كيف أعمر المسجد؟
صدى الآيات
تتعرض الآية الكريمة إلى الشرائط التي يتحلى بها من يعمر مساجد اللَّه، وهي إذا اجتمعت في إنسان أثمرت له النجاح في الحياة، والفوز بالجنان في الآخرة، وهي عبارة عن الأساس العقائدي الصحيح والأعمال الكريمة التي دعا إليها الإسلام سواء فيما يتعلق بالشخص نفسه أو المجتمع وأن لا يخشى إلا اللَّه
عدد الزوار: 417
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ...﴾1.
أ- في كنف الآية:
تتعرض الآية الكريمة إلى الشرائط التي يتحلى بها من يعمر مساجد اللَّه، وهي إذا اجتمعت في إنسان أثمرت له النجاح في الحياة، والفوز بالجنان في الآخرة، وهي عبارة عن الأساس العقائدي الصحيح والأعمال الكريمة التي دعا إليها الإسلام سواء فيما يتعلق بالشخص نفسه أو المجتمع وأن لا يخشى إلا اللَّه، بحيث يكون قلبه مليئاً بعشق الله ويحسّ بالمسؤولية في امتثال أمره دون أن تقف أمامه الاعتبارات الزائفة التي يرسمها أهل الدنيا وربما يقدّسونها بغية الوصول إلى أهداف واهية.
ب- فضل المسجد:
إن المسجد هو أشرف مكان في الدنيا، وأحب إلى قلوب أولياء اللَّه من الجنة وهو المدرسة الربانية التي ينبغي أن يتربى ويترعرع فيها الإنسان بين أجواء العبادة والعلم، والتواصل والاجتماع مع أهل التقوى والإيمان عارفاً ما هي عظمة المسجد ومكانته وقداسته، ملبياً دعوة اللَّه تعالى وأهل البيت عليه السلام لإتيان المسجد يقول الصادق عليه السلام: "عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت اللَّه في الأرض، ومن أتاها متطهراً طهّره اللَّه من ذنوبه وكتب زوّاره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء"2 ويبشّر اللَّه سبحانه الذين يمشون إلى المساجد ويكثرون التردد إليها، وخاصة في الليل بأن لهم نورهم يوم القيامة كما في الحديث: "مكتوب في التوراة، إن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهّر في بيته، ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، ألا بشّر المشّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة"3.
ج- ما المراد من العمارة؟
ربما يتوهم البعض أن المقصود في الآية من عمارة المسجد بناؤه أو ترميمه فقط، فهو وإن كان مطلوباً كما في الحديث: "من بنى مسجداً بنى اللَّه له بيتاً في الجنة"4 غير أنه ليس كل المقصود بل جزؤه لأن الجزء الآخر والأهم هو العمارة البشرية إضافة إلى العمارة الحجرية فإن عليها المدار وهي الأساس في صناعة الأجيال وتربية النفوس. ويعمر المسجد بإدراك حقيقة العبودية وتجسيدها في العبادة والسجود لعظمة الخالق سبحانه سواء في الدعاء أو الصلاة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بيان أحكام الدين، أو الاجتماع في طلب المعارف الإلهية مع المحافظة على كافة الآداب التي لا بد من مراعاتها في هذا المكان المشرّف والتي تمثّل جواباً لعنوان الدرس ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد سأله أبو ذر عن كيفية عمارة المساجد: "لا ترفع فيها الأصوات، ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومنّ يوم القيامة إلا نفسك"5.
د- آداب المسجد:
تقدم في الفقرة السابقة ما يرتبط بهذا العنوان، وهناك آداب أخرى لا بد من الالتزام بها نذكرها على وجه الترتيب:
أولاً: ما يرتبط بأدب الدخول إلى المسجد وهو أمور:
الأمر الأول: تقديم الرجل اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج.
عنهم صلوات اللَّه عليهم: "الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت واليسرى إذا خرجت"6.
الأمر الثاني: السكينة والوقار.
في الحديث: "من أراد دخول المسجد فليدخل على سكون ووقار فإن المساجد بيوت اللَّه وأحب البقاع إليه"7 وعليه يكون مخالفاً للآداب أن يقترب المرء من باب المسجد وهو لا يزال يجادل أو يرفع صوته في حديث دنيوي يختص بالمكاسب والأرباح المالية لتجارته وما شاكل هذا المعنى.
الأمر الثالث: الاستعاذة
عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل العبد المسجد فقال أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم قال: اوه كسر ظهري، وكتب اللَّه له بها عبادة سنة، وإذا خرج من المسجد يقول مثل ذلك، كتب اللَّه بكل شعرة على بدنه مائة حسنة ورفع له مائة درجة"8.
الأمر الرابع: الطهارة.
والمراد منها أن يكون الإنسان متوضئاً قبل دخول المسجد حيث يوصي بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: "لا تدخل المساجد إلا بالطهارة"9.
الأمر الخامس: الدعاء عند الباب.
عن مولانا العسكري عليه السلام: "إذا أردت دخول المسجد... وقل: بسم اللَّه وباللَّه واللَّه وإلى اللَّه وخير الأسماء كلها للَّه، توكلت على اللَّه ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لي أبواب رحمتك وتوبتك واغلق عليّ أبواب معصيتك واجعلني من زوارك وعمّار مساجدك"10.
ثانياً: ما يتعلق بالكون في المسجد وهو كذلك أمور:
الأول: عدم رفع الصوت.
الثاني: عدم اللغو والخوض في الباطل.
الثالث: اجتناب الروائح المؤذية.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من أكل شيئاً من المؤذيات ريحها فلا يقربنّ المسجد"11.
الرابع: ترك البيع والشراء.
الخامس: عدم الانفراد بالصلاة والجماعة قائمة، فالصلاة يكون فيها إشكال شرعي.
السادس: التزّين والتعطّر.
السابع: إبعاد المجانين عن المسجد حفاظاً على مكانته وطهارته 12.
الثامن: القيام بخدمة المسجد من خلال كنسه وإنارته وغير ذلك وهو مأثور في أيام مخصوصة أيضاً كما عن النبي صلى الله عليه وسلم "من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج منه من التراب ما يذرّ في العين غفر اللَّه له"13.
وفي حديث آخر: "من أحب أن يكون قبره واسعاً فسيحاً فليبن المساجد ومن أحب أن لا تأكله الديدان تحت الأرض فليكنس المساجد، ومن أحب أن لا يظلم لحده فلينوّر المساجد، ومن أحب أن يبقى طرياً تحت الأرض فلا يبلى جسده فليشتر بُسط المساجد"14.
هـ ثمرات المسجد:
وهي كما عدّدها أمير المؤمنين عليه السلام ثمان:
يقول عليه السلام: "من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في اللَّه، أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة تردّه عن ردى، أو يسمع كلمة تدلّه على هدى أو يترك ذنباً خشية أو حياء"15.
*صدى الآيات،سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، أيلول 2002م، ص56-62.
1- التوبة:18.
2- ميزان الحكمة، حديث 8293.
3- م. ن، حديث 8292.
4- م. ن، حديث 8294.
5- م. ن، حديث 8300.
6- الكافي، ج3، ص308.
7- من لا يحضره الفقيه، ج1، ص240.
8- المستدرك، ج3، ص389.
9- م. ن.
10- المستدرك، ج3، ص390.
11- ينابيع الحكمة ج3 ص125.
12- الوسائل، ج5، ص233، ب27، حديث 1.
13- م. ن، ص238.
14- المستدرك، ج3، ص385.
15- ميزان الحكمة، حديث 8315.