ما يشترك فيه الأنبياء عليهم السلام
مقدمات عامة
اعلم أن وهب بن منبه صنف كتابا مبسوطا في قصص الأنبياء ولا نعتمد ما أورده فيه لأنه من طريق الجمهور وتواريخهم فيصلح شاهدا لا حجة على المطلوب وأما الفاضل الراوندي قدس الله ضريحه فهو من علمائن وكتب أيضا كتابا أوضح فيه عن قصص ...
عدد الزوار: 196
و في عددهم وبيان أولي العزم منهم والفرق بين النبي والإمام وجملة من أحوالهم
اعلم أن وهب بن منبه صنف كتابا مبسوطا في قصص الأنبياء ولا نعتمد ما أورده فيه لأنه من طريق الجمهور وتواريخهم فيصلح شاهدا لا حجة على المطلوب وأما الفاضل الراوندي قدس الله ضريحه فهو من علمائن وكتب أيضا كتابا أوضح فيه عن قصص الأنبياء عليهم السلام وروى ما أودع فيه من أخبارنا عن الأئمة عليهم السلام إلا أنه قد شذ عنه أكثر ما ضمنه كتابه فجاءت القصص ناقصة تحتاج إلى التتميم وأما شيخنا المعاصر قدس الله سره فقد ألف كتاب بحار الأنوار وجعل الكتاب الخامس في أحوال الأنبياء عليهم السلام وسماه كتاب النبوة فهو وإن أحاط بجميع قصصهم عليهم السلام وتفصيل أحوالهم من أخبارن ورواياتنا إلا أنه بلغ الغاية في التطويل والتفصيل لأنه ذكر الآيات أولا تفسيرها ثاني وكل ما ورد من طريق العامة والخاصة في بيان أحوالهم عليهم السلام فأحببت أن أنسج كتابي هذا على منوال عجيب وطرز غريب بأن أذكر كل ما ورد من طرق الخاصة وبعض ما أحتاج إليه من روايات الجمهور إن وقع الاحتياج إليه على طريق الاختصار فيكون كتابا صغير الحجم غزير العلم تهش إليه الألباب وتستلذه الطلاب قال الله تعالى ﴿وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ولَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُو وأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
روى الثقة علي بن إبراهيم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا إل ويرجع إلى الدني وينصرأمير المؤمنين عليه السلام وهو قوله تعالى ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ يعني برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولتنصرنأمير المؤمنين عليه السلام ثم قال لهم في الذر ﴿أَ أَقْرَرْتُمْ وأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي أي عهدي قالُوا أَقْرَرْنا قال الله فَاشْهَدُو وأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
أقول: جاءت الأخبار مستفيضة في أن القائم عليه السلام إذا خرج وقام له الملك يخرج في زمانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وهو صاحب العص والميسم يسم المؤمن في جبهته فينتقش بها هذا مؤمن ويسم الكافر فينتقش في جبهته هذا كافر وتخرج الأئمة عليهم السلام والأنبياء عليهم السلام لينصرواأمير المؤمنين عليه السلام والمهدي عليه السلام سيما الأنبياء الذين أوذوا في الله كزكري ويحيى وحزقيل ومن قتل منهم ومن جرح فإن الأخبار جاءت مستفيضة برجوعهم إلى الدنيا ليقتصوا ممن آذاهم وقتلهم من الأمم وليأخذوا بثأرالحسين عليه السلام.
و عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت قول الله عز وجل ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَن والَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْي ويَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ﴾ قال ذاك والله في الرجعة أ ما علمت أن أنبياء الله كثير لم ينصروا في الدني والأئمة من بعدهم قتلو ولم ينصروا في الدني وذلك في الرجعة والأشهاد الأئمة عليهم السلام.
