يتم التحميل...

النزاع في الحياة الزوجية

المشاكل الزوجية

من المسائل التي تؤدي إلى نشوب النزاع في الحياة الزوجية، خاصة لدى الشباب هي الإختلاف في الرؤى والنظرة إلى الحياة، وهذه المسألة لا تتوقف عند الشباب بل إنها تنسحب أيضاً لتشمل أعماراً أكبر. يخوض الشباب مع الفتاة تجربة الزواج المثيرة ولدى كل منهما رؤاه وأحلامه وآماله العريضة...

عدد الزوار: 112

من المسائل التي تؤدي إلى نشوب النزاع في الحياة الزوجية، خاصة لدى الشباب هي الإختلاف في الرؤى والنظرة إلى الحياة، وهذه المسألة لا تتوقف عند الشباب بل إنها تنسحب أيضاً لتشمل أعماراً أكبر.

يخوض الشباب مع الفتاة تجربة الزواج المثيرة ولدى كل منهما رؤاه وأحلامه وآماله العريضة، وعادة ما يغطّي الخيال مساحة واسعة من معلومات كل منهما عن الطرف الآخر. وعلى هذا الأساس يبدآن ببناء حياتهما المستقبلية في جهل بإمكاناتهما وقدرات كلٍّ منهما.

ولكن، بعد أن يقضيا شهرين أو عامين في هدوء تبدأ مرحلة من الحساب والتقييم ومراجعة الأمور، حيث تبدّد الشمس ضباب الخيال والأوهام، وعندها تترسب في الأعماق تراكمات السلوك، ويسعى خلالها كل طرف التغاضي عنها والسكوت عليها ، وفي لحظة اشتعال الشرارة ينفجر الموقف وتظهر إلى السطح جميع العقد الدفينة، ويبدأ فصل من النزاع والمواجهة.

وتؤكد البحوث بأن النزاع قد ينشب في بدايته حول بعض التفاصيل التافهة ثم سرعان ما يتصاعد ليهدد البناء الأسري برمّته، فمن كلمة جارحة إلى العراك والضرب، إلى التفكير الجدّي بالطلاق والإنفصال النهائي.

بواعث النزاع
للبحث في السبب أو الأسباب التي تكمن وراء النزاع بين الزوجين، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

ـ المفاهيم الخاطئة عن الحياة، خاصة حياة الأسرة.
ـ جهل الطرفين ببعضهما قبيل خوض تجربة الزواج.
ـ عدم تفهم كل طرف لتقاليد وعادات وسلوك الطرف الآخر.
ـ سعي أحد الطرفين لإثبات قدرته وسيطرته على الطرف الآخر.
ـ إفراغ شحنات الغضب الناجمة عن عوامل خارجية في محيط الأسرة.
ـ غياب العقل والانقياد إلى العواطف.
ـ انعدام أو محدودية القابلية على تحمل الآلام والحرمان.
ـ إطلاق الأحكام جزافاً دون روية وتعقل.
ـ الندم على الزواج والشعور بالغبن.
ـ الحسد وإساءة الظن بالطرف الآخر.
ـ غياب روح التسامح والإيثار.
ـ التعلق بشخص آخر على أمل أن يكون زوجاً بديلاً.
ـ وأخير انعدام التوافق الروحي بين الطرفين، الذي يبقى بحد ذاته، العامل المهم وراء تدهور الحياة الزوجية وانحطاط الأسرة.

النزاع لدى من ؟
إضافة إلى ما ذكرنا آنفاً، هناك أسباب وعلل تدفع إلى النزاع، ولكن السؤال هو لدى من يشتد الميل إلى المنازعة، والجواب:

ـ لدى الأشخاص الذين لا يتمتعون، وبسبب صغر أعمارهم، بالتجربة الكافية.
ـ لدى أولئك الذين يعانون من الشعور بالحقارة والنقص.
ـ لدى الذين يدلّون بثروتهم أو منصبهم أو أقاربهم.
ـ لدى أولئك الذين لا يمكنهم، وبسبب نقص في تربيتهم، من السيطرة على أنفسهم.
ـ لدى بعض الذين يظنون أن بإمكانهم تحقيق جميع ما تصبو إليه أنفسهم.
ـ لدى الذين يعتبرون أزواجهم رقيقاً يمكنهم توجيههم أينما يريدون.
ـ لدى الأثرياء من الذين يرون الحياة في إطار الرفاه والثراء.
ـ لدى الذي يتمتعون بالمراكز الإجتماعية ممن ينظرون إلى الناس على أنهم عبيد وأرقّاء لهم.
ـ وأخيراً ، لدى أولئك الذين يعيشون مرحلة الطفولة بالرغم من بلوغهم سنّ الثلاثين أو الأربعين، ويتوقعون من الآخرين أن يعاملوهم بالدلال.

