القيادة في الإسلام ومصادر دراستها
إضاءات إسلامية
إذا أردنا أن نعرف مدى علاقة الإسلام بالقيادة والإدارة، فلا بدَّ من الإطلاع على مصدرين أساسيين:
عدد الزوار: 20إذا أردنا أن نعرف مدى علاقة الإسلام بالقيادة والإدارة، فلا بدَّ من الإطلاع على مصدرين أساسيين:
1- القراءة العميقة لِسِيَرِ الأنبياء والأولياء
ولا سيما سيرة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، والتعرّف على أساليبهم في هذا الصدد، لندرك مدى تطابقها مع القيادة الحكيمة، ثم نقرأ المنجزات التي توصّلت إليها هذه القيادة، والنجاح الذي حقّقته، لأنّهم المبعوثون من قِبَل الله ويمتلكون مفتاح النجاح، وقد بلغت معرفتهم بالنفس البشرية وطبيعتها القِمَّة والذروة، فمن هنا علينا أن نقرأ قيادة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للجيش والغزوات والسرايا، كيف كانت إدارته لدفَّة السياسة ونشر الدين، ونقرأ سيرته مع أعداء الدين، وكيف كانت في بيته ومع أسرته و... فإنّ في كلّ خطوةٍ من حياته درساً وعبرة.
وظائف خاصة بالقائد الإسلامي
الترغيب: فالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لمعاذ: "... يسّر ولا تعسّر، وبشّر ولا تنفّر..."[1]، "...وصلّوا بهم صلاة أضعفهم..."[2]، أي لا بدّ من تبشير الناس بمزايا الإسلام والثمرات الدنيويّة والأخرويّة، وترغيبهم حتى نكسب قلوبهم، وتكون قيادتهم باللين لا بالعنف وأسلوب الترهيب والتهديد، لأنّ هذا الأسلوب يؤدّي إلى النفرة والابتعاد عن الدين، وكذلك بالنسبة للصلاة بأضعفهم، فإنّه يوجد فيهم المريض وجديد العهد بالصلاة.
الزهد: فإنّ الزهد وإن كان مطلوباً من كلّ مسلم، لكن هناك درجة من الزهد خاصة بالقائد الإسلامي، وأكبرُ شاهدٍ على ذلك ما حصل بين أمير المؤمنين (عليه السلام) وعاصم بن زياد الذي أغرق نفسه بالعبادة وهجر زوجه ولبس الثياب الخشنة: حيث جاء أخوه شاكياً لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد. قال: وما له؟ قال: لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا. قال علي (عليه السلام): علي به. فأتى به، فقال له (عليه السلام): يا عدوّ نفسه أما رحمتَ أهلك وولدك؟ أترى الله أحلّ لك الطيبات، وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك. قال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مأكلك؟ قال: ويحك! إنّي لستُ كأنت، إنّ الله فرض على أئمّة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقره"[3]، ثم يسعى جاهداً لرفع مستواهم المعيشي إلى أفضل المستويات[4]، وإلا فمن حقّ الفقير أن يثور في وجه الحكومة ويقول بأنّ كل ما يقدّم إليه ليس إلا وعوداً كاذبة.
2- النصوص الإسلامية في القيادة
والمصدر الثاني هو مراجعة النصوص الواردة في القيادة وشروطها في الإسلام، أمثال ما ذكر القرآن الكريم مخاطباً الأنبياء (عليهم السلام) بالعموم والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخصوص، في كيفيّة تبليغ الرسالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيفية تعاملهم مع مجتمعاتهم في شتى مجالات الحياة، وقد استطاع الأنبياء وأولياء الله من جذب النفوس وجعلها تلتفّ حولهم، واستمالتهم للتضحية في سبيل الرسالة، وهذا ما يحتاج إلى قدراتٍ فذّة وكبيرةٍ مكنونة في نفوس هؤلاء القادة العظام، تتوافق مع أعمق الأُسُس النفسيّة والاجتماعية التي توصَّل إليها علما النفس والاجتماع اليوم.