يقول مؤلف الكتاب أيده الله تعالى: المراد من الرسل في الآية الأنبياء ففي هذا الحديث وما قبله وما روي بمعناهما دلالة على أن الأنبياء عليهم السلام كلهم يرجعون إلى الدني وفي القيامة الصغرى وينصرهم الله تعالى بالقوة والملائكة على أعدائهم وأعداء آل محمد عليهم السلام ويحيي الله سبحانه أممهم الذين آذوهم كما يخرج بني أمية ومن رضي بفعالهم من ذراريهم وغيره وكذلك يحيي من أخلص الإيمان من الأمم ليفوزوا بثواب النصر والجهاد ويتنعموا في دولة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما قال سبحانه ﴿وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً﴾ وقال الصدوق طيب الله ثراه اعتقادنا في عدد الأنبياء عليهم السلام أنهم مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي ومائة ألف وصي وأربعة وعشرون ألف وصي وأن سادة الأنبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحى وهم أصحاب الشرائع ومن أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه وهم خمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وهم أولو العزم صلى الله عليه وآله وسلم.
أقول ما قال في عددهم عليهم السلام هو الذي دلت عليه واضحات الأخبار وقاله علماؤنا رضوان الله عليهم وما دل على خلافه يكون محمولا على طريق التأويل مثل ما روي في قوله صلى الله عليه وآله وسلم.
بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل.
بأن يراد أعاظم الأنبياء عليهم السلام وأما المرسلون ففيه صلى الله عليه وآله وسلم أنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر.
و قيل له يا رسول الله كم أنزل من كتاب قال مائة صحيفة وأربعة كتب أنزل الله على شيث عليه السلام خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشرين صحيفة وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.
و في كتاب الإختصاص للمفيد طاب ثراه بإسناده إلى صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي يا صفوان هل تدري كم بعث الله من نبي قال قلت ما أدري قال بعث الله مائة ألف نبي وأربعة وأربعين ألف نبي ومثلهم أوصياء.
و عنه عليه السلام: قال أبو ذر يا رسول الله كم بعث الله من نبي فقال ثلاثمائة ألف نبي وعشرين ألف نبي والمرسلون منهم ثلاثمائة وبضعة عشر والكتب المنزلة مائة صحيفة وأربعة كتب أنزل منها على إدريس خمسين صحيفة.
أقول: وجه الجمع بين هذين الخبرين وما تقدم يكون أما بحمل الزائد من عدد الأنبياء على ما كان قبلآدم عليه السلام فإن الأرض لا تخلو من حجة ما دام التكليف وبأن يقال إن مفهوم العدد ليس بحجة.
و عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: إن الأنبياء وأتباع الأنبياء خصوا بثلاث خصال السقم في الأبدان وخوف السلطان والفقر.
أقول: يجوز أن يراد من أولاد الأنبياء المعصومون منهم المنزهون عن الذنوب ويجوز أن يراد الأعم فتكون ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من العلويين كلهم داخلين في الأمور الثلاثة وأما الأتباع فهم العلماء والصلحاء والفقراء والمتقون.
و في كتاب الإقبال لابن طاوس قدس الله ضريحه بإسناده إلى الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول من أحب أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فليزرالحسين عليه السلام ليلة النصف من شعبان فإن أرواح النبيين يستأذنون الله في زيارته فيأذن لهم فطوبى لمن صافحهم وصافحوه منهم خمسة أولو العزم من المرسلين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين قلت ولم سموا أولي العزم قال لأنهم بعثوا إلى شرقه وغربه وجنه وإنسها.
