يتم التحميل...

عقدة التفوق وأثرها في الزواج

المشاكل الزوجية

يطمح كل إنسان إلى حد ما لأن يرى نفسه متفوقاً حتى لو استدعى الأمر أن يعيش في عالم الخيال الجميل، ومن خلال ذلك يخامره شعور بالعظمة التي تبعث في نفسه الفرح والأمل بالحياة. ولكن ما يبعث على الأسف أن البعض من الناس يتجاوز الحد إلى فرض هذه الرؤية على الآخرين...

عدد الزوار: 209

عقدة التفوق وأثرها في الزواج
يطمح كل إنسان إلى حد ما لأن يرى نفسه متفوقاً حتى لو استدعى الأمر أن يعيش في عالم الخيال الجميل، ومن خلال ذلك يخامره شعور بالعظمة التي تبعث في نفسه الفرح والأمل بالحياة.

ولكن ما يبعث على الأسف أن البعض من الناس يتجاوز الحد إلى فرض هذه الرؤية على الآخرين.

وفي استقرائنا للعلل والأسباب التي تؤدي إلى نشوب النزاع في بعض الأسر، واجهنا بعض النماذج من الناس الذين يحاولون حتى في إطار الأسرة إثبات تفوقهم المستمر بطريقة أو بأخرى، فهناك مثلاً التدليل بالثراء أو المستوى العلمي أو حتى بالمناصب والوجاهات لبعض أقاربهم وزجّهم في هذه المسألة لإثبات تفوّقهم أمام أزواجهم !.

وربما يصل الأمر حداً، ومن خلال الإيحاء المستمر إلى شعور البعض بأنهم قد خسروا الكثير في زواجهم وأن شأنهم ومنزلتهم لا يتناسب والحياة مع هكذا أزواج. ولذا، ومن خلال هذه التصورات، يشعر بالحسرة على نفسه، وفي أحسن الأحوال يتغير شعوره تجاه زوجته فإذا هو ينظر إليها على أنها مجرد سكرتيرة أو خادمة. وقد نرى هذه الحالة المرضيّة لدى المرأة أيضاً إذ تخلط في تعاملها مع زوجها كما لو كان خادماً لديها !.

الأزواج المعقّدون
تنشأ هذه الحالة بسبب بعض العقد النفسية التي هي في واقعها وليدة لمرض معين أو تربية خاطئة تسبب في تعكير صفو حياتهم وحياة الآخرين، وهؤلاء لا يعيشون سوى تلك الهموم التي تجعلهم ينظرون بتشاؤم إلى الآخرين، فهم يشعرون بالأسف لجهل الآخرين منزلتهم وبقاء شخصيتهم في الظل، ولذا فهم يشعرون بالوحدة والشقاء الذي تتضاعف حدّته يوماً بعد آخر.

فهم لا يملّون الحديث عن إنجازاتهم وعن ذكائهم الخارق أو عن درجاتهم العلمية أو ثرائهم، ويودّون أن يتحدث الناس عن مناقبهم لكي يرووا ظمأهم من الزهو بأنفسهم. وقد يصل الحد بهم إلى أن يذيقوا أزواجهم المرارة والعذاب مما يؤدي في النهاية إلى تقويض أركان الأسرة.

وفي التعامل الزوجي
عادة ما يرى أولئك الأشخاص أنفسهم أكبر من حجمهم، ولذا فهم يعرضون أنفسهم على أنهم أعلى منزلة من الآخرين، وبمرور الزمن تتحول أفكارهم تلك إلى نوع من التكبر والغرور فيحاولون من خلال ذلك تحديد علاقاتهم وحصرها في " عالم الكبار " إذا صح التعبير فترى أحاديثهم " بالونية " الحجم والمحتوى. وإذا كانت لديهم إيجابية في صفة أو عمل فإنهم يضعونها تحت المجهر ويسهبون في الحديث عنها ويطنبون.

وقد يتعذر عليهم ذلك خارج الأسرة فيحاولون إفراغ هذه الشحنة وتعويض هذا النقص داخل أسرهم، مع أزواجهم وأبنائهم، ويتحدثون عن شأنهم وعلوّ منزلتهم، فإذا لم يجدوا ما يتحدثون به عن أنفسهم فتحوا دفاتر الأقرباء يقرؤون ويشرحون، وإذا تطلب الأمر بادروا إلى السحب من أرصدتهم " المصرفية " وتوقيع الصكوك تلو الصكوك.

وهذه الحالة من الزهو التي قد تنشأ في الأيام الأولى من الزواج في محاولة استعراضية، تجد الزوجة فيها نوعاً من الحديث العذب، تتسبب في إثارة الصداع لديها إذا ما تكررت وأصبحت عادة متجذرة، وقد تفسّرها على أنها نوع من الإهانة الموجهة إليها وإلى كرامتها ليجرها بالتالي إلى البحث عن العيوب والمثالب في محاولة للرد بالمثل إذا صح التعبير.

