الإخلاص في الحياة الزوجية
العلاقات الزوجية
يشعر البعض بالطمأنينة عندما يرى أسرته تعيش حالة من الهدوء، فيحس بأن الخطر بات بعيداً عنه، في حين أنه يهدد السلام في العائلة بين لحظة وأخرى ، ذلك أن اختلاف الأذواق والأمزجة في الواقع قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، وتهدد الأسرة بالتفكك.
عدد الزوار: 159
يشعر البعض بالطمأنينة عندما يرى أسرته تعيش حالة من الهدوء، فيحس بأن الخطر بات بعيداً عنه، في حين أنه يهدد السلام في العائلة بين لحظة وأخرى ، ذلك أن اختلاف الأذواق والأمزجة في الواقع قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، وتهدد الأسرة بالتفكك.
ومن الضروري جداً أن يراقب الزوجان دائماً مدى إخلاصهما لبعضهما، ويسعيا من أجل تثبيت وتجديد دعائم هذا الإخلاص من أجل ضمان استمرار حياتهما المشتركة في أجواء من الصفاء والمحبة.
ضرورة الإخلاص:
الإخلاص ضرورة حياتية في المجتمعات الإنسانية، وله أهميته الفائقة في الحياة الزوجية من خلال تعزيز العلاقات المشتركة بينهما بما يخدم مصلحة الطرفين وسعادتهما معاً.
الحياة السعيدة هي عندما يحرص الزوجان دائماً على استمرارها وحمايتها من الأخطار التي تهددها. وعندما يشعر الزوجان أن كلا منهما هو ملاذ الآخر وصديقه المخلص الذي يقف إلى جواره عند الشدائد.
ولقد أثبتت التجارب والبحوث أن البعض يتحمل بمفرده أعباء الحياة، عن علم أو جهل، نتيجة غياب الإخلاص والصفاء بين الزوجين واختلافهما في الفكر والسلوك.
عدم مصادرة الآخر:
ينظر بعض الرجال إلى أزواجهم على أنهم عبيد أو خدم لا وزن لهم أو حساب، مما يؤدي إلى تأزّم الأوضاع وبروز حالة النزاع.
ولذا، فإن من الضروري جداً أن يتحلى الزوجان بسلوك طيب تجاه بعضهما البعض آخذين بنظر الاعتبار عواطفهم وأفكارهم وأساليبهم في الحياة. وهذا الجانب يخصّ الرجل في أغلب الأحيان، إذ عليه أن يحترم زوجته ولا يتعمد جرح كرامتها، ذلك أن المرأة الجريحة تحس بالهوان ولا يمكنها أن تربي أطفالا صالحين، مما يعرّض الجيل إلى أخطار عديدة.
الحذر عند التحدث:
من غير المنطقي أبداً أن يتحدث الزوجان بأسلوب رسمي أو بلهجة الرئيس والمرؤوس، ولكن المطلوب على الأقل أن يكون هناك قدر من الحذر عند الحديث، ذلك أنّ زلة اللسان قد تكون لها عواقب وخيمة.
هناك ـ مع الأسف ـ بعض الأفراد الذين يمتلكون علاقات وطيدة مع أصدقائهم وزملائهم بسبب معشرهم الطيب وأحاديثهم الحلوة، وفي نفس الوقت فإن علاقاتهم مع أزواجهم متردية بسبب أسلوبهم الفظ وحديثهم الخشن.
أما محاولة فرض السيطرة على الطرف الآخر ـ قولاً وعملاً ـ هو أسلوب فاشل في إدارة الأسرة، لأنه يستهدف أساس العلاقات الزوجية التي ينبغي بناؤها على الإحترام المتبادل والمحبة والصفاء.
وبشكل عام يوصي الإسلام ويؤكد على ضرورة معاشرة الناس بالتي هي أحسن. قال تعالى:﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك﴾َ.
العاطفة:
أن يكون هناك حب يربط الزوجين، أمرٌ لا يحتاج إلى توضيح، ولكن المهم هنا هو تجسيد هذا الحب وإبراز تلك العاطفة من خلال القول والعمل. فقد يكون لتقديمك قدح الماء لشريك حياتك أثر كبير في زرع المودة والحب في قلبه. كما أن ثناءك على عمله وبعض النقاط الإيجابية فيه له دور فاعل في بث الثقة في نفسه مما يعزز من روح الأمل في حياته، وبالتالي في انعكاس ذلك على حياته وعلاقاته الزوجية.