أقول: هذه المصافحة يجوز أن تكون في الدنيا لزائريه وإن لم يشعروا به وببعضها فإن الملائكة تتصور بصور الرجال يأتون إلى زيارته ويصافحون زواره ويجوز أن تكون يوم القيامة في الجنة وقبل دخوله وقوله فليزرالحسين عليه السلام الظاهر أن المراد زيارته من قرب وإرادة البعد محتملة أيض وما دل عليه من أن أولي العزم هذه الخمسة صلى الله عليه وآله وسلم روي في الأخبار المستفيضة ورواه الجمهور عن ابن عباس وقتادة وذهب بعضهم إلى أنهم ستة نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وقيل هم الذين أمروا بالقتال والجهاد وأظهروا المكاشفة وجاهدوا في الدين وقيل هم أربعة إبراهيم ونوح وهود ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا عبرة بهذه الأقوال كلها لأنها خلاف إجماعن وأصحابن وما تضمنه ومن وجه التسمية وأن رسالتهم عامة هي إحدى الروايات وفي تفسير الثقة علي بن إبراهيم أنهم سموا أولي العزم لأنهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار بالله وأقروا بكل نبي كان قبلهم وبعدهم وعزموا على الصبر مع التكذيب والأذى.
و في عيون الأخبار عن الرضا عليه السلام قال: إنما سمي أولو العزم لأنهم كانوا أصحاب العزائم والشرائع وذلك أن كل نبي كان بعد نوح عليه السلام كان على شريعته ومنهاجه وتابعا لكتابه إلى زمن إبراهيم الخليل عليه السلام.
ثم ساق الكلام في الخمسة على مثال واحد وفيه دلالة على أن الخمسة عليهم السلام رسالتهم عامة ولا كلام في الثلاثة إنما الكلام في عموم رسالة موسى وعيسى عليه السلام لأن في بعض الأخبار نوع معارضة له وأن رسالتهما كانت خاصة لا عامة ويمكن تأويل تلك الأخبار وإبقاء ما دل على عموم رسالتهما على حاله لاستفاضة الأخبار الدالة عليه.
و في مشارق الأنوار عن علي بن عاصم الكوفي قال: دخلت على أبي محمد العسكري عليه السلام فقال لي يا علي انظر إلى ما تحت قدميك فإنك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين والأئمة الراشدين ثم قال ادن مني فدنوت منه فمسح يده على وجهي فصرت بصيرا قال فرأيت في البساط أقدام وصور وقال هذا أثر قدم آدم عليه السلام وموضع جلوسه وهذا أثر هابيل وهذا أثر نوح وهذا أثر قيدار وهذا أثر مهلائيل وهذا أثر يارد وهذا أثر أخنوخ وهذا أثر إدريس وهذا أثر متوشلخ وهذا أثر سام وهذا أثر فخشد وهذا أثر صالح وهذا أثر لقمان وهذا أثر إبراهيم وهذا أثر لوط وهذا أثر إسماعيل وهذا أثر إلياس وهذا أثر إسحاق وهذا أثر يعقوب وهذا أثر يوسف وهذا أثر شعيب وهذا أثر موسى وهذا أثر يوشع بن نون وهذا أثر طالوت وهذا أثر سليمان وهذا أثر الخضر وهذا أثر دانيال وهذا أثر اليسع وهذا أثر ذي القرنين إسكندر وهذا أثر شابور بن أردشير وهذا أثر لؤي وهذا أثر كلاب وهذا أثر قصي وهذا أثر عدنان وهذا أثر عبد مناف وهذا أثر عبد المطلب وهذا أثر عبد الله وهذا أثر سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا أثرأمير المؤمنين عليه السلام وهذا أثر الأوصياء من بعده والمهدي عليه السلام لأنه قد وطئه وجلس عليه ثم قال انظر إلى الآثار واعلم أنها آثار دين الله وأن الشاك فيهم كالشاك في الله ثم قال أخفض طرفك يا علي فرجعت محجوبا كما كنت.
أقول: ما اشتمل عليه من ذكر شابور وما بعده يدل على أنهم كانوا مسلمين وقتا م وذلك لأن شابور من أجداد علي بن الحسين عليه السلام كما أن لؤي وما بعده من أجداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
و روى الشيخ في الأمالي بإسناده إلى رجل جعفي قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال اللهم إني أسألك رزقا طيبا قال فقال أبو عبد الله عليه السلام هيهات هيهات هذا قوت الأنبياء ولكن سل ربك رزقا لا يعذبك عليه يوم القيامة هيهات إن الله يقول ﴿يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحاً﴾ والطيبات الرزق الحلال.
