الأصدقاء والزملاء
كف الأذى
عن الإمام زين العابدين عليه السلام وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالتفضل والإنصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبق إلى مكرمة فإن سبق كافأته وتودّه كما يودّك وتزجره عما يهم به من معصية وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذاباً ولا قوّة إلا بالله.
عدد الزوار: 661
حقّ الصاحب
عن الإمام زين العابدين عليه السلام "وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالتفضل والإنصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبق إلى مكرمة فإن سبق كافأته وتودّه كما يودّك وتزجره عما يهم به من معصية وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذاباً ولا قوّة إلا بالله".
حينما ينهمك المرء وينشغل في متاعب الحياة، ويراكم كلّ هذا الكمّ الهائل من المشاكل التي تواجهه, فإنّه يحتاج إلى فسحة يستريح بها، ويستعيد من خلالها نشاطه وهمّته المتداعية.
وحينما ينفرد المرء وتعتلج المشاعر في نفسه، وتتضاربه الأفكار حينما يخطّط للحياة، فإنّه يحتاج لفسحة أخرى.
وحينما يضيق الصدر بما يحمل، يحتاج الإنسان إلى فسحة أيضاً، وهذه الفسحة هي الصديق والأخ في الله.
ورد في الرواية عن إمامنا الصادق عليه السلام: "لكلّ شيءٍ شيءٌ يستريح إليه، وإنّ المؤمن يستريح إلى أخيه المؤمن، كما يستريح الطير إلى شكله"1.
إنّ الأخ في الله هو نعمة إلهيّة على العبد، لا تقدّر بكلّ كنوز الدنيا، والتفريط بها لا يقلّ شأناً عن التفريط بأثمن النعم، كيف لا، وحال من فقد الصديق معروف لدى المجرّبين، من التعب والأرق والندامة.
فكيف نحافظ على هذه النعمة؟ وما هو موقف الشارع المقدّس من الإساءة إليها؟ هذا ما سنتعرّض له إن شاء الله تعالى، جعلنا الله وإيّاكم من المحافظين على نعمائه.
لماذا نكتسب الأصدقاء؟
لا بدّ للإنسان الاجتماعي من اكتساب الصديق، ولا غنى له عنه في زحمة الحياة، كيف لا والصديق أقرب الناس إلى الصديق، وهو المعين في وقت الضيق، والمشتكى حين لا سامع من سائر الناس، ولهذا أكّد أهل البيت عليهم السلام على اكتساب الإخوان، والإكثار منهم؛ ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "عليك بإخوان الصدق، فأكثر من اكتسابهم، فإنّهم عدّة عند الرخاء، وجُنَّة عند البلاء"2.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا وإنّ المؤمنَين إذا تحابَّا في الله عزّ وجلّ وتصافيا بالله، كانا كالجسد الواحد، إذا اشتكى أحدهما من جسده موضعاً، وجد الآخر ألم ذلك الموضع"3.
بل إنّ لاكتساب الأخ فضلاً عمّا في نفعه للدنيا أجراً في الآخرة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من جدّد أخاً في الإسلام، بنى الله له برجاً في الجنّة"4.
هذا مضافاً لعظيم نفعهم الأخرويّ وهو الشفاعة، أي شفاعة الأخ للأخ والصديق للصديق، وهذا هو أثمن ما يمكن الحصول عليه في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إستكثروا من الإخوان فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة يوم القيامة"5.
لا تفرّط بأخيك
لأهميّة هذا كلّه ينبغي عدم التفريط بالأصدقاء والإخوة المكتسبين في الله، ولهذا ينبغي مراعاة المشاعر بين الصديقين لكي يدوم الودّ بينهما، وسنسلّط الضوء على بعض ما يفسد الودّ، والذي ينبغي علينا تجنّبه قدر الإمكان للحفاظ على هذه النعمة الإلهيّة.
