أسباب الغيبة الصغرى والتمهيد لها
الغيبة الكبرى للإمام المهدي(عج)
سجلت المصادر الإسلامية الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام، التي أخبرت عن حتمية وقوع غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه فمنها
عدد الزوار: 167
سجلت المصادر الإسلامية الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام; التي أخبرت عن حتمية وقوع غيبة الإمام المهدي- عجل الله فرجه-، فمنها:
ما رواه الحافظ صدر الدين إبراهيم بن محمد الحمويني الشافعي 644ـ 722 هـ، في كتابه فرائد السمطين، وغيره بأسانيدهم عن ابن عباس أن يهودياً اسمه نعثل ويكنى أبا عمارة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسأله عن أشياء ترتبط بالتوحيد والنبوة والإمامة فأجابه عليها، فأسلم الرجل وقال:
" أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأشهد أنهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة، وفيما عهد إلينا موسى عليه السلام: إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له " أحمد " خاتم الأنبياء لا نبي بعده، يخرج من صلبه أئمة أبرار عدد الأسباط.
فقال صلى الله عليه وآله "يا أبا عمارة أتعرف الأسباط"؟ قال: نعم يا رسول الله إنهم كانوا اثني عشر".
قال: "فإن فيهم لاوي بن أرحي". قال: أعرفه يا رسول الله، وهو الذي غاب عن بني إسرائيل سنين ثم عاد فأظهر شريعته بعد دراستها وقاتل مع فريطيا الملك حتى قتله ".
وقال صلى الله عليه وآله:" كائن في أمتي ما كان من بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وان الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى، ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن الله له بالخروج فيظهر الإسلام ويجدد الدين "، ثم قال:" طوبى لمن أحبهم وطوبى لمن تمسك بهم، والويل لمبغضهم ".
وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال:" مَن أنكر القائم من ولدي في غيبته مات ميتة جاهلية ".
وقال صلى الله عليه وآله:" والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول الناس ما لله في آل محمد من حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني...".
وقال صلى الله عليه وآله:"... وجعل من صلب الحسين أئمة ليوصون بأمري ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، ليظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة، فيُعلن أمر الله ويظهر دين الحق...".
وقال صلى الله عليه وآله: " لا بد للغلام من غيبة "، فقيل له: ولِمَ يا رسول الله ؟ قال: يخاف القتل ".
وقال صلى الله عليه وآله: " المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء عليهم السلام فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ".
وعن الإمام علي عليه السلام قال ضمن حديث:" ... ولكني فكرتُ في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ...".
وقال عليه السلام:" وإن للغائب منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى فلا يثبت على إمامته إلا مَن قوي يقينه وصحت معرفته ".وروي في ذلك أيضاً عن الإمام الحسن بن علي عليه السلام، كما تقدم في بحث ولادته عليه السلام.
وروي عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال:" لصاحب هذا الأمر- يعني المهدي- غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم: ذهب، ولا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره ".
وعن الإمام السجاد عليه السلام قال:" في القائم سنة من نوح وهو طول العمر "، وقال عليه السلام:" إن للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى ".
وعن الإمام الباقر عليه السلام:" لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الأخرى ".
وعن الإمام الصادق عليه السلام:" إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها "، " إن للقائم منّا غيبة يطول أمدها ... لأن الله عز وجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام وأنه لابد يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ".
وعن الإمام الكاظم عليه السلام:" أنا القائم بالحق ولكنّ القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها...".
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال ضمن حديث عن القائم:" ... ذاك الرابع من ولدي يغيّبه الله في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ".
وعن الإمام الجواد عليه السلام قال ضمن حديث:" ... ما منّا إلاّ قائم بأمر الله وهاد إلى دين الله ولكن القائم الذي يطهر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه...".
وعن الإمام الهادي عليه السلام قال:" ... إنكم لا ترون شخصه..."، وقال:" إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج ".
وعن الإمام العسكري عليه السلام قال: " والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس فيعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه..."، وقال:" إبني محمد هو الإمام والحجة بعدي، مَن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنه له غيبة يُحار فيها الجاهلون..."، وقال:" ... ابني هذا، إنه سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً... مثله في هذه الأمة مثل الخضر ومثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة...".
والأحاديث الشريفة بهذه المعاني كثيرة جداً متواترة من طرق أهل البيت عليهم السلام ونقلها العديد من حفاظ أهل السنة من مختلف مذاهبهم، والكثير منها مروي بأسانيد صحيحة، وهي من أوضح الأدلة على صحة غيبة الإمام المهدي وكونها بأمر الله عز وجل، حيث ثبت صدورها، بل وتدوينها قبل وقوع الغيبة بزمن طويل، فجاءت الغيبة مصدقة لها مثبتة لصحة مضامينها وصدورها من ينابيع الوحي من علام الغيوب تبارك وتعالى حتى لو كانت مرسلة أو كان ثمة نقاش في بعض أسانيدها.
