم من غير جرم ولا جناية؟
وأما الاقتراح الثالث فيكشف عن أنهم لم يكونوا يعرفون جيداً مدى علم رسول الإسلام صلّى اللّه عليه وآله بفنون القتال، والدفاع وكانوا يتصورون أن القائد الأعلى للإسلام لا يراعي قواعد الحذر والاحتياط ليلة السبت ويومه، وخاصة في مواجهة أعداء خونة، إخوان غدر ومكر، أمثال اليهود الناقضين للعهود، الناكثين للمواثيق.
ان دراسة وتقييم معركة "الأحزاب"تثبت ندرة وجود الأذكياء والفطنين بين هذه الجماعة، وإلا لكانوا يتمكنون من حفظ كيانهم حتى من الناحية السياسية في تلك الظروف من دون أن ينحازوا إلى أي واحد من طرفي الصراع الإسلام والشرك.
أي أنه كان من الممكن أن يتخذوا جانب الحياد الكامل، ويبقوا متفرجين لما يدور بين محمَّد، وجيش المشركين، وبهذا يبقوا محافظين على كيانهم ووجودهم، انتصر من انتصر وغلب من غلب.
ولكنهم خُدعوا بتسويلات "حيي بن أخطب"ووسوساته وانحازوا إلى جيش العرب المشركين فتورطوا في مثل تلك الورطة، وهي أن يتخلوا -في النهاية- عن مساعدة قريش بعد شهر كامل من التعاون معهم، والرضوخ لخطة "نعيم بن مسعود"، وإخبار قريش بأنهم لن يتعاونوا معهم ضدّ رسول الإسلام ما لم تسلم قريش بعض شخصياتها إليهم، لغرض الاحتفاظ بهم في حصونهم كوثيقة!
لقد غاب عن تلك الزمرة المعاندة اللجوجة أنهم قد تعاونوا ضدّ رسول الإسلام في بداية الأمر، فإذا قطعوا علاقاتهم مع قريش، وترك جيش المشركين ساحة المعركة إذا أحسّ بالعجز عن تحقيق أي انتصار، وعاد إلي بلاده، فان بني قريظة بأجمعهم سيكونون حينئذً في قبضة المسلمين.
فلو كانوا يملكون شيئاً من الرؤية السياسية الصحيحة لكان عليهم أن يعلنوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله -فور قطع العلاقات مع قريش- عن ندامتهم على نقض الميثاق الذي عقدوه من قبل مع النبي صلّى اللّه عليه وآله ويعتذروا إليه ممّا بدر لينجوا من الخطر في صورة انتصار المسلمين على الكفار-ولكن الشقاء أصابهم عندما قطعوا العلاقات مع جيش قريش، ولم يلتحقوا بالمسلمين، ولم يعتذروا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
على أنه لم يكن في مقدور النبي صلّى اللّه عليه وآله أن يترك بني قريظة بعد هزيمة جيش العرب على حالهم، ويغض النظر عن موقفهم إذ لم يكن من المستبعد، أن يفكر العرب في مناسبة أُخرى في تسيير جيش ضخم ومنظم آخر لاجتياح المدينة، ويتمكنوا مع مساعدة بني قريظة من استئصال الإسلام.
فكان يهود بني قريظة يُعتبرون في الحقيقة العدوّ الداخلي الذي يهدّد كيان الإسلام من الداخل، وعلى هذا كان من الواجب معالجة الأمر مع بني قريظة، وحلّ هذه المسألة الخطيرة بالنسبة إلى المسلمين من الأساس.
* راجع:سيد المرسلين، الشيخ جعفر الهادي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، قم/إيران، 1422هـ، ج2، ص283-285.
2010-11-02