خصائص جامعة أهل البيت عليهم السلام
ولادة الإمام الصادق(ع)
لقد واصل الإمام الصادق عليه السلام تطويره للمدرسة التي أسّسها الأئمة عليهم السلام من قبله، وانتقل بها إلى آفاق أرحب، فاستقطبت الجماهير من مختلف البلاد الإسلامية؛ لأنّها قد لبّت الرغبة في نفوسهم، وسعت لملء الفراغ الذي كانت تعانيه الأمّة آنذاك.
عدد الزوار: 122
لقد واصل الإمام الصادق عليه السلام تطويره للمدرسة التي أسّسها الأئمة عليهم السلام من قبله، وانتقل بها إلى آفاق أرحب، فاستقطبت الجماهير من مختلف البلاد الإسلامية؛ لأنّها قد لبّت الرغبة في نفوسهم، وسعت لملء الفراغ الذي كانت تعانيه الأمّة آنذاك.
ومن خصائص ومميزات هذه الجامعة الآتي:
1- إنّها لم تنغلق في المعرفة على خصوص العناصر الموالية فحسب، وإنّما انفتحت لتضمّ طلاّب العلم من مختلف الاتّجاهات، فهذا أبو حنيفة الذي كان يخالف منهج الإمام عليه السلام حيث سلك في القياس مسلكاً استوجب شدّة الإنكار عليه وعلى أصحابه، وهو الذي أطلق على مؤمن الطاق اسم شيطان الطاق، كان ممّن يختلف إلى الإمام الصادق عليه السلام ويسأله عن كثير من المسائل، وقد روى عن الإمام الصادق عليه السلام وحدّث عنه، واتّصل به في المدينة مدّة من الزمن، وناصر زيد بن علي وساهم في الدعوة إلى الخروج معه وكان يقول ضاها خروج زيد خروج رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر.
2- انفتحت مدرسة الإمام عليه السلام على مختلف فروع المعرفة الإسلامية والإنسانية. فاهتمّت بالقرآن والسنة والفقه والتأريخ والأصول والعقيدة والكلام والفلسفة الإسلامية، كما اهتمّت بعلوم أخرى مثل علم الفلك، والطبّ، والحيوان، والنبات، والكيمياء، والفيزياء.
3- لم تتّخذ مدرسة الإمام طابع الانتماء إلى الدولة الأموية أو العباسية ولم تتلوّث بسياسة الحاكمين ولم تكن أداة لخدمة الحكّام، بل رأت الأمة أنّ هذه المدرسة هي التي تحقّق لها تطلّعاتها; إذ كانت ترى على رأسها وريث النبوة وعملاق الفكر المحمّدي الإمام أبا عبد الله الصادق عليه السلام المعروف بمواقفه واستقامته حتى لقّب بالصادق لسموّ أخلاقه وعدم مساومته وخضوعه لسياسة الحكّام المنحرفين.
من هنا شكّلت مدرسته حصناً سياسياً وفكريّاً يلوذ به طلاّب الحقيقة ومَن كان يشعر بالمسؤولية ويريد التخلّص من التيه الذي خلّفته التيارات الفكرية والسياسية المتضاربة في أهدافها ومساراتها.
4- وتميّزت أيضاً جامعة الإمام الصادق عليه السلام بمنهجها السليم وعمقها الفكري، ولم تكن أطروحتها في الإعداد العلمي مبتنية على حشو الذهن، وإنّما كانت تعتمد الفكر والتعمّق والأصالة ونموّ الكفاءات العلمية وتعتبرها أسساً مهمّة في المنهج العلمي والتربوي.
5- أنتجت هذه الجامعة رموزاً للعلم والتقوى والاستقامة وعرفت بالعطاء العلمي والديني للأمة وبما أبدعته في تخصّصاتها العلمية وما حققته من إنجازات على صعيد الدعوة والإصلاح بين الناس، وأصبح الانتساب إلى مدرسة الإمام عليه السلام مفخرة للمنتسب، كما ناهز عدد طلاّبها الأربعة آلاف طالب.
6- واتّسعت هذه المدرسة فيما بعد وشكّلت عدّة فروع لها في الكوفة والبصرة، وقم، ومصر.
7- إنّ الإمام عليه السلام لم يجعل من جامعته العلمية والجهد المبذول فيها نشاطاً منفصلاً عن حركته التغييرية وأنشطته الأخرى، بل كانت جزءاً من برنامجه الإصلاحي، لأنها كانت تساهم بحقّ في خلق المناخ المناسب لبناء الفرد الصالح، وكانت امتداداً واعياً ومؤثّراً في المسيرة العامّة للأمّة فضلاً عن النتائج السياسية الإيجابية الخاصّة حيث نجد الكادر العلمي الحاضر في مدرسة الإمام عليه السلام هو نفسه الذي يحضر في نشاطات الإمام الخاصّة.
8- تميّزت مدرسة الإمام الصادق عليه السلام بالارتباط المباشر بمصادر التشريع والمعرفة، وهما الكتاب الكريم والسنّة النبوية الشريفة بنحو لا مثيل له.
ومن هنا حرص الإمام الصادق عليه السلام على أن يحقّق من خلال مدرسته إنجازاً بخصوص تدوين الحديث والحفاظ على مضمونه، بعد أن كان الحديث قد تعرّض في وقت سابق للضياع والتحريف والتوظيف السياسي المنحرف، بسبب المنع من تدوينه. ولم يستجب الأئمّة المعصومون عليهم السلام لقرار المنع بالرغم من كل الشعارات التي رفعت لتجعل الهدف من حظر تدوين الحديث هو الحفاظ على القرآن وسلامته من التحريف.
9- وتميزت أيضاً مدرسة الإمام عليه السلام بالاهتمام بالتدوين بشكل عام، بل ومدارسة العلم لإنمائه وإثرائه.
فكان عليه السلام يأمر طلاّبه بالكتابة ويؤكد لهم ضرورة التدوين والكتابة كما تجد ذلك في قوله عليه السلام:"احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها ".
وكان يُشيد بنشاط زرارة الحديثي، إذ كان يقول عليه السلام:" رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة لاندرست أحاديث أبي ".
وقال فيه وفي جماعة من أصحابه منهم أبو بصير، ومحمد بن مسلم، وبريد العجلي:" لولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا الفقه، هؤلاء حفّاظ الدين وأمناء أبي عليه السلام على إحلاله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والآخرة ".
وكان يأمر طلاّبه أيضاً بالتدارس والمباحثة فقد قال للمفضّل بن عمر:" أُكتب وبث علمك في إخوانك، فإنْ متّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم ".
10- وممّا تميزّت به مدرسة الإمام الصادق عليه السلام هو إنماء الفكر الإسلامي وتطويره من خلال التخصص العلمي في مختلف فروع المعرفة الإسلامية.
* راجع: سلسلة أعلام الهداية-الإمام الصادق عليه السلام-، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام، ط1، 1422هـ، ج8، ص125-129.
2010-10-04