مشروع الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في استنهاض الأمة
كان لا بد للإمام محمد الباقر (عليه السلام) أن يتحرك بشكل هادئ حتى لا يثير أنظار السلطان وأتباعه، من هنا نجده يقوم بانقلاب شعبي كبير وجذري يبدأ من الثقافة والعلم والمفاهيم، وهو هادئ بقدر ما هو جذري، ولم يبادر إلى الأعمال الساخنة التي تجلب نظر السلطة بشكل مباشر، وقد أخذت الوفود العلمية تترى إليه لتأخذ عنه العلوم والمعارف...
عدد الزوار: 31مشروع الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في استنهاض الأمة
كان لا بد للإمام محمد الباقر (عليه السلام) أن يتحرك بشكل هادئ حتى لا يثير أنظار السلطان وأتباعه، من هنا نجده يقوم بانقلاب شعبي كبير وجذري يبدأ من الثقافة والعلم والمفاهيم، وهو هادئ بقدر ما هو جذري، ولم يبادر إلى الأعمال الساخنة التي تجلب نظر السلطة بشكل مباشر، وقد أخذت الوفود العلمية تترى إليه لتأخذ عنه العلوم والمعارف، وما قصد أحد من العلماء مدينة النبي صلى الله عليه وآله إلا عرج عليه ليأخذ عنه معالم الدين. وهكذا بدأت مسيرة العلم التي استمرت في سائر العصور التي تلته، هذا الدور الأساس والبعيد المدى الذي يتلخص بالجانب العلمي والذي توجه إلى عدة أمور أهمها:
1 - إعادة المسلمين إلى منهج الأئمة (عليهم السلام)
يقول (عليه السلام): "نحن ولاة أمر الله وخزائن علم الله وورثة وحي الله وحملة كتاب الله، طاعتنا فريضة وحبنا إيمان وبغضنا كفر، محبنا في الجنة ومبغضنا في النار".[1]
ويقول (عليه السلام) :"برأ الله ممن يبرأ منا لعن الله من لعننا أهلك الله من عادانا".
2 - تفسير القران الكريم:
ألف الإمام الباقر (عليه السلام) كتاباً في تفسير القرآن الكريم نص عليه محمد بن اسحق النديم في الفهرست[2] عند عرضه للكتب المؤلفة في تفسير القرآن الكريم قال: "كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية».
وقال السيد حسن الصدر: "وقد رواه عنه أيام استقامته جماعة من ثقاة الشيعة منهم أبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي وقد أخرجه علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في تفسيره من طريق أبي بصير، ويقول الرواة: "إن جابر بن يزيد الجعفي ألف كتاباً في تفسير القرآن أخذه من الإمام (عليه السلام)".
3 - الحديث:
لقد اهتم الإمام بنشر أحاديث النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) لما لهذه الأحاديث من أهمية في معرفة الدين وتفصيل تشريعاته وشرح كتاب الله وبيان آياته، حتى روى عنه جابر الجعفي لوحده سبعين ألف حديث، بالإضافة إلى غيره من الأصحاب الذين التفوا حول الإمام (عليه السلام) وحفظوا الأحاديث وتناقلوها عنه عليه السلام بالآلاف.
ولم يكتفِ الإمام (عليه السلام) بنشر الحديث وترويجه بين الناس بل حث الناس وشجعهم على المعرفة والفهم لهذه الأحاديث والتعاطي معها تعاطي دراية، فقد روي عنه عليه السلام: "اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم، ومعرفتهم، فإن المعرفة هي الدراية للرواية وبالدراية للرواية يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان...».[3]
4- أصول الفقه وقواعده:
لقد كان الإمام الباقر (عليه السلام) أول من أسس علم الأصول وأرسى قواعده بما فيه من استصحاب ونفي الضرر والفراغ... ووضع الموازين الواضحة لتمييز الصحيح من غيره من الروايات.
أصحابه ورواة حديثه
لم يكتفِ الإمام (عليه السلام) بحفظ الدين بما فيه من تفسير وتفصيلٍ في الأحاديث ووضع القواعد المساعدة على الفهم، بل نجده اهتم بتربية ثلة من الأصحاب وحملة الحديث جعلهم يتفرغون لذلك وعهد إلى ابنه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أن يتولى القيام بنفقاتهم حتى تخرجت على يديه كوكبة من عيون الفقهاء والعلماء.
ويذكرهم الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: "كان أصحاب أبي والله خيراً منكم، كان أصحاب أبي ورقاً لا شوك فيه".[4]
حتى ذكرت كتب التراجم ترجمة اربعمائة واثنان وثمانون شخصاً من تلامذته وأصحابه. منهم العظماء أمثال أبان بن تغلب الذي قال له الإمام عليه السلام: "اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس فإني أحب أن يُرى في شيعتي مثلك".[5]
* من كتاب: محطات من سيرة أهل البيت عليهم السلام - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] بحار الأنوار، العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، الجزء 26، ص253.
[2] فهرست ابن النديم:ص 36
[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي -ج2-ص184
[4] مستدرك الوسائل-الميرزا النوري- ج12-ص 241
[5] وسائل الشيعة- الحرّ العاملي