البواعث
ومن أجل البحث في بواعث هذه الحالة ومعرفة الأسباب التي تكمن وراءها في محاولة للحد منها أو التخفيف من آثارها على الطرف الآخر لا بد من الإشارة إلى ما يلي:

1- الغرور الفارغ
ربما تدفعنا بعض المجالات الخاصة إلى الإحساس بالغرور الفارغ، فربما نحصل على ثروة من " إرث " الآباء أو الأجداد، أو عن طريق آخر كالرشوة أو الاختلاس باسم الحق ثم نظن أن هذه الثروة تجعل لنا حقاً استثنائياً في استرقاق الآخرين ، أو نحصل على شهادة علمية، ربما جاءت في بعض الأحيان عن طريق الغش أو ترديد بعض المعلومات المدرسية، ثم نرتقي بسبب ذلك منصباً معيناً فنتصور الآخرين أقلّ فهماً وإدراكاً منا وأن عليهم أن يكونوا تابعين لنا في آرائنا وأفكارنا وخططنا دون أن نفكر بأن أزواجنا وأولادنا لا ذنب لهم لكي يكونوا- دائماً- عبيداً تابعين.

2- حب السيطرة
من العادات الخاطئة التي تترسب في نفوسنا منذ أيام الطفولة، وقد ترافقنا إلى نهاية العمر، هو الدلال الذي اعتدنا عليه في أيام الصغر، والذي قد يصور لنا الآخرين مجرد خدم لا شغل لهم سوى تلبية طلباتنا.

ومما يزيد الطين بلّة هو استمرارها حتى بعد الزواج إذ نتصور الطرف الآخر خادماً لنا ينبغي عليه أن يلبّي كل ما نطلبه منه، غافلين عن كونه إنساناً له كرامته وشخصيته التي تأبى عليه أن يكون عبداً لا أهمية له.

وهذه الظاهرة في حقيقتها مرض أخلاقي أو نفسي ينبغي علاجه، لأن استمرارها ستكون له آثاره المدمرة، خاصة في الحياة الزوجية.

3- النرجسية والأنانية
من دواعي الأسف أن الكثير منا ما يزال أسيراً لهوى نفسه يلهث وراء رغباتها ولا يرى شيئاً ولا أحداً سوى نفسه فقط.

وإذا كان لهذا المرض آثاره السلبية في الحياة الاجتماعية فإن له آثاراً مدمّرة في الحياة الزوجية لأنه يتناقض تماماً مع متطلبات الحياة المشتركة والاعتراف بحقوق ورؤى وآراء الطرف الآخر، ولا يتوقف خطر ذلك على الزوج أو الزوجة بل يمتد ليشمل مصير الصغار أيضاً.

إن الأنانية والنرجسية تجعل الحياة ضيقة خانقة بالنسبة للأزواج الذين قد يتحملون ذلك لاعتبارات عديدة ولكن مع تحمل الآلام والمرارة إضافة إلى سقوط شخصية الأنانيين في نظر أزواجهم ونظر الجميع.

4- الشعور بالنقص
قد يكون التكبر نتيجة للشعور بالنقص، وفي محاولة لتعويض ذلك يجنح الإنسان للسير في خيلاء مصعّراً خده للآخرين، في حين يعاني في أعماقه خواءً وإحساساً بالحقارة.

ولعل للأزمات التي تعصف في حياة بعض الناس وعجزهم عن الدفاع والمقاومة دوراً في ظهور هذه العقد في نفوسهم، وتؤدي بهم في النهاية- وفي محاولة التعويض عن هذا الإحساس- إلى الميل للتكبر والاستعلاء على الآخرين. وعادة ما يعاني المتكبرون من خواء نفسي وشعور بالمهانة يتحمل آلامها أولئك الذين يرتبطون معهم برباط الزواج، إذ عليهم أن يتحملوا ألواناً من الممارسات المعقدة التي تشف عن تلك المشاعر المريضة.

أما أولئك الذين يتمتعون بغنىً روحي فعادة ما يكونون على جانب كبير من اللياقة التي تؤهلهم لإدارة أنفسهم وجلب احترام الآخرين لهم.

تقييم الذات
القليل من الناس من يعرف قدر نفسه ويتصرف على ضوء ذلك، بينما يخطئ الكثير في تقييم ذواتهم أو يرونها بغير حجمها الطبيعي، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور عقدة الغرور.

