مشاكل زوجية: النشوز
المشاكل الزوجية
النشوز هو عدم قيام الزوج أو الزوجة بالحقوق التي أوجبتها الشريعة عليهما، كعدم تمكين الزوجة من نفسها لزوجها، أو عدم تهيئة نفسها بالشكل اللازم بحيث لا ينفر منها الزوج، من التنظف وغيره، يقول الإمام الخميني قدس سره: "وهو أي النشوز في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليه...
عدد الزوار: 130
ما هو النشوز؟
النشوز هو عدم قيام الزوج أو الزوجة بالحقوق التي أوجبتها الشريعة عليهما، كعدم تمكين الزوجة من نفسها لزوجها، أو عدم تهيئة نفسها بالشكل اللازم بحيث لا ينفر منها الزوج، من التنظف وغيره، يقول الإمام الخميني قدس سره: "وهو أي النشوز في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها من عدم تمكين نفسها وعدم إزالة المنفرات المضادة للتمتع والالتذاذ بها، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها، وكذا خروجها من بيته من دون إذنه وغير ذلك"1.وأما نشوز الرجل، فيتحقق بامتناعه عن أداء حقوق الزوجة من النفقة، أو تركه المبيت الواجب عندها، أو ترك معاشرتها بالمقدار الواجب يقول الإمام الخميني قدس سره: "كما يكون النشوز من قبل الزوجة، يكون من طرف الزوج أيضا بتعديه عليها، وعدم القيام بحقوقها الواجبة"2.
كيف يعالج النشوز؟
إن طبيعة النشوز تختلف بين الرجل والمرأة وبالتالي فإن علاجه سيكون مختلفاً بينهما، فكيف يكون العلاج؟
علاج نشوز الرجل
يقول الله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾3.إن أفضل حل يمكن لأي زوجين أن يقوما به بالدرجة الأولى في مواجهة أي سوء تفاهم بينهما، هو النقاش الهادئ الخالي من أي عصبية، أو غضب أو انفعال، والذي ينطلق من خلال الأسس الأخلاقية للحوار، أي بدون أي ترفّع من أحد الطرفين على الآخر، واعتبار الحق مضموناً سلفاً لأي منهما.
إن النقاش الهادى يساعد على التفاهم ويمنع المشكلة من التفاقم بداية، ثم يقدم الحل المناسب لرفع المشكلة وانتهاء النشوز، وهذا الأسلوب في حل المشاكل بين الزوجين هو الأجدى والأنفع.وإذا لم يستطع الزوجان حلها بالشكل الصحيح للوصول إلى التفاهم واستمرار الحياة الزوجية بالشكل الصحيح، يأتي هنا دور العوامل الخارجية الصالحة المساعدة لحل المشاكل العالقة، يقول تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا ِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِير﴾4، ولم تحدد الآية شخصية خاصة كالأب أو العم أو غيرهما... ولعل ذلك لبقاء الباب مفتوحاً أمام اختيار الأحكم والأصلح القادر على معرفة طبيعة المشكلة ووضع حلٍّ لها مع قدرته على التأثير على صاحب العلاقة، الزوج إن كان من أهله والزوجة إن كان من أهلها.
فالعائلة يريدها الله تعالى عاملاً إيجابياً يساعد على إصلاح الحياة الزوجية، لا عاملاً سلبياً يزيد في تعقيد المشكلة. يقول الإمام الخميني قدس سره في تحرير الوسيلة: "لو وقع النشوز من الزوجين بحيث خيف الشقاق والفراق بينهما وانجر أمرهما إلى الحاكم بعث حكمين، حكماً من جانبه وحكماً من جانبها للاصطلاح ورفع الشقاق بما رأياه من الصلاح من الجمع أو الفراق، ويجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما وفيما هو السبب والعلة لحصول ذلك بينهما ثم يسعيان في أمرهما، فكلما استقر عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغا، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها أو لا يسكن معها أمه أو أخته ولو في بيت منفرد، أو لا يسكن معها ضرتها في دار واحدة ونحو ذلك، أو شرطا عليها أن تؤجله بالمهر الحال إلى أجل، أو ترد عليه ما قبضته قرضا ونحو ذلك، بخلاف ما إذا كان غير سائغ كما إذا شرط عليه ترك بعض حقوق الضرة من قسم أو نفقة أ و رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث شاءت وأين شاءت ونحو ذلك"5.
وعلى أي حال فالحكم في النهاية يكون ملزِماً من قبل الحاكم الشرعي إذا لم يتوصل الزوجان للاتفاق فيما بينهما، فيُلزم الزوج بتأدية حقوق الزوجة.