فلسفة مرحليّة الغيبة
إن الغيبة- عموماً- إجراء تمهيدي كان لابدّ منه ليتمكن الإمام المهدي عجل الله فرجه من الظهور وإنجازه لمهمته الإصلاحية العالمية الكبرى.
وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون هذه الغيبة على مرحلتين.
والعلة واضحة; إذْ إنّ وقوع الغيبة الكاملة بصورة مفاجئة سوف يفقدها مجموعة من العوامل اللازمة لتأهيل المجتمع الإسلامي والبشري لظهوره عليه السلام وإقامة الدولة الإسلامية العالمية.
إذ المحور العام لعملية التأهيل هذا هو التمحيص الإعدادي، ومثل هذا التمحيص يحتاج إلى جملة عوامل وقناعات عقائدية متينة تمثل قاعدة الاستناد للإنسان المسلم للنجاح في عملية التمحيص وتراكم الخبرات واللياقات النفسية والمعرفية عبر أجيال المجتمع الإسلامي استعداداً للظهور.
إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام قد مهّدوا لهذه الغيبة بخطوات عديدة ازدادت عمقاً وشمولية كلمّا اقترب، أو أنها كالإخبار عن حتمية وقوعها، وخفاء ولادة صاحبها، وتوسيع العمل بنظام الوكلاء، وتوفير ما تحتاجه الأمة من المعارف الإسلامية والقواعد الشرعية التي يتم على أساسها استنباط الأحكام الشرعية وغير ذلك، إلا أن التمهيد للغيبة الكاملة بقي بحاجة إلى خطوات تكميلية ونماذج تطبيقية تؤكدها وتبيّنها، وهذا ما قام به الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الصغرى وهو الإطار العام لسيرته وتحركه في هذه الفترة التي جاءت بمثابة مرحلة انتقال بين حالة الظهور الكامل للأئمة السابقين عليهم السلام وبين الغيبة الكاملة للمهدي الموعود، فهي في الواقع خطوة تمهيدية أخيرة للغيبة الكبرى.
والحقيقة المتقدمة نجدها متجلية بوضوح في سيرته عليه السلام في الغيبة الصغرى ومن خلال دراسة أهداف تحركاته فيها ومقارنة هذه الأهداف بالخصوصيات المميزة لفترة الغيبة الكبرى. لذلك ندخل إلى الحديث عن سيرته عليه السلام من باب دراسة أهدافها بالتحديد لكي يتضح الترابط بينها وبين سيرته في الغيبة الكبرى.
ويظهر من روايات مرحلة الغيبة الصغرى أنّ السلطة العباسية أخذت تتعقب خبر الإمام المهدي عليه السلام، وكأنها كانت على اطمئنان بوجوده استناداً إلى ما تواتر نقله عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله من أخبار الأئمة الإثني عشر من عترته، وكانت تعلم أن الحسن العسكري عليه السلام هو الحادي عشر منهم فلابد من ولادة الثاني عشر أيضاً وهو خاتمهم الموعود بإنهاء الظلم والجور على يديه حسبما ورد في البشارات النبوية المتواترة.
ولذلك كانت التأكيدات المشددة من قبل الأئمة السابقين عليهم السلام ومن الإمام المهدي عليه السلام نفسه تركّز على النهي عن ذكر اسم الإمام في الغيبة الصغرى; لأنه إذا عُرف الاسم اشتد الطلب. ويُستفاد من رواية نقلها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: أن السلطات العباسية حصلت بالفعل على معلومات عن وجود الإمام عليه السلام وسعت لاغتياله، فتحدّاها الإمام عليه السلام ليثبت أنه محفوظ بالرعاية الإلهية.
تقول الرواية: وحدّث عن رشيق صاحب المادراي قال: بعث الينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كل واحد منّا فرساً ونجنب آخر ونخرج مخفين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلا على السرج مصلى وقال لنا: الحقوا بسامرة، ووصف لنا محلة وداراً وقال: إذا أتيتموها تجدون على الباب خادماً اسود فاكبسوا الدار ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه. فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكة ينسجها فسألناه عن الدار ومن فيها فقال: صاحبها، فوالله ما التفت الينا وأقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا داراً سرية ومقابل الدار ستر، ما نظرت قط إلى أنبل منه كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت.
ولم يكن في الدار أحد فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأن بحراً فيه ماء وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي. فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى البيت فغرق في الماء ومازال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتاً فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله واليك فوالله ما علمت كيف الخبر ولا إلى من أجيء وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلى شيء مما قلنا وما انفتل عما كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه.
وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم إلى الحجّاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل فأدخلنا عليه فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم! لقيكم أحد قبلي؟ وجرى منكم إلى أحد سبب أو قول؟ قلنا: لا، فقال: أنا نفيّ من جدي ـ وحلف بأشد أيمان له ـ أنه رجل إن بلغه هذا الخبر يضربن أعناقنا. فما جسرنا أن نحدّث به إلا بعد موته.
*سلسلة أعلام الهداية،المجمع العالمي لأهل البيت ع، ط1، 1422هـ، ج14،ص 135-146.
2011-09-05