يتم التحميل...

إنجازات الإمام المهدي في الغيبة الصغرى

الغيبة الكبرى للإمام المهدي(عج)

حققت الغيبة الصغرى للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إنجازات عدة، كان أبرزها:إثبات وجوده وإمامته عليه السلاموهو الهدف الذي توخاه من حضوره للصلاة على أبيه سلام الله عليهما،

عدد الزوار: 164

حققت الغيبة الصغرى للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إنجازات عدة، كان أبرزها:

إثبات وجوده وإمامته عليه السلام

وهو الهدف الذي توخاه من حضوره للصلاة على أبيه سلام الله عليهما، وهو من أهم خطواته وتحركاته في غيبته الصغرى، وتبرز أهمية هذا الهدف من كونه يوفر القاعدة الأساس التي يستند إليها تحرّك المهدي في عصر الغيبة، إذ إنّ من الواضح من النصوص الشرعية أنّ النجاة من الضلالة وميتة الجاهلية تكمن في معرفة إمام العصر والتمسك بطاعته، وهذا الإمام مستور غير ظاهر في عصر الغيبة الكبرى لذا فإن الإيمان به- وهو مقدمة طاعته والتمسّك بولايته- فرع الاطمئنان والثقة بوجوده إلى درجة تمكّن المؤمن من مواجهة التشكيكات الناتجة من عدم مشاهدته بصورة حسيّة ظاهرة. وهذا الاطمئنان هو الذي أكملت أسبابه تحركات الإمام المهدي عجل الله فرجه في فترة الغيبة الصغرى بما أتم من الحجة في التقائه بالثقات وإظهار الكرامات التي لا يمكن تصور صدورها عن غير الإمام، وغير ذلك مما سجلته الروايات المتحدثة عن هذه الفترة والتي دوّنها العلماء الإثبات في كتبهم.

إكمال ما تحتاجه الأمة من معارف الإسلام

طوال ما يزيد على القرنين قام أئمة أهل البيت النبوي صلوات الله عليهم بتبليغ معظم ما تحتاجه الأمة خلال عصر الغيبة الكبرى من معارف القرآن الكريم وسنّة جدهم سيد المرسلين صلى الله عليه وآله والتي تمثل بمجموعها الإسلام النقي والدين القيّم الذي أمر الله تبارك وتعالى بإتباعه والعمل على وفقه، والعروة الوثقى المعبّرة عن التمسك بالثقلين اللذين تكون بهما النجاة من الضلالة وميتة الجاهلية، وتضمن هذا التراث تحديد وتوضيح قواعد وأصول استنباط الأحكام الشرعية والمعارف الإسلامية من هذا التراث الروائي الثر لسنّة الرسول صلى الله عليه وآله وأئمة عترته عليهم السلام الذين أمروا أصحابهم بحفظه وتدوينه ليكون مصدراً- إلى جانب القرآن الكريم- لجميع المعارف والأحكام الإسلامية التي تحتاجها الأمة الإسلامية إلى ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وكانت ثمرة هذا الأمر تلك الروايات الشريفة من قبل أصحاب الأئمة حيث عُرفت بالأصول الأربع مئة التي تم تدوينها في عصر الأئمة السابقين للإمام المهدي عليه السلام، وحفظت فيها جل نصوص السنة النبوية الشريفة.

وخلال الغيبة الصغرى أكمل الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه السلام ما تبقّى مما تحتاجه الأمة خلال الغيبة الكبرى من تلك المعارف وما يعين المؤمنين على التحرك والاستقامة على الصراط المستقيم ويحفظ للأمة استمرار مسيرتها التكاملية; وهذا هو الهدف العام الثاني لسيرته عليه السلام في فترة الغيبة الكبرى كما يتجلى في الكثير من الرسائل الصادرة عنه فيها.

تثبيت نظام النيابة

قام الإمام المهدي عليه السلام في هذه الفترة بتعيين عدد من الثقات المخلصين في إيمانهم من شيعته وكلاءً عنه يتحركون بإذنه وبأمره ويشكلون جهازاً للارتباط بالمؤمنين، وقد مهّد له في ذلك جده الإمام الهادي ومن قبله الإمام الجواد عليهما السلام، ثم تابعه الإمام العسكري عليه السلام الذي رسّخ نظام الوكلاء تمهيداً لغيبة ولده. فكان يُعلن توثيق بعض وجوه أصحابه وأنه وكيل عنه، فمثلاً قال عليه السلام بشأن عثمان بن سعيد العمري وكيله الذي أصبح فيما بعد وكيلاً لولده الإمام المهدي عليه السلام، وكان وكيلاً للإمام الهادي عليه السلام أيضاً: "هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدى إليكم فعنّي يؤديه".