علاج نشوز المرأة
قال تعالى: ﴿وَاللاَتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾6.على الرجل أولاً أن يتعامل بالإيجابية، لا يقسو على زوجته، وإن لم تحل الأمور بهدوء والتفاهم حينئذٍ يلجأ الرجل لاستعمال المراحل التي ذكرها الله تعالى في الآية الشريفة، وهذه المراحل هي:
المرحلة الأولى: ﴿فَعِظُوهُن﴾ أن يعظها الزوج لتليين قلبها وإيصالها إلى التفاهم بالانتباه إلى خطر ترك الحقوق وما يسببه من الأذية له، وأن ترك المرأة لحقوق الزوج يعتبر معصية لله تعالى، فالوعظ كما تقدم هو أَولى العلاجات لأي خلاف بين الزوجين.
المرحلة الثانية: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع﴾ يعني في الفراش، بأن يدير الزوج ظهره لزوجته تعبيراً منه عن عدم الرضا بهذا التصرف المنافي لحقه.فإذا كانت المرأة متدينة وتعرف أنه: "أيُّما امرأةٍ باتت وزوجها عليها ساخطٌ في حقٍ، لم تُقبل منها صلاةٌ، حتى يرضى عنها"7، فستعيش أزمة نفسية كبيرة وتريد عندها إيجاد حل لمنع هذا الإجراء، لأنه إجراء كبير وخطير وغير سهل.ومن المهم التنبيه هنا إلى عدم الإرتباط بين المظلومية وحق الإستمتاع، فحتى مع إحساس الزوجة بالظلم في أمرٍ ما من قبل زوجها فهذا لا يبرر منعه من حق الإستمتاع الثابت له شرعاً. فعند عدم التمكين لا يكون رداً للظلم بل ظلمٌ جديدٌ تقوم به المرأة اتجاه الرجل، فلا ينبغي ربط الأمور ببعضها في هذا المجال.
المرحلة الثالثة: ﴿وَاضْرِبُوهُن﴾: وليس المقصود من الضرب الأذية، بل له شروطه الشرعية، بحيث لا يؤدي إلى خدش ولا إلى ازرقاق واحمرار، وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام في شرح الضرب: "هو بالسواك"، والسواك هو العود الصغير الذي تدلّك به الأسنان.
فما هي الحكمة الإلهية التي يريدها الله تعالى عندما سمح للرجل في حال نشوز المرأة، أن يصل في تقريع المرأة إلى مستوى أن يمد يده عليها وإن كانت بشروط صعبة؟
لو لم يشرع الله تعالى هذه المرحلة الثالثة فإن الزوج سيصل إلى طريق مسدود، لا يعرف نهايته وردة فعله، وسيشعر انه أهين وأنها أذلته، وفقد طريقة الحل، فسوف يستخدم جسده، سيتصرف بعصبية.
فقد أباح الشارع استخدام الضرب ولكن بشروط، حتى يمنع الرجل من استخدام قدرته بشكل مطلق، أو حتى لا يفتح له المجال لحلول أخرى لاعتقاده أن الإسلام لم يقل له عنها وهو يستطيع استخدامها.فعندما لا يكون عند الزوج ضوابط شرعية، فبإذن وبغير إذن سيستخدم جسده وقوته، وإذا كان عنده ضوابط شرعية، سوف ينتبه إلى هذا التدرج وينضبط.ولهذا التدرج في المراحل انعكاس على المرأة أيضاً، لأنها عندما تعرف أن الأمر وصل إلى المرحلة الثالثة فهذا يعني أنه وصل إلى الذروة، وهذا تنبيه من العيار الثقيل لتجد حلاً.وهذا التدرج له علاقة أيضاً بحماية الأسرة، لأنه عندما يحصل موعظة، ولاحقاً هجرٌ في المضجع، وبعده ضرب بقيود، ومن ثم تحل المشكلة، فذلك يعني أننا حمينا الحياة الأسرية من التطرف المؤدي إلى الانهيار لاحقاً.
إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
على الزوج أن يختار الحفاظ على الحياة الزوجية، ولكن بأجواء سليمة وصحيحة فيمسك زوجته بالمعروف ويعاملها بالحسنى، وأما إن وصلت الأمور إلى طريق مسدود وقرر الطلاق فليكن ذلك بالمعروف أيضاً يقول تعالى ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾8.
ولا يجوز له إمساكها للإضرار بها، والتعامل معها بقسوة لتتنازل عن مهرها له أو ليكون نوعاً من أنواع التشفي.. يقول تعالى ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ...﴾9.
وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا وإن الله ورسوله بريئان ممن أضر بامرأة حتى تختلع منه"10.
*الزواج الناجح, نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية, ط1، 2006م-1427هـ-ص:61-66.
1- تحرير الوسيلة، السيد الخميني، ج2، ص305.
2- تحرير الوسيلة، السيد الخميني، ج2، ص306.
3- النساء:128.
4- النساء:35.
5- تحرير الوسيلة، ج2، ص306.
6- النساء:34.
7- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، منشورات جامعة المدرسين، ج3، ص439.
8- البقرة:229.
9- البقرة:231.
10- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1186.