يتم التحميل...

الإمام الهادي (عليه السلام) ومتطلبات الإعداد في ظل الرقابة

تولى الإمام علي بن محمد الهادي (عليهما السلام) الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سنة (220 هـ) وهو لمّا يبلغ الحلم إذ لم يتعدّ عمره الثامنة ـ على أكبر الفروض ـ فهو قد شابه أباه الإمام الجواد (عليه السلام) في تولّي الإمامة في سنّ مبكّرة.

عدد الزوار: 27

الإمام الهادي (عليه السلام) ومتطلبات الإعداد في ظل الرقابة

تولى الإمام علي بن محمد الهادي (عليهما السلام) الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سنة (220 هـ) وهو لمّا يبلغ الحلم إذ لم يتعدّ عمره الثامنة ـ على أكبر الفروض ـ فهو قد شابه أباه الإمام الجواد (عليه السلام) في تولّي الإمامة في سنّ مبكّرة.

وقد كان لتولّي الإمام غلي الهادي (عليه السلام) الإمامة في سنّ مبكّرة بعد استشهاد أبيه الإمام الجواد (عليه السلام) مغزى ديني ودلالات وآثار سياسية واجتماعية عديدة، وإليك جملة منها: أن أهل البيت عليهم السلام قد أضافوا دليلاً حسّياً جديداً بعد الأدلة العقائدية التي تمثلت في النصوص النبويّة وهو الواقع العملي الذي جسّد جدارتهم لتولّي شؤون المسلمين وقيادة العالم الإسلامي فكرياً وعمليّاً.

وكان الإمام الهادي (عليه السلام) في كل مراحل حياته التي قضاها في مدينة جدّه أو في سامراء تحت رقابة شديدة، وقد جرّعوه ما استطاعوا من الغصص التي كانت تتمثل في محاولات الاحتواء تارة والتسقيط العلمي تارة أخرى ثم التحجيم بشتّى أشكاله التي تمثّلت في الاستدعاء والتحقير والرقابة المكثّفة والسجن ومحاولات الاغتيال المتكررة خلال ثلاثة عقود ونصف تقريباً من سنيّ عمره المبارك.

والدلالة الثانية أن الظرف الذي كان يحيط بالإمام الهادي عليه السلام كان ظرفاً انتقالياً من مرحلة الإمامة الظاهرة الى الإمامة الغائبة التي يُراد لها أن تدبّر الأمر من وراء الستار ويراد للأمة أن تنفتح على هذا الإمام وتعتقد به وتتفاعل معه رغم حراجة الظروف.

فهو الظرف الوحيد لإعداد الأمة لاستقبال الظرف الجديد، ولا سيّما إذا عرفنا أن الإمام الهادي هو السابع من تسعة أئمة من أبناء الحسين، والمهدي الموعود هو التاسع منهم، وهو الذي مهّد لولادة حفيده من خلال ما خطّط له من زواج خاص لولده الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) دون أي إعلان عن ذلك، فلا توجد إلاّ مسافة زمنية قصيرة جداً ينبغي له اغتنامها للإعداد اللازم والشامل.

إذن، ما أقلّ الفرص المتاحة أمام الإمام الهادي (عليه السلام) للقيام بهذا العبء الثقيل حيث إنه لا بد له أن يجمع بين الدقة والحذر من جهة والإبلاغ العام ليفوّت الفرص على الحكّام ويعمّق للاُمّة مفهوم الانتظار والاستعداد للظهور والنهوض بوجه الظالمين. ولا أقل من إتمام الحجة على المسلمين ولو بواسطة المخلصين من أتباعه (عليه السلام).

ومن هنا كان على الإمام الهادي (عليه السلام) تحقيقاً للأهداف الكبرى أن يتجنّب كل إثارة أو سوء ظن قد يوجّه له من قبل الحكّام المتربّصين به وبأبنائه من أجل أن يقوم بإنجاز الدور المرتقب منه، وهو تحقيق همزة الوصل الحقيقية بين ما حقّقه الأئمة الطاهرون من آبائه الكرام وما سوف ينبغي تحقيقه بواسطة ابنه وحفيده، ولهذا لم يُمهل الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) سوى ست سنين فقط وهي أقصر عمر للإمامة في تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) إذ دامت إمامة الإمام علي (عليه السلام) ثلاثين سنة والإمام الحسن السبط(عليه السلام) عشر سنين والإمام الحسين(عليه السلام) عشرين سنة والإمام زين العابدين(عليه السلام) خمساً أو أربعاً وثلاثين سنة، والإمام الباقر(عليه السلام) تسع عشرة سنة والإمام الصادق(عليه السلام) أربعاً وثلاثين سنة والإمام الكاظم(عليه السلام) خمساً وثلاثين سنة، والإمام الرضا(عليه السلام) عشرين سنة والإمام الجواد(عليه السلام) رغم قصر عمره كانت مدة إمامته سبع عشرة سنة والإمام الهادي(عليه السلام) أربعاً وثلاثين سنة.

وتأتي في هذا السياق كل الإجراءات التي قام بها الإمام الهادي (عليه السلام) من الحضور الرتيب في دار الخلافة وما حظي به من مقام رفيع عند جميع الأصناف والطبقات بدءً بالأمراء والوزراء وقادة الجيش والكتّاب وعامة المرتبطين بالبلاط.


* من كتاب: في رحاب سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام - جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية
 

2025-12-21