أسماء وألقاب السيدة المعصومة
وفاة السيدة المعصومة(ع)
لا يخفى أن للتسمية أهمية كبيرة، ولها في نظر أهل البيت عليهم السلام عناية خاصّة، وهي وإن وجدت مع وجود الإنسان باعتبار المدنية الطبيعية المقتضية للتعامل مع الأشخاص والأشياء المختلفة الموجبة للتميز فيما بينها إلا أنّ تعاليم أهل البيت عليهم السلام
عدد الزوار: 1700
لا يخفى أن للتسمية أهمية كبيرة، ولها في نظر أهل البيت عليهم السلام عناية خاصّة، وهي وإن وجدت مع وجود الإنسان باعتبار المدنية الطبيعية المقتضية للتعامل مع الأشخاص والأشياء المختلفة الموجبة للتميز فيما بينها إلا أنّ تعاليم أهل البيت عليهم السلام أدخلت تعديلات مهمّة في وضعها وإطلاقها على الأشخاص والأشياء راعت فيها الجوانب النفسانية والأخلاقية، فحثّت على تخيّر الاسم الحسن، واعتبرت ذلك من حقوق الأبناء على آبائهم.
ففي رواية عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: " جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله ما حقّ ابني هذا؟ قال: تحسن اسمه، وأدبه، وتضعه موضعاً حسناً "، بل إضافة على ذلك كان أهل البيت عليهم السلام يغيّرون بعض الأسماء إذ ربّما تترك أثراً سلبياً على نفس المسمّى.
فقد روى الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: " إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان ".
ولما كانت السيدة المعصومة ربيبة الإمامة، فقد حظيت بأحسن الأسماء، وأجمل الألقاب، وإن لأسمائها وألقابها من الدلالات والمعاني ما يشير إلى عظمتها، ذلك لأنّ الاسم أو اللقب لم يطلق عليها جزافاً، وإنّما صدر عن المعصوم الذي يضع الأشياء في مواضعها، الأمر الذي يدلّ على جلالة هذه الشخصية وعظمتها في كل شأن من شؤونها.
وأما أسماؤها وألقابها فهي:
1- فاطمة:
وكم لهذا الاسم من شأن وخصوصية عند الأئمة عليهم السلام وشيعتهم، وكم كان الأئمة عليهم السلام يولون هذا الاسم أهمية فائقة، لا نجدها في سائر الأسماء عندهم.
روى الكليني بسنده عن السكوني، قال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم مكروب، فقال لي: يا سكوني ما غمّك؟ فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك، فسرّى والله عني، فقال: ما سمّيتها؟ قلت: فاطمة، قال: آه، آه، آه، ثم وضع يده على جبهته، ثم قال: أما إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها، ولا تلعنها، ولا تضربها ".
إن لهذا الاسم قدسية في نفوس أهل البيت عليهم السلام، ولذا ذكر بعض الباحثين أن جميع الأئمة عليهم السلام كانت لهم بنات بهذا الاسم، حتى أن أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان اسم أمّه فاطمة واسم زوجته فاطمة، كان له بنت اسمها فاطمة، وأنّ الإمام الكاظم عليه السلام كانت له أربع بنات بهذا الاسم، الأمر الذي يؤكد على أن هذا الاسم ليس أمراً عادياً، فيا ترى ما هو الوجه في ذلك.
وقد ذكرت الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام عدة تفاسير لمعنى فاطمة وكلّها تدلّ على عظمة الصديقة الزهراء عليها السلام ومقامها.
2- المعصومة:
ويقترن هذا الاسم باسم فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، فيقال في الأعم الأغلب: فاطمة المعصومة، كما يقال عند ذكر أمّها الكبرى: فاطمة الزهراء عليها السلام.
وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الرضا عليه السلام حيث قال:" من زار المعصومة بقم كمن زارني ".