و في الكافي بإسناده إلى معمر بن خلاد قال: نظر أبو جعفر عليه السلام إلى رجل وهو يقول اللهم إني أسألك عن رزقك الحلال فقال أبو جعفر عليه السلام سألت قوت النبيين قل اللهم إني أسألك رزقا واسعا طيبا من رزقك.
أقول المراد من الرزق الحلال في الحديثين ما يكون حلالا في الواقع ونفس الأمر وهو رزق الأنبياء وأوصيائهم وأما رزق المؤمنين فهو الحلال في ظاهر الشريعة وربما كان فيه شبهات.
و في الكافي عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى ﴿وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ ما الرسول وما النبي قال النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك والرسول الذي يرى في المنام ويسمع الصوت ويعاين الملك قلت الإمام ما منزلته قال يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك ثم تلا هذه الآية وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث.
و عن الرضا عليه السلام: الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلماته وينزل عليه الوحي وربما يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه السلام والنبي ربما يسمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع الإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص.
و في الصحيح عن الأحوال قال: سمعت زرارة يسأل أبا جعفر عليه السلام قال أخبرني عن الرسول والنبي والمحدث فقال الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه ويكلمه وأما النبي فهو يرى في منامه على نحو ما رأى إبراهيم عليه السلام ونحو ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل من عند الله بالرسالة وكان محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل عليه السلام ويكلمه بها قبل ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه يأتيه الروح فيكلمه من غير أن يكون رآه في اليقظة وأما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه.
أقول: اختلف علماء الإسلام في الفرق بين النبي والرسول فقيل بالترادف وقيل بالفرق بأن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب وإنما يدعو إلى كتاب من قبله.
و منهم من قال إن من كان صاحب المعجزة وصاحب الكتاب ونسخ شرع من قبله فهو الرسول ومن لم يكن مستجمعا لهذه الخلة فهو النبي غير الرسول.
و منهم من قال من جاءه الملك ظاهر وأمره بدعوة الخلق فهو الرسول ومن لم يكن كذلك بل يرى في النوم فهو النبي ذكر هذه الوجوه الفخر الرازي وغيره والظاهر من حديثنا صحة القول الأخير لما مر من عدد المرسلين وكون من نسخ شرعة ليس إلا خمسة.
و في كتاب البصائر عن الباقرين عليهما السلام: والمرسلون على أربع طبقات فنبي تنبأ في نفسه لا يعدو غيره ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاين في اليقظة ولم يبعث إلى أحد وعليه إمام مثل ما كان إبراهيم على لوط ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد أرسل إلى طائفة قلو وكثروا كما قال الله تعالى ﴿وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ ويَزِيدُونَ﴾
و قال يزيدون ثلاثين ألف ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل أولي العزم وقد كان إبراهيم عليه السلام نبي وليس بإمام حتى قال ﴿إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ ومِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ أي من عبد صنم ووثنا.
أقول: يعني الإمامة الرئاسة العامة لجميع المخلوقات فهي أفضل من النبوة وأشرف منها.
الإختصاص للمفيد عن عمر بن أبان عن بعضهم قال: كان خمسة من الأنبياء سريانيين آدم وشيث وإدريس ونوح وإبراهيم وكان لسان آدم العربية وهو لسان أهل الجنة فلما عصى ربه أبدله السريانية قال وكان خمسة عبرانيين إسحاق ويعقوب وموسى وداود وعيسى وخمسة من العرب هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم وملك الدنيا مؤمنان وكافران فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان عليه السلام وأما الكافران فنمرود بن كوش بن كنعان وبختنصر.
أقول: نصر بوزن بقم اسم صنم وبخت يعني أولد لأنه وجد مطروحا عنده فكأنه ابنه.
