يتم التحميل...

الغيبـة الصغـرى للإمام المهدي وصلاته على أبيه

الغيبة الكبرى للإمام المهدي(عج)

تسلّم الإمام المهدي عليه السلام مهام الإمامة وهو ابن خمس أو ست سنين. فهو أصغر الأئمة سناً عند توليه مهام الإمامة. وقد أخبرت عن ذلك الأحاديث الشريفة. وليس في ذلك غرابة في تأريخ الأنبياء والرسل وأئمة أهل البيت عليهم السلام،

عدد الزوار: 54

تسلّم الإمام المهدي عليه السلام مهام الإمامة وهو ابن خمس أو ست سنين. فهو أصغر الأئمة سناً عند توليه مهام الإمامة. وقد أخبرت عن ذلك الأحاديث الشريفة.

وليس في ذلك غرابة في تأريخ الأنبياء والرسل وأئمة أهل البيت عليهم السلام، فقد سبقه لذلك بعض أنبياء الله تعالى حسب نصّ القرآن الكريم كعيسى ويحيى عليهما السلام، كما سبقه الإمامان علي الهادي عليه السلام الذي تسلم الإمامة وهو ابن ثمان سنين والإمام محمد الجواد عليه السلام الذي تسلم الإمامة وهو ابن سبع أو تسع سنين.

وقد خاض الإمام الجواد عليه السلام امتحانين عامين، الأول منهما كان بحضور مشايخ مذهب أهل البيت عليهم السلام وكبار علمائهم من أصحاب أبيه، وبعد تسلمه لمهام الإمامة مباشرة، وكان الثاني منهما في مجلس المأمون وبحضور كبار علماء المسلمين يومذاك وكبار زعماء العباسيين الذين كانوا يسعون بكل وسيلة للحط من مكانة أئمة أهل البيت عليهم السلام. وخرج من كلا الامتحانين بنجاح باهر أذعن بسببه مشايخ أصحاب أبيه وكبار علماء المسلمين لإمامته العلمية وإحاطته بعلوم شريعة جده سيد الرسل محمد صلى الله عليه وآله.

وكانت أهم ثمار هذه التجربة تتجلى في إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر كموقع إلهي يؤتيه الله تبارك وتعالى لمن يشاء فلا يؤثر صغر السن في قابلية الإفاضة الإلهية على الشخص، ولذلك نلاحظ أنّ الذين ترجموا للإمام المهدي عليه السلام من علماء المذاهب الإسلامية قد اعتبروا تسلمه للإمامة، وهو ابن خمس سنين أمراً طبيعياً في سيرة أئمة هذا البيت عليهم السلام، حتى إنّ عالماً كبيراً مثل ابن حجر الهيثمي المكّي الشافعي يقول في ذيل ترجمته للإمام الحسن العسكري عليه السلام: "ولم يخلف- الإمام العسكري- غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة... "، ويقول صاحب كتاب مرآة الأسرار الشيخ عبد الرحمن الجامي الحنفي في ترجمته: " كان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وجلس على مسند الإمامة ومثله مثل يحيى بن زكريا حيث أعطاه الله في الطفولية الحكمة والكرامة ومثل عيسى بن مريم حيث أعطاه النبوة في صغر سنّه كذلك المهدي جعله الله إماماً في صغر سنه، وما ظهر له من خوارق العادات كثير لا يسعه هذا المختصر".

ونلاحظ هنا استناد الشيخ الجامي الحنفي إلى تجارب الأنبياء السابقين عليهم السلام التي تنفي استبعاد الإمامة عن الصغير ما دام الإمام مسدداً من قبل الله تبارك وتعالى في صغره أو كبره. وقد ثبت أن المهدي عليه السلام قد حظي بهذا التسديد الإلهي من خلال حوادث عديدة نقلتها كتب الحديث والتاريخ وذكرت صدور كرامات عنه عليه السلام لا يمكن صدورها عن غير الإمام، وقد كان بعضها في حياة أبيه وبعضها الآخر في عهد إمامته.

وكان من أُولى المهمات التي قام بها الإمام المهدي عليه السلام بُعَيْد تسلمه مهام الإمامة هي الصلاة على أبيه الحسن العسكري عليهما السلام في داره وقبل إخراج جسده الطاهر إلى الصلاة "الرسمية" التي خططتها السلطات العباسية، وكان قيامه بهذه الصلاة يعتبر أمراً مهماً في إثبات إمامته رغم المخاطر التي كانت تتوقع بعد نقل خبر هذه الصلاة.

روى الشيخ الطوسي بسنده عن أحمد بن عبد الله الهاشمي ـ وهو من ولد العباس ـ قال: "حضرتُ دار أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام بسر مَن رأى يوم توفي وأُخرجت جنازته ووضعت، ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر، حتى خرج علينا غلام عشاري حاف، عليه رداء قد تقنع به فلما أن خرج قمنا هيبة له من غير أن نعرفه، فتقدم وقام الناس فاصطفوا خلفه، فصلى عليه ومشى، فدخل بيتاً غير الذي خرج منه".

وروى الشيخ الصدوق الحادثة نفسها بتفصيلات أدق عن أبي الأديان البصري أحد ثقاة الإمام العسكري عليه السلام، حيث قال:

"كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: "امض بها إلى المدائن فإنك ستغيب أربعة عشر يوماً وتدخل إلى سر من رأى -سامراء- يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل".

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: "من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي"، فقلت: زدني، فقال: "من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي"، ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المداين وأخذت جواباتها ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي عليه السلام، وإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر الكذاب ابن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنؤونه، فقلت في نفسي إن يكن هذا الإمام بطلت الإمامة لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزيت وهنئت، فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم فصلِّ عليه.

فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قبيل المعتصم المعروف بسلمة، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلّي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: "تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي"، فتأخر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفرّ وتقدم الصبي فصلى عليه ودفن إلى جانب قبر ابيه عليهما السلام، ثم قال: "يا بصري هات جوابات الكتب التي معك"، فدفعتها إليه فقلت في نفسي: هذه بيّنتان بقي الهميان. ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الوشا: يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه؟ فقال: والله ما رأيته ولا أعرفه، فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي عليه السلام فتعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي؟ فأشاروا إلى جعفر ابن علي فسلموا عليه وعزوه وهنؤوه وقالوا: معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب؟! قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام. فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف ذلك فوجّه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته، وادعت أن بها حبلاً لتغطي على حال الصبي، فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت من أيديهم والحمد لله رب العالمين...".


*سلسلة أعلام الهداية،المجمع العالمي لأهل البيت ع، ط1، 1422هـ، ج14،ص127-131.

2011-09-05