وفي الحياة الزوجية تتجلى ضرورة الرؤية السليمة للطرفين لنفسيهما ولكل منهما ، والأساس في ذلك أن تستند تلك الرؤية إلى الاحترام الكامل للطرف الآخر على أساس إنسانية الإنسان.

ولا مجال هنا لأي محاولة أو سعي لإثبات خطر التفوق والشعور بالاستعلاء الذي يهدد سلامة الحياة الزوجية.

إن حلاوة الحياة المشتركة هي في تلك الألفة والمودة التي تربط الطرفين بوشائج متينة حيث تذوب جميع الفروقات بينهما في اتحاد فريد. وعندما يبدأ الزوجان في المقارنة بينهما عندها تقرأ الفاتحة عليهما وعلى حياتهما معاً.

ومن الخطأ الجسيم أن يحاول المرء توظيف موقعه مهما بلغ من العلو في علاقاته مع زوجه وشريك حياته، أو يسعى إلى تحقير الطرف الآخر الذي يجد نفسه مضطراً للبحث عن عيوبه وبثّها هنا وهناك.

ضرورة التغيير
إن مصلحة الحياة الزوجية تتطلب من الزوجين البحث عن السبل التي تؤدي إلى الاتحاد بينهما والتضامن بروح المحبة. ينبغي عليهما أن يلاحظا ذلك في أحاديثهما، وفي طريقة تفكيرهما ومواقفهما. ينبغي أن يكون سلوكهما باعثاً على الأمل في الحياة والمستقبل.

أية لذة يجنيها الزوج الذي يحوّل زوجه إلى إنسانة تشعر بالحقارة والمهانة والصغار من أجل أن يروي ظمأه وتعطّشه للتفوق والاستعلاء ؟! وأي مجد سيحصل عليه إذا جعل من زوجه بوقاً يسبح بحمده وثنائه ليل نهار ؟!.

نعم إن الرجل سيد الأسرة، ولكن عليه أن يعي مسؤوليته جيداً في إدارة الأسرة كهمّ كبير، لا كمنصب يستدعي التفاخر والاعتداد..

إن أدبياتنا كمسلمين تدعونا ومن أجل إسعاد الآخرين إلى أن ننأى بأنفسنا عن كل أشكال الأنانية، والعمل بكل ما من شأنه أن يفيد المجتمع ويجعل الحياة فيه بسيطة وجميلة.

طريق الحياة المشتركة
أن يتجمل الزوجان لبعضهما أمر حسن ولا يحتاج إلى بحث أو نقاش، وأن يكون أحدهما في نظر الآخر عزيزاً غالياً- هو الآخر- لا غبار عليه. ومن وجهة نظر الإسلام كنظام اجتماعي يحث المرء بعد الارتباط بالزواج أن ينظر إلى شريكه في الحياة على أنه المعشوق الوحيد في هذا العالم.

على أن هذا لا يستدعي التمثيل والتظاهر بل ينبغي أن تكون العلاقات صميمية يسودها الصفاء والسلام. ينبغي أن يكون هناك تعاون في كل شؤون الحياة.. أن تكون هناك مشاركة مخلصة بين الزوجين وتقاسم للحياة بكل حلاوتها ومرارتها.

لقد منح الله الإنسان العديد من النعم التي لا يمكنه إحصاؤها فضلاً عن استقصائها ولا يليق بالإنسان- كإنسان- أن يوظف تلك الهبات والمزايا في طريق الآثام، ناهيك عن الأضرار الجسيمة التي تؤدي إلى تدمير حياته.

اجتناب المعاملة الفظة
وأخيراً ، يوصي الإسلام الزوجين بتعزيز الألفة والمحبة بينهما وأن لا يتوقف الزوجان عند مسألة الذوق مثلاً أو الرؤية بل يسعيان ما أمكنهما ذلك إلى توحيد ذوقهما وطريقة تفكيرهما بعيداً عن روح التفوق والسيطرة التي تتناقض مع الحب والمودة.. ينبغي أن يكون البيت الزوجي عشاً دافئاً زاخراً بالمحبة والحنان لا معسكراً تدوّي فيه صرخات الأوامر التي لا تقبل النقاش.

إن الإحساس بالغرور، والفظاظة في التعامل يحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، ولذا فإن طريق الحياة المشتركة يحتاج إلى اعتدال وتحمل وتسامح. وإذا كان هناك تفوّق في شأن يمتاز به أحد الزوجين على الآخر فإن هذا يستدعي الشكر الله والثناء عليه لا أن يكون سلطة يستخدمها لقمع زوجه وشريك حياته.

*الأُسرة و قضايا الزواج،الدكتور علي القائمي،دار النبلاء،لبنان، بيروت،ط1ـ1414هـ 1994م،ص58ـ63.

2010-05-03