الترحيب بالأقارب:
قد ينفجر النزاع بين الزوجين بسبب زيارة أقارب أحدهما وعدم الترحيب بهم من جانب الطرف الآخر مما يزرع الحقد في نفسه منتظراً الفرصة المناسبة للإنتقام والمقابلة بالمثل.
ربما كان من عادتك الهدوء والابتعاد عن الاختلاط مع الناس، أو أنك لا ترتاح إلى زيارة فلان، أو لقاء فلان من الناس، أو أنك لا تحب أن ترى ضيوفاً في منزلك.. كل هذا صحيح قبل زواجك وقبل ارتباطك مع شخص آخر قد لا يشاطرك هذه الرؤية. وعليه فإنه يتوجب عليك أن تحترم آراءه ومشاعره من خلال استقبالك لأقربائه ومعارفه، وهذا هو معنى الحياة المشتركة، إذ مضى ذلك الوقت الذي يمكنك التعبير فيه عن آرائك بحرية مطلقة، فهناك من يشاركك الحياة ومن له آراء أخرى ينبغي احترامها من خلال مواقف مشتركة قد لا تنسجم مع مواقفك وطريقة تفكيرك.
الهدية:
من العوامل المؤثرة في تعزيز وتمتين العلاقات الزوجية هو انتهاز بعض الفرص المناسبة لتقديم هدية إلى شريك حياتك تعبيراً عن حبك واهتمامك به.
إن تقديمك هدية لزوجك سوف يعزز من منزلتك لديه ويزيد من حبه لك وتقديره لعواطفك ومشاعرك، وبالتالي تعزيز العلاقات الزوجية.
وقيمة الهدية ـ بالطبع ـ لا تكمن في ذاتها بل قيمتها الحقيقية في اعتباراتها المعنوية والأخلاقية كتعبير عن الحب والودّ والإخلاص.
وقد تتجسد الهدية في بعض الأحيان في كلمة شكر وتقدير تهمس بها في أذن زوجتك تثميناً لها على جهودها المبذولة ليل نهار في سبيل تحويل البيت إلى جنينة وارفة الظلال ينعم بها الصغار في بحبوحة من العيش الكريم.
الإخلاص:
إن على الزوجين أن يكونا روحاً واحدة في جسدين.. يبكيان معاً ويبتسمان معاً، ويتقاسمان هموم الحياة وأفراحها.
وإن على الزوج أن يكون إخلاصه لزوجه أسمى بكثير من مظاهر الحياة الفارغة، كالمال والثراء والجمال ، ذلك أن الحب الحقيقي لا يعرف هذا المنطق.
ليس من الإنصاف أبداً أن يحب الرجل زوجته لجمالها مثلاً، فإذا حدث وتشوه ذلك الجمال لفظها وأخرجها من دائرة حياته، وليس من العدل أن تحب المرأة زوجها لثرائه فإن ضربه القدر وتحول إلى إنسان فقير هجرته إمرأته وتركته وحيداً، أو صبت عليه جام غضبها في كل لحظة أو مناسبة. السعادة ليست في المال أو في الجمال. إنها وليدة الحب والإخلاص.
الحذر عند الانتقاد:
إن ما يضعف العلاقات بين الزوجين ويعرضها للتفكك هو الانتقاد المرّ وتحطيم روح الثقة في قلب الزوجة أو الزوج. فعندما يتعرض الرجل للسخرية من سلوك زوجته أو موقفها تجاه بعض المسائل فإنه في الحقيقة يهدم أسس العلاقات بينهما بمعول خطر.
الانتقاد في حقيقته عمل إيجابي إذا توفرت فيه المقومات الصحيحة التي تعني تقويم الشخصية واكتشاف مواطن الضعف ووضع الإصبع على العيب ، على أن ذلك كله يجب أن يتم في ظروف مناسبة تفعل فعلها الايجابي. أما أن يتحول الانتقاد إلى أسلوب مرير في السخرية من الآخر فإنه سيكون بمثابة المعول الهدام الذي يأتي على القواعد برمتها، فينهار السقف من فوقها.