وقد ذكر الشيخ الصدوق أسماء اثني عشر شخصاً من وكلاء ونواب الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الصغرى وأضاف إليهم السيد محمد الصدر أسماء ستة آخرين استناداً إلى ما ورد في المصادر التاريخية وكتب الرجال، وكان الإمام يتولّى تنصيبهم مباشرة ويصدر بيانات" توقيعات " في ذلك وفي نفي الوكالة عمّن يدّعيها ولم يكن منهم.

وثمة تغيير مهم حدث في نظام الوكلاء في هذه الفترة عما كان عليه في زمن الإمام العسكري عليه السلام، وهو استحداث الإمام المهدي عليه السلام منصب الوكيل الخاص أو السفير العام بينه وبين المؤمنين، وهو منصب لم تكن الحاجة إليه قائمة في السابق حيث كان بإمكان الوكلاء أو غيرهم الاتصال بالإمام بصورة أو بأخرى، وكان الإمام ظاهراً فلا حاجة لوكيل أو نائب خاص ينوب عنه، أما في عهد الغيبة الصغرى فقد اقتضى عدم ظهور الإمام إيجاد هذا المنصب ليكون محوراً لرجوع المؤمنين خاصةً وأنهم كانوا قد اعتادوا في السابق أن يكون الإمام واحداً في كل عصر.

وكان تعيين الوكيل الخاص أو السفير من قبل الإمام المهدي عليه السلام مباشرة وعادة ما يكون عبر توقيع يصدره ويبلّغه مباشرة كما هو الحال في الوكيل الأول أو عبر الوكيل السابق فيما بعد.

إن الزعماء الشيعة، والأصحاب الأربعة الذين تعاقبوا على هذا المنصب هم: عثمان بن سعيد العمري الذي كان كما عرفنا وكيلاً للإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام، ثم خلفه ابنه عمرو بن عثمان ثم الحسين بن روح، وخاتمهم كان علي بن محمد السمري رضوان الله عليهم أجمعين.

وكان توجيه الإمام لعمل هؤلاء السفراء مباشراً ومستمراً في كل ما كانوا ينوبون عنه من مهام الإمامة حتى فيما يرتبط بأجوبتهم على الأسئلة العقائدية للمؤمنين التي قد يكون من الممكن أن يجيبوا عنها بما يعرفون، إلاّ أنهم ما كانوا يفعلون شيئاً من ذلك إلاّ بتعليم مباشر منه عليه السلام الأمر الذي يضفي صبغة الحجة الشرعية على ما صدر عنهم، وهذا ما تدل عليه عدة روايات منها مثلاً ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة ضمن حديث طويل بشأن إجابة السفير الثالث الحسين بن روح على سؤال عقائدي لأحد المؤمنين بشأن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، إذ ينقل عن راوي الحديث محمد بن إبراهيم الذي كان قد حضر المجلس الذي أجاب فيه الحسين بن روح على السؤال: قال محمَّد بن إبراهيم ابن إسحاق رضي الله عنه فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس سره من الغد وأنا أقول في نفسي أتراه ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟ فابتدأني فقال: يا محمَّد بن إبراهيم لَئِن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح من مكان سحيق أحب إليّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه.

وواضحٌ أن الأوضاع السياسية القائمة التي أوجبت غيبة الإمام المهدي عليه السلام لم تكن تسمح بأن يكون عمل الوكلاء علنياً، لذلك كان الشرط الأول في الوكلاء وخاصة السفراء أن يكونوا على مرتبة عالية من الالتزام بالكتمان وعدم الكشف عن مكان بل عن وجود الإمام ولذلك كان اختيار الحسين بن روح مثلاً للسفارة رغم وجود مَن هم أعلم منه وأكثر وجاهة بين الأصحاب.