ولهذه التسمية من الدلالة ما لا يخفى، فإنها تدلّ على أنّ السيدة فاطمة عليها السلام قد بلغت من الكمال والنزاهة والفضل مرتبة شامخة حيث سمّاها الإمام عليه السلام بالمعصومة، والعصمة تعني الحفظ والوقاية، والمعصوم هو الممتنع عن جميع محارم الله تعالى، وهي لا تنافي الاختيار، فتكون مرتبة من الكمال لا تهمّ النفس معها بارتكاب المعصية فضلاً عن الإتيان بها مع القدرة عليها عمداً أو سهواً أو نسياناً، ولا يكون معها إخلال بواجب من الواجبات، بل ولا مخالفة الأولى كما في بعض المعصومين عليهم السلام.
3- كريمة أهل البيت:
وهو من ألقاب هذه السيدة الجليلة، وعرفت به من دون سائر نساء أهل البيت.
وقد اشتهر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بهذا اللقب من دون سائر الرجال، فكان يقال له كريم أهل البيت.
وقد أطلقه عليها الإمام المعصوم عليه السلام في قصّة وقعت لأحد السادة الأجلاّء وقال له:" عليك بكريمة أهل البيت " مشيراً إلى هذه السيدة الجليلة.
ولهذا اللقب دلالة بعيدة الغور على شأن فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، فإنّ أهل البيت عليهم السلام قد جمعوا غرّ الفضائل والمناقب وجميل الصفات، ومن أبرز تلك الخصال الكرم، وقد عرّفوه بأنّه إيثار الغير بالخير ولا تستعمله العرب إلا في المحاسن الكثيرة، ولا يقال كريم حتى يظهر منه ذل. والكريم هو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.
ومن أبرز مظاهر كرمها أن مثواها المقدس كان ولا يزال منبعاً للفيض، وملاذاً للناس، ومأمناً للعباد، ومستجاراً للخلق، وباباً من أبواب الرحمة الإلهية للقاصدين، وأنّ مدينة قم حيث تضمّ مرقدها الطاهر كانت ولا تزال حاضرة العلم، وحرم الأئمة وعش آل محمد عليهم السلام ومنفراً لأهل العلم من شتى بقاع الأرض، يتلقّون علوم أهل البيت عليهم السلام محتضنة كوكبة من العلماء والطلاب، ولا زالت هي والنجف الأشرف فرسي رهان تتسابقان في تخريج حملة العلوم على شتى مراتبهم.
ففي وصف هذه السيدة الجليلة بأنّها كريمة أهل البيت دلالة على أنها ذات خير وبركة على الخلق، ولا سيما شيعة آل محمد واختصّ أهل قم منذ اللحظة التي تشرفت أرضهم بها أنهم لا يزالون ينعمون ببركاتها وخيراتها آناء الليل وأطراف النهار، ويعيشون في حماها ويتفيأون ظلالها في امتياز خاص بهم من دون أهل سائر المناطق الأخرى.
أسماء وألقاب أخرى:
ذكر العلامة المتتبع الشيخ علي أكبر مهدي پور في كتابه القيّم كريمة أهل البيت عليهم السلام، أن لفاطمة المعصومة عدّة أسماء وألقاب غير ما ذكرنا، وردت في عدّة من المصادر، وهي:
1- الطاهرة 2- الحميدة 3- البرّة 4- الرشيدة 5- التقي 6- النقيّة 7- الرضية 8- المرضيّة 9- السيدة 10- أخت الرضا 11- الصدّيقة 12- سيدة نساء العالمين.
وسواء ثبتت هذه الألقاب والأسماء أو لم تثبت إلا أن من الواضح انطباق ما تضمنته من معان ودلالات على هذه السيدة الجليلة.
وقد أطلق أكثر هذه الأوصاف على أمّها فاطمة الزهراء عليها السلام، ولا سيما الأخير منها، فإنّ فاطمة الزهراء عليها السلام هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
وعلى أي حال فإنّ في تسميتها بفاطمة ووصفها بالمعصومة وكريمة أهل البيت عليهم السلام، وأنها صادرة من المعصومين دلالة على المقام الرفيع الذي بلغته سيدة عشّ آل محمد صلّى الله عليه وآله.
* راجع: فاطمة المعصومة قبس من أشعة الزهراء، محمد علي المعلم، دار الهادي، ط1، بيروت/لبنان، 1421هـ/2000م، ص63-77.
2012-03-01