نتائج النزاع
ينتهي النزاع إلى إحدى نتيجتين لا ثالث لهما إيجابية أو سلبية. وإيجابية النتيجة بمعنى أن الطرف وبسبب أعماله الناجمة عن الغضب والعنف قد تمكن من حسم النزاع لصالحه، حيث يتمكن من دفع زوجه إلى الاستسلام خوفاً.

والسؤال هنا: أية قيمة لهذه الحياة التي يسودها الخوف ؟ إن تحويل المنزل إلى غابة وسيادة قانون الأقوى لا يبعث على الإفتخار، وإن تحكيم قانون الأقوى وتسخير جميع الحيوانات في الغابة لا يمكن أن يكون باعثاً على الإعتزاز.

وقد لا يؤدي إلى نتيجة إيجابية أي لا ينتهي لصالح أحد الطرفين، بل ينتهي بهزيمة الطرفين معاً... صراع مستمر، عراك دائم ، ضرب ، وبالتالي ، يتصاعد دخان النزاع ليحرق عيون الجميع خاصة الأطفال الأبرياء الذين يجدون أنفسهم في مهب العاصفة الهوجاء التي سوف تقذفهم بعيداً في عالم الضياع والإنحراف.

أساس الحياة المشتركة
تحتاج الحياة الزوجية المشتركة إلى مراعاة مجموعة من القواعد والضوابط التي لا يمكن بدونها الإستمرار في تلك الحياة، ذلك أن الحياة الزوجية إنما تقوم على المودّة والحب لكي يمكن العيش في ظلال من الطمأنينة والسلام يمكن خلالها طي الطريق والوصول إلى الكمال المنشود.

فالحياة المشتركة الخالية من آثار الحب والتضحية والتسامح تافهة لا معنى لها، والحياة بدون المودّة والإحترام المتبادل حياة مذلّة لا قيمة لها بل لا يمكن أن نسميها حياة.

إن ما يبعث على الأسف أن يجعل الزوجان من البيت جبهة للقتال أو معسكراً حربياً أو سجناً رهيباً تطغى فيه صرخات الغضب والكراهية على رفرفات السلام ، فالزوجان اللذان يخفقان في النفوذ إلى روح كل منهما لا يمكنهما أبداً تحقيق جو عائلي آمن وحياة مشتركة هادئة ، ولذا فإن الإسلام قد عيّن حقوقاً وضوابط في الحياة الزوجية ودعا الرجل والمرأة إلى الإلتزام بها وأن يخطو كل منهما ضمن المسافة المحددة له في مسار من شأنه أن يجنّب الطرفين احتمالات التصادم ونشوب النزاع.

الزواج والواجب
من خصائص عقيدتنا الإسلامية ذلك التأكيد العميق على الزواج، وعلى هذا فلا يمكن للرجل والمرأة على حد سواء الإستمرار حياة العزوبية مهما حاولا ذلك، والطريق الوحيد في الإستمرار في الحياة هو في الإحترام المتبادل بين الطرفين لا في الإذلال والاستخفاف. وهذه المسألة ضرورية من ناحيتين: الأولى قداسة الزواج كرباط الهي، الثانية: تحمل مسؤولية تربية وتوجيه الأبناء.

إن الحصول على الولد وحده ليس مدعاة للفخر والإعتزاز بل إن ما يبعث على الإعتزاز في الواقع هو تربية الأبناء وبناء شخصيتهم وتقديمهم إلى المجتمع أفراداً صالحين. وعلينا أن لا ننسى أبداً بأننا مسؤولون عن أولادنا، وإنهم يتعلمون منا دروس الحياة وأسلوب العيش.

ولذا، فإن علينا، ومن أجل أن نوفر السعادة للجيل الناشئ أن نتحمل مسؤوليتنا وأن نتحلّى بروحٍ التسامح والتضحية، وأن نقنع بالحد الممكن من الحياة واضعين في حسابنا شركاء حياتنا، وأن نحاول على الدوام استقبال كل ما يواجهنا في مسؤوليتنا تجاه أسرنا وأطفالنا بروح من الصبر، وأن نسعى دائماً في توظيف طاقاتنا من أجل حياة أفضل.

*الأُسرة و قضايا الزواج،الدكتور علي القائمي،دار النبلاء،لبنان، بيروت،ط1ـ1414هـ 1994م،ص8ـ12.

2010-05-03