لقد قام الإمام عليه السلام بتثبيت نظام الوكالة والنيابة الخاصة في الغيبة الصغرى كمقدمة لإرجاع المؤمنين في عصر الغيبة الكبرى إلى النائب العام الذي حددت النصوص الشرعية الصفات العامة له وأمر الإمام بالرجوع إليه في عصر الغيبة الكبرى ومهّد له في الغيبة بتعيين أشخاص تتوفر فيهم هذه الصفات لتتعرف الأمة على مصاديق من له الأهلية للنيابة العامة عن الإمام وتستعين بها لمعرفة من تتوفر فيه نظائرها في الغيبة الكبرى، وبعبارة أخرى كانت تجربة السفراء الأربعة نموذجاً معيّناً من قبل الإمام المعصوم عليه السلام يبين للأُمة، شرعية الرجوع إلى نائب الإمام في غيبته من جهة ومن جهة ثانية تقدم لها نموذجاً تقوّم به من يدعي النيابة عن الإمام في الغيبة الكبرى استناداً إلى الصفات التي ذكرتها النصوص الشرعية كشروط للنيابة عن الإمام.

حفظ الكيان الإيماني

ولكن مهمة إثبات وجود الإمام عليه السلام والتعريف بوكلائِهِ كانت تؤدي أحياناً إلى تسرب بعض الأخبار للسلطة فيتدخل الإمام لحفظ نظام الوكلاء حتى ينجز دوره المطلوب في الغيبة الصغرى. فمثلاً يروي ثقة الإسلام الكليني في الكافي عن الحسين بن الحسن العلوي قال: "كان رجل من ندماء روز حسني وآخر معه فقال له: هو ذا يجبي الأموال وله وكلاء وسمّوا جميع الوكلاء في النواحي وأنهى ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهمَّ الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان: اُطلبوا أين هذا الرجل؟ فانّ هذا أمر غليظ، فقال عبيد الله ابن سليمان: نقبض على الوكلاء، فقال السلطان: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه قال: فخرج بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وان يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر، فاندس لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به فقال: معي مال أريد أن أوصله، فقال له محمد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل عليه وبثّوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدّم إليهم".

يُستفاد من الروايات الواردة بشأن سيرة الإمام عليه السلام في غيبته الصغرى أن جهوده لدفع أذى إرهاب السلطات العباسية لم يقتصر على الوكلاء كما رأينا في الفقرة السابقة، بل شملت أيضاً حفظ سائر المؤمنين من البطش العباسي، وهذه سنّة ثابتة في سيرةِ آبائِه عليهم السلام جميعاً، فقد جدوا في رعاية المؤمنين ودفع الأذى عنهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

ومن نماذج رعايته للمؤمنين في هذا الجانب ما رواه الكليني في الكافي: عن عليّ بن محمد قال: "خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحيرة، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه".

كما شملت هذه الرعاية قضاء حوائج المؤمنين الشخصية والاجتماعية والإصلاح بينهم والدعاء لهم وتزويدهم بالوصايا التربوية والإجابة على أسئلتهم الدينية وتعليمهم الأدعية وغير ذلك مما سجلته المصادر التاريخية المختصة بهذه الفترة.

وثمة أهداف أخرى سعى الإمام لتحقيقها في فترة الغيبة الصغرى مثل كشف التيارات المنحرفة داخل الكيان الشيعي منها: خط عمه جعفر ومنها تيار الوكلاء المنحرفين. وقد أثبت التأريخ نجاح الإمام عليه السلام في القضاء عليها إذ انقرض أتباعها سريعاً قبل انقضاء فترة الغيبة الصغرى.

وفي الفقرة اللاحقة نلتقي بنموذجين من تحرك الإمام في هذه الفترة لتحقيق الأهداف المذكورة وهما: إصدار التوقيعات والالتقاء بالمؤمنين.

إصدار الرسائل "التوقيعات"

حفلت المصادر المؤرخة لسيرة الإمام المهدي- عجل الله فرجه- بنصوص العديد من الرسائل والبيانات التي كان يصدرها عليه السلام في فترة الغيبة الصغرى والتي عُرفت بالتوقيعات. وهي تشكل أحد الأدلة الوجدانية المحسوسة الدالة على وجوده وقيامه بمهام الإمامة في غيبته.

وتمثل التوقيعات إحدى وسائل اتصال الإمام بالمؤمنين وإيصال توجيهاته إليهم بحكم أوضاع عصر الغيبة التي حددت الاتصالات المباشرة، ومما ساعد على إتباع هذه الوسيلة وقوّة تأثيرها في المؤمنين تمهيد آبائه عليهم السلام لذلك بإتباع هذا الأسلوب في وقت مبكر خاصةً في عصر الإمام الكاظم عليه السلام الذي قضى شطراً كبيراً من مدة إمامته التي ناهزت خمسة وثلاثين عاماً في سجون العباسيين أو تحت مراقبتهم الشديدة وتعرضهم للأذى الشديد لأصحابه، فكان يتصل بالمؤمنين ويجيب على أسئلتهم الدينية ويتوددهم ويوصل إليهم توجيهاته عبر الرسائل التي لم تنقطع حتى عندما كان في السجن عبر وسائل مبتكرة وأشخاص فشلت السلطات العباسية في التعرف على ولائهم للإمام الحق عليه السلام.

