يتم التحميل...

أولو العزم

مقدمات عامة

قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ. المراد من أولي العزم معان ثلاث مجتمعة.المراد من أولي العزم معان ثلاث مجتمعة...

عدد الزوار: 239

قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ1.

ما معنى أولي العزم؟
المراد من أولي العزم معان ثلاث مجتمعة

المعنى الأول

أن العزم هو الثبات على العهد المأخوذ منهم وعدم نسيانه فقد قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظ2.

والميثاق المأخوذ من الأنبياء عليهم السلام هو ميثاق خاص بهم، لأن الآية قالت ميثاقهم وهذا الميثاق هو تأدية الرسالة والتبليغ وقيادة الناس في كل الأبعاد والمجالات.

المعنى الثاني
إنهم أصحاب الشريعة والكتاب، والكتب وان لم تختص بالأنبياء عليهم السلام الخمسة من أولي العزم ولكن الشرائع اختصت بهم فلا شريعة تتضمن أحكاماً وقوانين إلا ما جاء به هؤلاء الأنبياء وحول هذا الأمر وردت الآيات والروايات أما الآيات فسوف يأتي بيانها وأما الروايات فقد ورد في رواية عن سماعة بن مهران قال قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: "كيف صاروا أولي العزم؟ قال:لأن نوحاً بعث بكتاب وشريعة، وكل من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه، حتى جاء إبراهيم عليه السلام بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به، فكل نبي جاء بعد إبراهيم عليه السلام أخذ بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصحف حتى جاء موسى بالتوراة وشريعته ومنهاجه، وبعزيمة ترك الصحف وكل نبي جاء بعد موسى عليه السلام أخذ بالتوراة وشريعته ومنهاجه حتى جاء المسيح عليه السلام بالإنجيل، وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه فكل نبي جاء بعد المسيح أخذ بشريعته ومنهاجه، حتى جاء محمدا فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء أولو العزم من الرسل عليهم السلام"3.

والعزم يطلق على إرادة الفعل والقطع عليه والصبر والاحتمال والثبات والجد، وأولو العزم من الرسل هم الذين كانوا من أصحاب الشرائع واجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا لكمال قوتهم في دين الله على إقامتها وإنفاذها وتبليغها أو تحمل المشاق والمجاهدة والقتال والأذى من سفهاء الأمة الطاعنين فيها.

المعنى الثالث
إن دعوتهم تشمل أهل الأرض جميعاً فلم يخص الله قوماً بدعوتهم وقد ورد في الرواية عن علي بن الحسين عليه السلام إن أصحابه سألوه عن معنى أولي العزم فقال: "بعثوا إلى شرق الأرض وغربها إنسها وجنها"4.

هذه المعاني الثلاث المذكورة هي المشهورة، وقد ورد في بعض الروايات تفسير أولي العزم بمعان أخرى منها

ما ورد عن الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام: "... ثم أدب الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر فقال ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم عليهم السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومعنى أولي العزم أنهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار بالله والإقرار بكل نبي كان قبلهم وبعدهم وعزموا على الصبر مع التكذيب والأذى"5.

منها ما ورد عن جابر عن الإمام الصادق عليه السلام: وإنما سمي أولوا العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته وأجمع عزمهم على أن ذلك كذلك والإقرار به6.

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام"ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال ألست بربكم ثم قال وإن هذا محمد رسول الله وإن هذا علي أمير المؤمنين قالوا بلى فثبتت لهم النبوة، وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي عليه السلام وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأعبد به طوعاً وكرهاً قالوا أقررنا ياربُّ وشهدنا"7.

عدد أولي العزم
أولي العزم خمسة من الرسل وهم نوح، إبراهيم، موسى، عيسى عليهم السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم. وبهذا وردت الروايات عن أهل البيت عليهم السلام فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: أولو العزم من الرسل خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين8.

أولي العزم في القرآن
لقد ذكر القران الكريم أولي العزم وخصهم بأن ذكرهم معاً دون غيرهم من الأنبياء عليهم السلام.

قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ9.

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظ10.

خصائصُ الأنبياء
يصف أمير المؤمنين عليهم السلام الأنبياء في نهج البلاغة قائلاً:"...كانوا قوماً مستضعفين، قد اختبرهم الله بالمخمصة، وابتلاهم بالمجهدة، وامتحنهم بالمخاوف، ومخضهم بالمكاره...ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون عليهما السلام على فرعون وعليهما مدارع الصوف، وبأيديهما العصي... ولو أراد الله سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان، ومعادن العقيان، ومغارس الجنان... لفعل، ولو فعل لسقط البلاء، وبطل الجزاء... ولكن الله سبحانه جعل رسله اولي قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى..."11.

إن الأنبياء عليهم السلام هم من أفضل البشر قد اختارهم الله تعالى من بين سائر الخلق واصطفاهم لإبلاغ رسالته، ومعنى الاصطفاء أنه أختارهم من بين الجميع، لميزة فيهم عن سواهم.

فما هي الصفات التي اختص بها الأنبياء والرسل على رسولنا وآله وعليهم السلام؟

من أهم الصفات التي حبا الله تعالى بها الأنبياء عليهم السلام
أ- طهارة الآباء

فإن الأنبياء قد انتقلت أنوارهم في الأصلاب المؤمنة العفيفة والأرحام المطهرة النظيفة، فلا يمكن لنبي أن يكون ولداً من سفاح والعياذ بالله، وفي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية"12.

ب- أشد الناس بلاءً
ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن أشد الناس بلاء الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، ثم الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل"13.

ج- السخاء
فالأنبياء هم أهل السخاء والكرم، ففي الرواية عن الإمام الكاظم عليه السلام: "ما بعث الله عز وجل نبياً ولا وصياً إلا سخياً"14.

بل لا يمكن للبخيل أن يكون نبياً لأن البخل كما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "جامع لمساوئ العيوب، وهو زمام يقاد به إلى كل سوء"15، فإذا كان البخل بهذا المستوى من المجافاة للإيمان فكيف للنبي أن يكون بخيلاً.

خصائصُ أولي العزم
أما أنبياء أولي العزم فإضافة لهذه الصفات فقد حباهم الله تعالى بفضيلتين

إضافيتين عن سائر الأنبياء والرسل عليهم السلام، وهما

1- هم سادة النبيين والمرسلين
فأولو العزم هم أفضل الأنبياء جميعاً وهم سادات الأنبياء عليهم السلام فقد ورد عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: "سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء".

2- العلم
فقد اختص أنبياء أولي العزم بأنهم أكثر علما من سائر الأنبياء عليهم السلام، وورد عن الصادق عليه السلام: "إن الله خلق أولوا العزم من الرسل وفضلهم بالعلم"16.

* أولو العزم،سلسلة الدروس الثقافية, جمعية المعارف الثقافية، ط1، 2006م - 1427هـ، ص 17 - 22


1- الاحقاف: 35.
2- الأحزاب: 7.
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 17 - 18.
4- بحار الانوار المجلسي، ج11، ص33.
5- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، ج2، ص 300.
6- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص 416.
7- الكافي، الشيخ الكيليني، ج2، ص 8.
8- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 300.
9- الشورى:13.
10- الأحزاب:7.
11- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج2، ص 144.
12- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص 3019.
13- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص 3021.
14- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص 3020.
15- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 1، ص 232.
16- بصائر الدرجات، ص 248.
 

2010-04-02