الابتعاد عن الاستفزاز:
الاستفزاز هو الآخر ينسف العلاقات الزوجية، فقد يخطىء أحدهما ـ مثلاً ـ في سلوكه خارج المنزل فيضمر الآخر له ذلك حتى إذا عادا إلى البيت حاول أن يستفزّه من أجل الانتقام منه، وذلك بالتدخل في شؤونه الخاصّة.
أو يخطئ الطفل فيحاول الأب معاقبته فتقف الأم حائلاً دون ذلك مما يفجّر غضب الرجل تجاهها، أو يقوم الرجل بإهانة زوجته أمام الطفل فيتجرأ الطفل على أمه وعندها يتفجر غضب المرأة تجاه زوجها بسبب ذلك.
وفي كل الأحوال فإن علاج المشاكل والخلافات عن طريق الشجار والاستفزاز له عواقبه المؤسفة التي لا يمكن أن تكون حلاً بل تعقيداً للأوضاع.
اجتناب الإهانة:
الإهانة جرح عميق الأثر في النفس يصعب علاجه ، قد تكون متفوقاً على زوجتك في نواح عديدة ، قد تكون ثرياً مثلاً، أو حاصلاً على شهادة علمية رفيعة ، ولكن كل ذلك لا يبرر ـ أبداً ـ استعلاءك على زوجتك وشريك حياتك.
إن إهانة زوجتك أو التدليل بفضلك عليها سوف يجعلها تشعر بالصغار والحقارة مما يترك آثاره السلبية في نفسها. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن ذلك سوف يؤثر في تربية أطفالك، عرفنا مدى فداحة ذلك الأسلوب اللاإنساني في التعامل معها.
لقد انتخبت زوجتك من قبل، وكنت راضياً وسعيداً بها، ولذا فليس من الأدب واللياقة أن تحاول تحقيرها أو إهانتها. وإذا كان هناك ما يدعو للخلاف معها فإنه توجب عليك حل المشكلة من الجذور، ففي هذا سعادة لك ولأسرتك.
الابتعاد عن العنف:
الحياة الزوجية تحتاج إلى السلام لكي تتوثق العلاقات وتتجذر المحبة في القلوب. فالتعامل الإنساني والسلوك الأخلاقي كفيل بصنع أسرة ناجحة وسعيدة.
إن ما يدعو للأسف أن يجعل بعض الرجال وبعض النساء بيوتهم حلبة للصراع والملاكمة والشجار، الذي يعرض حرمة الزواج وقداسته للخطر.
الحياة الزوجية حياة دافئة.. حياة ينبغي أن تنهض على أساس الحب والمودّة والإخلاص. أما العداوة والبغضاء والشجار والضرب فأمور تتناقض مع الحياة الزوجية وقدسيتها، بل إنها تمسخ الإنسان وتحوله إلى مجرد حيوان مفترس لا همّ له سوى الانقضاض على ضحاياه والإجهاز عليها.
العامل الاقتصادي:
ليس هناك من لا يدرك مرارة الفقر ودوره الهدّام في الحياة ، على أن ذلك لا يمكن أن يكون مبرراً لتفجر النزاع في الحياة الأسرية وتفككها. وليس من الإنسانية أن تتخلى المرأة عن زوجها بسبب فقره وضيق ذات يده، إلا إذا كان إنساناً يميل إلى الكسل ويمقت النشاط والعمل في ميدان الحياة.
الفقر ليس عاراً أبداً كما أنه ليس قدراً محتوماً، ولذا ينبغي على المرء أن يكون متفائلاً في حياته، يتطلع إلى المستقبل بشوق وحب وأمل. وينبغي على المرأة أن توقد في قلب زوجها شعلة الأمل، فتدفعه صوب العمل من أجل حياة أفضل. وعلى الرجل أن يمحو من ذهن زوجته ضباب اليأس لتشرق شمس الأمل في نفسها وتغمرها بنور المستقبل الزاهر في غد مشرق سعيد.
*الأُسرة و قضايا الزواج،الدكتور علي القائمي،دار النبلاء،لبنان، بيروت،ط1ـ1414هـ 1994م،ص198ـ203.