و روى الصدوق طاب ثراه في إكمال الدين حديثا طويلا يسنده إلى الباقر عليه السلام وفيه: أن آدم عليه السلام لما استكملت أيام نبوته أوحى الله سبحانه إليه بجعل العلم وميراث النبوة في ابنه هبة الله وبشر آدم بنوح وكان بينهما عشرة آباء كلهم أنبياء فلما مضت أيام نبوة نوح عليه السلام دفع ميراث العلم والنبوة إلى ابنه سام وليس بعد سام إلا هود فكان بين نوح وهود من الأنبياء مستخفين وغير مستخفين ومن بعد هود انتهت النبوة إلى إبراهيم وكان بين هود وإبراهيم من الأنبياء عشرة وذكر كلاما طويلا ثم قال فأرسل الله موسى وهارون إلى فرعون وهامان وقارون وكان يقتل في اليوم نبيين وثلاثة وأربعة حتى أنه كان يقتل في اليوم الواحد سبعون نبي ويقوم سوق بقلهم آخر النهار ثم ذكر أن موسى عليه السلام أرسل إلى أهل مصر خاصة وأن عيسى أرسل إلى بني إسرائيل خاصة وأرسل الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإنس والجن عامة.
و هذا الحديث يعارض ما تقدم من عموم رسالة موسى وعيسى عليه السلام ويجري فيه من التأويل أنه من قبيل ما يقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى العرب ويقال إنه أرسل إلى مكة لضرب من المجاز والعلاقة ظاهرة.
و في الكافي يسنده إلى البرقي يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله جعل الاسم الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا فأعطى آدم منها خمسة وعشرين حرف وأعطى نوحا منها خمسة وعشرين وأعطى إبراهيم منها ثمانية أحرف وأعطى منها موسى أربعة أحرف وأعطى منها عيسى حرفين وكان يحيي بها الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص وأعطى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم اثنين وسبعين حرف واحتجب حرفا لئلا يعلم ما في نفسه ويعلم ما في نفس العباد.
و عنه عليه السلام: كان مع عيسى ابن مريم حرفان يعمل بهم وكان مع موسى عليه السلام أربعة أحرف وكان مع إبراهيم عليه السلام ستة أحرف وكان مع آدم عليه السلام خمسة وعشرون حرف وكان مع نوح ثمانية وجمع ذلك كله لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن اسم الله ثلاثة وسبعون حرف وحجب عنه واحد.
أقول: إن الله سبحانه حجب الاسم الأعظم عن عباده غير الأنبياء وأوصيائهم.
قال المحققون لعل الوجه فيه أنه لو عرفهم إياه لأقبلوا على الدعاء به وأعرضوا عما سواه من الأسماء الحسنى على أن أكثرهم لا تحتمله عقولهم ولو عرفوه لأفسدوا على أنفسهم ضياع دينهم وعلى غيرهم ضياع دنياهم كما وقع لبلعم بن باعوراء حتى سلخه الله تعالى علمه وكذلك حجبت ليلة القدر في ثلاث ليال ليحافظ على العبادة فيها كله وكذلك حجب ولي الله في جملة الناس لأنه لو عرف بعينه لربما أقبل الناس على توقيره واحترامه وحده وولعوا بالإضرار بغيره وربما أوقع الضرر به فيعظم الذنب ومع أنه سبحانه حجبه عن الخلق ورد في الأخبار تارة أنه أقرب إلى بسم الله الرحمن الرحيم من سواد العين إلى بياضه وقيل إنه في سورة التوحيد.
و قيل: إنه لفظة الله لا غير وفي الأخبار غير هذا أيض وأماآدم عليه السلام فقد أعطي من الاسم الأعظم أزيد من إبراهيم عليه السلام وكذلك أعطي نوح عليه السلام فلا يلزم منه فضلهما شرفهما على إبراهيم عليه السلام لأن الأفضلية لا يلزم أن تكون بكل فرد فرد وشخص شخص من أنواع التكامل في التفاضل بين أولي العزم الأربعة والذي يظهر من إشارات الأخبار أنه الخليل عليه السلام لأمور سيأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى في مواضعها.