وقد اشتدّ العمل بهذا الأسلوب في عهد الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام، وذلك بسبب ازدياد المراقبة التي فرضتها السلطات العباسية عليهما إذ جعجعت بهما إلى سرّ من رأى عاصمة الإمبراطورية العباسية يومذاك والتي كانت أشبه ما تكون بالقلعة العسكرية، ولذلك كانت تسمى أيضاً "العسكر"، وجعلتهما أشبه ما يكونان بالسجينين في هذه القلعة. وإضافة لذلك فإن تأكيدهما على استخدام هذا الأسلوب جاء كتمهيد مباشر لغيبة ولدهما المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من خلال تعويد المؤمنين على هذا الأسلوب دفعاً للشبهات وإتماماً للحجة ولكي يتقبلوا العمل بما يرد في الرسائل بتسليم إيماني راسخ، خاصةً وأن الإمام عليه السلام كان يستخدم الخط نفسه الذي كان يستخدمه أبوه في رسائله وذلك تثبيتاً للإيمان في قلوب المؤمنين به; وقطعاً للطريق على المستغلين.

وقد جاء قسم من هذه التوقيعات جواباً على أسئلة من المؤمنين عبر السفراء الأربعة، والقسم الآخر كان بمبادرة من الإمام نفسه فيما يرتبط ببعض القضايا المهمة كحمايته للمؤمنين والوكلاء كما رأينا، أو فيما يرتبط بالكشف عن انحراف بعض الوكلاء أو زيف ادعاء منتحلي الوكالة، أو فيما يرتبط بالنص على تعيين السفراء وغير ذلك.

كما اشتملت على ما يحتاجه المؤمنون من معارف الإسلام الحق وأحكامه في مختلف شؤونهم الحياتية عقائدية وفقهية وتربوية وأخلاقية وأدعية وغير ذلك، وما تحتاجه الأمة في عصر الغيبة كالإرجاع إلى الفقهاء العدول، والتأكيد على استمرار رعايته في غيبته وتحديد علائم ظهوره وغير ذلك مما سنتعرف على بعض نماذجه في فصل لاحق. كما أن في بعضها نماذج تطبيقية لاستنباط الحكم الشرعي من الأحاديث المروية تعويداً للأمة على العمل الاجتهادي في عصر الغيبة الكبرى، وبعبارة جامعة يمكن القول إن هذه التوقيعات كانت من جهة وسيلة لقيادة المؤمنين وحفظ كيانهم; ومن جهة أخرى وسيلة لإكمال ما يحتاجونه في عصر الغيبة الكبرى من حقائق الإسلام وأحكامه.

لقاء الإمام المهدي عليه السلام بأتباعه المؤمنين

روت المصادر الروائية المعتبرة الكثير من الروايات التي تتحدث عن التقاء المؤمنين بالإمام المهدي عليه السلام في غيبته الصغرى، فلا يكاد يخلو كتاب من الكتب المصنفة في تواريخ الأئمة أو الإمام المهدي- عجل الله فرجه- خاصة، من ذكر مجموعة من هذه الروايات. وقد روى الشيخ الصدوق عن محمد بن أبي عبد الله إحصائية لعدد لقاءاته من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، فذكر ثمانية وستين شخصاً، وأوصل الميرزا النوري العدد إلى 304 أشخاص استناداً إلى الروايات الواردة في المصادر المعتبرة وفيها المروية بأسانيد صحيحة، ومعظمهم التقوه في الغيبة الصغرى وبعضهم في حياة أبيه عليهما السلام، وهذه الروايات تخص الذين رأوه وعرفوه وليس الذين لم يعرفوه.

