يتم التحميل...

ما سبب انحراف المسلمين عن العدل الإسلامي؟

الإنسان والحياة

عندما يُطرح السؤال: لماذا لم تُطبّق العدالة، على الرغم من تشديد الإسلام على هذا الأصل من أصول الدين، بل لم تمض فترة حتى ابتُلي المجتمع الإسلامي بأقسى حالات الظلم وفقدان العدالة والتمييز؟

عدد الزوار: 32

عندما يُطرح السؤال: لماذا لم تُطبّق العدالة، على الرغم من تشديد الإسلام على هذا الأصل من أصول الدين، بل لم تمض فترة حتى ابتُلي المجتمع الإسلامي بأقسى حالات الظلم وفقدان العدالة والتمييز؟ عندما يُطرح هذا السؤال يتبادر إلى الذهن، أول ما يُتبادر، أنّ المسؤولية في ذلك تقع على عدد من المسؤولين الذين حالوا دون تنفيذ هذا الدستور الإسلامي، وذلك لأنّ تطبيق هذا المبدأ يبدأ من زعماء المسلمين، حيث لم يكن بعضهم جديرين بذاك المقام الكبير، فوقفوا في وجه تنفيذ العدالة، فكانت النتيجة أن أُصيب المجتمع الإسلامي بأنواع من الظلم والإجحاف والتمييز بين الناس.

إنّ هذا الجواب صحيح، إنّ أحد الأسباب هو أنّ المسؤولين عن تطبيق العدالة لم يُطبّقوه، بل فعلوا النقيض، وتاريخ الخلفاء الأمويّين والعباسيّين خير دليل على ذلك.

سوء تفسير العدالة
إلّا أنّ ذاك لم يكن العلّة كلّها، فثمّة علّة كبيرة أخرى، إذا لم تكن أشدّ تأثيراً فهي لا تقلّ عن الأولى أثراً، وهذا ما أُريد بحثه في هذا الموضوع. وهذه العلّة الكبرى هي: أنّ عدداً من علماء الإسلام أساؤوا تفسير العدل في الإسلام، وعلى الرغم من أنّ عدداً آخر من العلماء قاوموا ووقفوا في وجه أولئك، إلّا أنّهم غُلبوا على أمرهم.

إنّ قانوناً رفيعاً كالعدل يجب أوّلاً أن يُفسّر تفسيراً جيداً، ويجب ثانياً أن يوضع التنفيذ بصورة جيّدة أيضاً، وذلك لأنّه إن لم يُفسّر تفسيراً جيداً، فإنّ الذين يريدون إجراءه إجراء جيداً لا يستطيعون تحقيق ذلك، لأنّ تحقيقه يعتمد على تفسيره، وإذا لم يكونوا يريدون حسب نيّات المنفّذين السيّئة، فإنّهم يكونون قد أعانوا أولئك وخدموهم وجنّبوهم وجع الرأس الحاصل من الاصطدام بالناس، سواء أكان قصد المفسّرين سيّئاً من التفسير بهدف خيانة الناس، أم لم يقصدوا شيئاً من ذلك، وإنّما فسّروا القانون بحسب فهمهم المعوج.

وهذا ما حصل في تفسير أصل العدل، إنّ أغلب الذين أنكروا أن يكون العدل من أصول الإسلام، أو لعلّهم جميعاً، لم يكونوا يحملون نيّة سيّئة في تفسيرهم الذي سأذكره، إنّما النظرة السطحية والتعبديّة التي كانوا يحملونها هي التي ألقت بالمسلمين في هذه الحالة، فأوجدت للإسلام مصيبتين:

الأولى: سوء النيّة في الإجراء والتنفيذ، وذلك لأنّ الخلافة منذ البدء لم توضع على المحور الصحيح، وجرى تفضيل العرب على غير العرب، وتفضيل قريش على القبائل الأخرى، وإطلاق يد بعضهم في الحقوق والأموال، وحرمان البعض الآخر من ذلك، حتى قام الإمام عليعليه السلام بالخلافة بهدف محاربة هذا الانحراف، الأمر الذي انتهى باستشهاده، ثمّ تفاقم الأمر على يد معاوية والذين جاؤوا من بعده من الخلفاء.

أمّا المصيبة الثانية: فقد جاءتنا على يد العلماء السطحيّين التعبديّين، الذين تمسّكوا بمجموعة من الأفكار الجافّة، فراحوا يشرحون ويُفسّرون العدالة تفسيراً معوجاً، ممّا بقيت آثاره حتى وقتنا الحاضر.


* من كتاب: الإنسان والحياة - سلسلة من البحوث والدراسات لبعض أعلام الفكر الإسلامي الأصيل - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، الشيخ مطهري (قدس سره)، الشهيد، مرتضى، محمد وعلي النبي والإمام، ص405، دار الارشاد، الطبعة الأولى، بيروت، 2009.

2025-11-10