لماذا يعتبر السباب وسيلة العاجز؟
كف الأذى
بعض الناس لا تمتلك القدرة على الإقناع من خلال الحوار، لأنّها لا تبني أفكارها ومعتقداتها وآراءها على أساس علميّ، بل تتبنّى فكراً قابلاً للنقد بكلّ سهولة،
عدد الزوار: 282بعض الناس لا تمتلك القدرة على الإقناع من خلال الحوار، لأنّها لا تبني أفكارها ومعتقداتها وآراءها على أساس علميّ، بل تتبنّى فكراً قابلاً للنقد بكلّ سهولة، وبسبب عدم تمكّنها من تقبّل النقد الذي يحطّم أفكارها الواهية، تقوم في المقابل بردّ لا عمليّ على النقد الموجّه لأفكارها، وهو السباب وتكفير الآخر وتجهيله، وتحويل النقاش الموضوعيّ البنّاء من وسيلة لتطوّر العلم والمعرفة، إلى ساحة للصياح والسباب، والتعرّض بالشتم أو اللّعن.
إنّ هذا النوع من العاجزين عن بناء أفكارهم على أسس متينة، والذين لم يربّوا أنفسهم على تقبّل النقد والنصيحة، واللامتورّعين عن شتم الآخر، هم العاجزون لا عن إثبات أفكارهم فحسب، بل عاجزون عن التطوّر، لأنّ قطع الحوار بهذه الطريقة يلغي تطوّر الفكر، ويبقي الشخص المتمسّك بهذا الخُلق السيّئ، أسير رغبته في الانتقام ممّن يعتقد أنّه "مسّ بمروءته، أو يحاول تحطيمه".
الفاحش شرّ الناس
تصنّف المجتمعات البشريّة المحافظة على القيم الرجل الفاحش في خانة الطبقة الدنيا من المجتمع، ويعتبرونه من الأشخاص الذين يعاب مصاحبهم، ولذا ترى الفاحشين يصاحبون من شابههم من الناس.
وعدّت الروايات الشريفة المتّصفين بهذه الصفة بأنّهم شرُّ الناس، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ من شرِّ الناس من تركه الناس اتّقاء فحشه"([1]).
ولم تكتفي الروايات بعدّ الفحّاش من شرِّ الناس بل أوعدته النار، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "من خاف الناس لسانه فهو في النار"([2]).
ماذا عن السباب واللعن؟
السباب واللّعن صفتان لم يرغب الشرع الأقدس في اتّصاف المؤمن بهما، ولينظر المرء لنفسه حين يبتلى بهذه الصفة، وليعلم أنّ الرقيب الحسيب يحسب عليه كلّ كلمة يقولها، وسيسأل عنها يوم القيامة.
وليعلم أيضاً أنّ من يوجّه كلامه البذيء لأعراض الناس، سيوجّه له الكلام يوماً ما، فهل سيقبل بهذا؟ بالطبع لا، فلماذا إذن قبل أن يشتم الآخرين، وينال من أعراضهم التي أوصى الله تعالى بسترها، ولم يقبل ذلك على نفسه؟! فعن الإمام عليّ عليه السلام: "من عاب عيب، ومن شتم أجيب"([3]).
فإذا كان الفاحش يرى لنفسه ميزةً عن الناس، ورفعةً، فهو يحمل فوق فسقِه لفحشه تكبّراً يودي به إلى جهنّم، حيث ينادي المنادي يومئذٍ: ﴿فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين﴾([4]).
فليقف الإنسان مع نفسه قبل أن تخرج أيّة كلمة منه، ليتذكّر ما هي العاقبة، وأنّه في غنى عن عذاب الله تعالى، بسبب كلمة تخرج، حالة غضب، وليعلم أنّ أهل البيت عليهم السلام رفضوا أن يصاحبوا الفحّاشين في الدنيا، فكيف يطمع في لقائهم والقرب منهم في جنّات النعيم، ففي الرواية أنّه كان لأبي عبد الله الصادق عليه السلام صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين([5])، ومعه غلام له سنديّ يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلمّا نظر في الرابعة قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟
قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام يده فصكّ بها جبهة نفسه ثمّ قال عليه السلام: "سبحان الله تقذف أمّه، قد كنت أرى أنّ لك ورعاً فإذا ليس لك ورع.
فقال: جعلت فداك إنّ أمّه سنديّة مشركة، فقال عليه السلام: أما علمت أنّ لكلّ أمّة نكاحاً، تنحّ عنّي. قال: فما رأيته يمشي معه، حتّى فرّق الموت بينهما"([6]).
كفّ الأذى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) ميزان الحكمة، ج 3، ص 2377.
([2]) ميزان الحكمة، ج 3، ص 2377.
([3]) ميزان الحكمة، ج 3، ص 2377.
([4]) النحل: 28.
([5]) منطقة فيها صانعو أحذية.
([6]) الكافي - الكليني - ج 2 ص324.