شواهد من تاريخ الإسلام
هذه بعض الشواهد على نفوذ القادة إلى قلوب المؤمنين، بسبب ما يتحلّون به من صفاتٍ ومعرفةٍ بالنفوس البشرية:
1- الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي بدأ يتيماً ووحيداً في نشر الرسالة، وعانى ما عاناه في بداية الدعوة، استطاع أن يستحوذ على القلوب في آخر المطاف، وأحبّه القريب والبعيد وكلّ من عرفه أو تعرّف على صفاته، وقد عبَّر عن ذلك أبو سفيان فقال: "والله ما رأيتُ من قومٍ قطّ أشدّ حبّاً لصاحبهم من أصحابِ محمد"[5].
2- وشاهد آخر هو أبو ذر(رضوان الله عليه) عندما تخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك ثلاثة أيام وذلك لأن جمله كان أعجف، فلحق بعد ثلاثة أيام ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره، فلمّا ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخصٍ مقبلٍ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كأنّ أبا ذر، فقالوا: هو أبو ذر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أدركوه بالماء فإنه عطشان، فأدركوه بالماء، ووافى أبو ذر(رضوان الله عليه) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه إداوة فيها ماء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أبا ذر معك ماء وعطشت؟ فقال: نعم يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، انتهيت إلى صخرةٍ وعليها ماء السماء، فذقته فإذا هو عذب بارد، فقلتُ: لا أشربُه حتى يشربَه حبيبي رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)[6].
وفي غزوة تبوك أيضاً تخلّف عن الغزو ثلاثة حيث كان للعشر من المسلمين بعير واحد يتناوبون عليه، وكان زادهم الشعير المسوّس، والتمر المدوّد، وكان التمر الواحد بينهم يمصها الواحد بعد الواحد، وهؤلاء الثلاثة هم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، تخلّفوا عن رسول الله لا عن نفاق، ولكن عن توانٍ، ثمّ ندموا، فلما قدم (صلى الله عليه وآله)، أمرَ أن لا يكلّمهم أحد، فهجرهم الناس حتى نسائهم وأولادهم وكانت زوجاتهم يطهين لهم الطعام ويضعنه أمامهم دون أن ينبثن معهم ببنتِ شفة، فضاقت عليهم المدينة، وخرجوا إلى رؤوس الجبال، فتهاجروا هم أيضاً وتفرّقوا، وبقَوا على ذلك خمسين يوماً، يتوبون إلى الله، فتقبّل الله توبتهم وأنزل فيهم[7]: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[8]، فهذه صورة رائعة حصلت في ظلّ قيادة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، تكشف عن مدى التفاني والتعلّق بالنبي(صلى الله عليه وآله).
3- كذلك في كربلاء لقد سُطِّرت أروع الصور من التضحية والفداء في سبيل الدفاع عن الإمام الحسين (عليه السلام)، ولأجل الحفاظ على هذا الخط والنهج، صور تكشف لنا عن القيادة الحكيمة التي كان يدير زمامها الإمام الحسين عليه السلام.
* من كتاب: القيادة في الإسلام – سلسلة إحياء فكر الشهيد الشيخ مرتضى مطهري(رضوان الله عليه)- جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] - مكاتيب الرسول، ج2، ص589.
[2] - وسائل الشيعة، ج4، ح13.
[3] - المعيار والموازنة، أبو جعفر الإسكافي، ص243.
[4] - ومن هنا يظهر السر في اختلاف سلوك الأئمة الطاهرين من حيث المظهر الخارجي، فلباس أمير المؤمنين (عليه السلام) يختلف عن لباس الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، فالظروف المعيشية للناس قد اختلفت، والدنيا قد أغدقت نعمها، ويشير إلى هذا المعنى رواية وردت عن الإمام الصادق (عليه السلام).
[5] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج20، ص152.
[6] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج22، ص429.
[7] - عوالي اللئالي لأبي جمهور الإحسائي، ج7، ص70 بتصرف.
[8] - القرآن الكريم، سورة التوبة:118.