فممّا يفسد الودّ بين الأخوة المتحابّين في الله تعالى
1- ذهاب الحشمة
والمراد من ذهاب الحشمة انعدام الحياء بين الأصدقاء والإخوة، وكثيراً ما يحدث هذا من خلال التحدّث بأمورٍ خصوصيّة تخصّ الإنسان، وقد نهت الروايات عن هذا الأمر، فعن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام: "لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك، أبقِ منها، فإنّ ذهابَها ذهابُ الحياء"6.
2- ترك الحقوق
فترك الحقوق التي أرشدتنا إليها روايات أهل البيت عليهم السلام، يولّد التوتّر في العلاقة، لما يستتبع تركها من عتاب قد لا يكون بالشكل اللائق الذي يعبّر عنه بالنقد البنّاء، فالكثير من الناس لا تملك الأسلوب المناسب في الحوار، وتحاول النقد بشكل سلبيّ للغاية، وباستعمال عبارات خادشة للأحاسيس، ممّا يوّلد توتّراً في العلاقة بين الأخوة، لهذا ينصح لتفادي هذا كلّه، أن يبتعد الإنسان عن أصل المشكلة، ومحاولة دَرْء هذا التوتّر من خلال الالتزام بالحقوق التي افترضت بين الإخوان في الله تعالى.
والحقوق التي أشارت إليها الروايات اختصرها إمامنا زين العابدين عليه السلام بقوله في رسالة الحقوق: "وأمّا حقّ الصاحب فأن تصحبه بالتفضّل والإنصاف، وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبق إلى مكرمة، فإن سبق كافأته، وتودّه كما يودّك، وتزجره عما يهمّ به من معصية، وكن عليه رحمة، ولا تكن عليه عذاباً، ولا قوّة إلا بالله".
خسارة الإخوان
ما أصعب أن تجد الصديق والأخ الذي يشعرك بأنّه النصف المكمّل لك، والذي لا تجده إلّا أمامك حتّى في أحلك الظروف، والذي يؤنسك حين تُعييك السبل عن تنفيس الكرب، فيكون الماء البارد الذي يزيح عنك حرراة الحياة وتعبها.
لكن الأصعب من هذا كلّه، أن يضيع منك هذا الكنز في لحظة غضب عابرة, أو خطرة سوء ظنٍ من شيطان رجيم، من شياطين الإنس أو الجنّ.
هنا تكون الخسارة الفادحة التي لا يمكن التعويض عنها، وهنا قد لا ينفع الندم فيما لو كان جرح الأخ كبيراً فيصعب التئامه.
لذا إخوتنا لا نكن ممّن جاء فيهم الحديث عن لسان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، إذ ورد عنه قوله: "أعجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم"7.
ولو وقع بين الأخ وأخيه بينٌ وخلاف، فعلى سائر إخوانهما السعي في إصلاح ذات بينهما، ومحاولة ردم الهوّة التي وقعت بينهما، ولأم الجراح التي أسعدت حال إبليس، الذي أفرح ما يفرح به الوقيعة بين أخوين، يقول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾8.
كما أنّه علينا إذا جاءنا أخ في الله معتذراً أن نقبل العذر منه، لأنّ ترك المعذرة من شيم اللئام، وجاء في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ أخاك حقّاً من غفر زلّتك، وسدّ خلّتك، وقبل عذرك، وستر عورتك، ونفى وجلك، وحقّق أملك"9.
* كف الأذى. تأليف مركز نون للتأليف والترجمة. نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: الأولى شباط 2010م- 1431هـ. ص: 39-43.
1- بحار الأنوار - العلّامة المجلسي - ج74 ص 234.
2- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - الحديث 155.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج74، ص280.
4- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - الحديث 158.
5- م. ن. - الحديث 161.
6- وسائل الشيعة - الحرّ العاملي - ج 12 ص 146.
7- ميزان الحكمة، الحديث 159.
8- الحجرات: 10.
9- غرر الحكم ح / 3645.