ويُستفاد من هذه الروايات أنه عليه السلام كان يبادر إلى الالتقاء بالمؤمنين في الكثير من الحالات ويظهر على يديه المعجزات والدلائل بحيث يجعلهم يؤمنون بأنه هو الإمام ويثبت لهم وجوده عليه السلام وإمامته، وهذا ما يصرح به لعيسى الجوهري الذي التقاه في سنة 268 هـ في صابر قرب المدينة المنورة حيث قال له في نهاية اللقاء وبعد ما أراه من الدلائل ما جعله على يقين من هويته عليه السلام:

"يا عيسى ما كان لك أن تراني لولا المكذِّبون القائلون بأين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأيِّ شيء نبّأكم؟ وأيَّ معجز أتاكم؟ أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين مع ما رووه وقدَّموا عليه، وكادوه وقتلوه، وكذلك آبائي عليهم السَّلام ولم يصدِّقوهم ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجنِّ إلى ما تبيّن. يا عيسى فخبّر أولياءنا ما رأيت، وإيّاك أن تخبر عدوَّنا فتسلبه. فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات فقال: لو لم يثبّتك الله ما رأيتني، وامض بنجحك راشداً. فخرجت أكثر حمداً لله وشكراً".


ويتضح من روايات التشرف بلقياه في الغيبة الصغرى أنه كان يقوم خلالها أيضاً بقضاء حوائج المؤمنين اقتفاءً لسنّة آبائهِ الطاهرين عليهم السلام، كما كان يقوم خلالها بتوضيح بعض القضايا العقائدية المرتبطة بغيبته الكبرى عليه السلام، ويقدم لهم الإرشادات التربوية والأدعية المسنونة المرتبطة بغيبته وتوثيق الارتباط به عليه السلام فيها والتي تشتمل أيضاً على توضيح ما سيحققه الله على يديه عند ظهوره.

كما يُستفاد منها أن الكثير من المؤمنين كان يجتهدون في طلب لقياه ويسعون إليه خاصة في موسم الحج لما روي أنه يحضره كل سنة7. وقد دلت بعض الروايات على وقوع الالتقاء به بالفعل في الموسم. كما كان البعض يلجأون إلى السفراء الأربعة للفوز بذلك، فكان يسمح للمخلصين منهم بذلك. فمثلاً روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة فقال:

"روى محمد بن يعقوب رفعه عن الزُّهريّ قال: "طلبت هذا الأمر طلباً شاقاً حتى ذهب لي فيه مال صالح فوقعت إلى العمريّ وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان فقال لي: ليس إلى ذلك وصول فخضعت فقال لي: بكر بالغداة، فوافيت واستقبلني ومعه شابّ من أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم رائحة بهيئة التجّار، وفي كمّه شيء كهيئة التجّار.

فلمّا نظرت إليه دنوت من العمريّ فأومأ إليَّ فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل ما أردت ثم مرَّ ليدخل الدار وكانت من الدُّور التي لا نكترث لها فقال العمريُّ: إذ أردت أن تسأل سل فإنّك لا تراه بعد ذا، فذهبت لأسأل فلم يسمع ودخل الدّار، وما كلّمني بأكثر من أن قال: ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النجوم، ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ودخل الدار".

إعلان انتهاء الغيبة الصغرى

قبل ستة أيام من وفاة السفير الرابع أخرج للمؤمنين توقيعاً من الإمام المهدي عجل الله فرجه يعلن فيه انتهاء الغيبة الصغرى وعهد السفراء المعينين من قبل الإمام مباشرة إيذاناً ببدء الغيبة الكبرى ونص التوقيع هو:

"بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فأجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك. فقد وقعت الغيبة التامة. فلا ظهور إلاّ بإذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة ألا فمَن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم".


وكان هذا آخر توقيع صدر عن الإمام في الغيبة الصغرى وهو بمثابة إعلان عن تحقيق تحركه فيها للأهداف المرجوة منها كمرحلة تمهيدية للغيبة الكبرى، فقد ظهر للناس خلالها منه عليه السلام مباشرة أو عبر سفرائه من البينات ما يثبت وجوده وإمامته وصحة غيبته الكبرى. وقد تم تدوينها في هذه الفترة من قبل عدد من وجوه العلماء، واتضح للاُمة انتفاع الناس من وجوده خلالها ورعايته لمسيرتهم من خلف أستارها، وأمر فيه بالرجوع إلى الفقهاء في الحوادث الواقعة وصرح بأن وجوده أمان لأهل الأرض، كما أن الجيل الذي كان قد عاصر زمان الأئمة كان قد انتهى وظهرت أجيال اعتادت عصر الغيبة وفكرة القيادة النائبة، لذلك فقد تأهلت الأمة للدخول في عصر الغيبة الكبرى.


*سلسلة أعلام الهداية،المجمع العالمي لأهل البيت ع، ط1، 1422هـ، ج14،ص 147-158.

2011-09-05