و في بعض أنه كان مع إبراهيم عليه السلام من الاسم الأعظم ستة أحرف ومع نوح عليه السلام ثمانية ومفهوم العدل ليس بحجة كما تقرر في الأصول.
و روىالثقة عن علي بن إبراهيم عن ياسر عن أبي الحسن عليه السلام قال: ما بعث الله نبيا إلا صاحب مرة سوداء صافية.
أقول: صاحب هذه المرة تقرر في عالم الطب أنه في غاية الحذق والفطانة والحفظ لكن لما كان بجامعها الخيالات الفاسدة والجبن والغضب وصفها بأنها هنا صافية أي خالية من هذه الأخلاق الرديئة.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: إن الله عز وجل أحب لأنبيائه من الأعمال الحرث والرعي لأن لا يكرهوا شيئا من قطر السماء.
و قال عليه السلام: ما بعث الله نبيا قط حتى يسترعيه الغنم يعلمه بذلك رعية الناس.
إكمال الدين بإسناده إلى الصادق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: عاش آدم أبو البشر تسعمائة وثلاثين سنة وعاش نوح ألفي سنة وأربعمائة وعاش إبراهيم عليه السلام مائة سنة وخمس وسبعين وعاش إسماعيل بن إبراهيم مائة وعشرين سنة وعاش إسحاق مائة وثمانين سنة وعاش يعقوب عليه السلام مائة وعشرين سنة وعاش يوسف عليه السلام مائة وعشرين سنة وعاش موسى عليه السلام مائة وست وعشرين سنة وعاش هارون عليه السلام مائة وثلاث وثلاثين سنة وعاش داود عليه السلام مائة سنة منها أربعون سنة ملكه وعاش سليمان بن داود عليه السلام سبعمائة واثنتي عشرة سنة.
و عنه عليه السلام: قال إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالجوع حتى يموت جوع وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالعطش حتى يموت عطش وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالسقم والأمراض حتى يتلفه وإن كان النبي ليأتي قومه فيقوم فيهم يأمرهم بطاعة الله ويدعوهم إلى توحيد الله وما معه مبيت ليلة فما يتركونه يفرغ من كلامه ولا يستمعون إليه حتى يقتلوه وإنما يبتلي الله تبارك وتعالى عباده على قدر منازلهم عنده.
و عن أبي الحسن عليه السلام: من أخلاق الأنبياء التنظف والتطيب وحلق الشعر وكثرة الطروقة.
و عن أمير المؤمنين عليه السلام: العشاء بعد العتمة عشاء النبيين.
و عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: ما من نبي إل وقد دعي لأكل الشعير وبارك عليه وما دخل جوفا إلا أخرج كل داء فيه وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار أبى الله تعالى أن يجعل قوت أنبيائه إلا شعيرا.
و عن الصادق عليه السلام: السويق طعام المرسلين واللحم باللبن مرق الأنبياء وكان أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخل والزيت وهو طعام الأنبياء وما أفتقر أهل بيت يأتدمون بالخل والزيت.
و روى الصدوق طاب ثراه في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى ابن السكيت قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام لما ذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء والعص وآلة السحر وبعث عيسى بالطب وبعث محمدا بالكلام والخطب فقال عليه السلام إن الله تبارك وتعالى لما بعث موسى كان الأغلب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله عز وجل بما لم يكن في وسع القوم مثله وبما أبطل به سحرهم فأثبت به الحجة عليهم وإن الله تبارك وتعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله عز وجل بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيا لهم الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وأثبت به الحجة عليهم وإن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام فأتاهم من كتاب الله عز وجل ومواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم وأثبت الحجة عليهم فقال ابن السكيت تالله ما رأيت مثل اليوم قط فما الحجة على الخلق اليوم فقال عليه السلام العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه فقال ابن السكيت هذ والله الجواب1.
1 _النور المبين /المحدّث العلامة نعمة الله الجزائري.
2012-11-29