الشهادة والانعتاق من أسر الدنيا
الجهاد
إنّ الموت أمر يسير وليس ذي بال. فإنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليه مولى الجميع)، حينما يقول: "والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه"[1]، فلأنّه فهم حقيقة الدنيا وحقيقة ما وراءها، فهم حقيقة الموت وأن الموت حياة. لقد قدمنا الشهداء ولكنّ شهداءنا أحياء، أحياء يرزقون، وخالدون. ونحن ندعو الله أن يوفّقنا للشهادة، فهي عناء لحظة وسعادة دائمة، تعب لحظة تعقبها سعادة دائمة، سعادة مطلقة.
عدد الزوار: 25إنّ الموت أمر يسير وليس ذي بال. فإنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليه مولى الجميع)، حينما يقول: "والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه"[1]، فلأنّه فهم حقيقة الدنيا وحقيقة ما وراءها، فهم حقيقة الموت وأن الموت حياة. لقد قدمنا الشهداء ولكنّ شهداءنا أحياء، أحياء يرزقون، وخالدون. ونحن ندعو الله أن يوفّقنا للشهادة، فهي عناء لحظة وسعادة دائمة، تعب لحظة تعقبها سعادة دائمة، سعادة مطلقة[2].
إنّ الشهادة للمسلم وللمؤمن سعادة، وشبابنا كانوا يرون الشهادة سعادة، وهنا يكمن سرّ الانتصار. أولئك المادّيون لا يؤمنون بالشهادة أصلًا، ولكن شبابنا يرون الشهادة سعادتهم، يرونها بداية راحتهم. كان هذا سرّ النصر. لقد أخطأ أولئك الذين ظنّوا أنّهم يستطيعون في هذه البرهة من الزمن إيقاع الفرقة بين أبنائي، بين شبابنا، بين أعزائنا. إنّ جميع شبابنا مهتمون بالإسلام، ويمضون قدماً بإيمان راسخ[3].
الانعتاق من الأسر
إنّ أحد الفروق بين مدرسة الإسلام، (مدرسة التوحيد)، وبين المدارس المنحرفة، المدارس الإلحادية، هو أنّ رجال هذه المدرسة يرون الشهادة فوزاً عظيماً لأنفسهم: (يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً). فهم يستقبلون الشهادة، لأنّهم يعتقدون بأنّ وراء عالم الطبيعة هذا ثمة عوالم أسمى وأكثر نورانية من هذا العالم. المؤمن في هذا العالم يعيش في سجن، وباستشهاده يتحرّر من هذا السجن. هذا أحد الفروق بين مدرستنا، مدرسة التوحيد، وبين بقية المدارس.
إنّ شبابنا يطلبون الشهادة، وعلماؤنا الملتزمون سبّاقون إلى الشهادة. أولئك الذين لا يعتقدون بالله وبيوم الجزاء هم الذين يجب أن يخافوا من الموت، هم الذين يجب أن يخافوا من الشهادة. أما نحن وتلامذة مدرسة التوحيد فإنّنا لا نخاف الشهادة، لا نخشاها. فليأتوا ويجرّبوا، كما جرّبوا من قبل[4].
سرّ الانتصار
إنّ الإسلام هو الذي أنجز هذا النصر، وإنّ الشهادة هي التي أنجزت هذا النصر، وهي حافظة الإسلام الذي تقدَّم بها منذ البدء، وها أنتم أُلاءِ ترون شبَّاننا يُحبّون الشهادة، واليوم إذ كنتُ واقفاً في الخارج هتف شابٌّ قويّ من بعيد أن: ادعو لي أن أُسْتَشْهدَ. كان هذا الحِسُّ الذي نهض بأولئك ونهض بنا هو حسّ الشهادة. وحسّ التقدُّم للشهادة من أجل الإسلام هو الذي قادنا للنصر[5].
العزٌّ الأبديّ
إخواني! أخواتي! أعزّائي! واصلوا عزمكم وثباتكم ولا تخشوا الاغتيال، لا تخافوا الشهادة، ولستم بخائفين، إن الشهادة عزّ أبدي، حياة أبدية. هم الذين يجب أن يرهبوا الموت لأنّهم يرونه نهاية الإنسان. أمّا نحن الذين نرى أنّ الإنسان باق ونرى الحياة الخالدة أفضل من هذه الحياة المادية، فلماذا نخاف[6]؟
الراحة الحقيقية
كل يوم بالنسبة لنا عاشوراء، ولا أدري أيها الإخوة والأخوات الذين ضحّيتم بأعزائكم - وهم أعزاؤنا أيضاً - كيف أُعزّيكم وأعتذر لكم.
إنّكم تعلمون بأنّ الإسلام عزيز جداً علينا وعظيم إلى درجة بحيث إنّ نبي الإسلام وأهل بيته الكرام، ضحّوا بوجودهم في سبيله. ونحن أيضاً الذين نتّبع العقيدة الإسلامية ونبي الإسلام وأئمته، وإذا ما ضحّينا بالمقدار القليل وقدّمنا التضحيات في سبيل الله كما هم ضحّوا، ومهما كان ذلك صعباً فهو راحة للفكر والضمير[7].
الفوزٌ العظيم
إنّنا أناس نعشق الشهادة ونتمنّاها بكلّ قلوبنا ونعتبرها فوزاً عظيماً، لذا فلن ترهبنا الحرب لأنّنا في الأساس رجال حرب، ولكن هذا ليس معناه أنّنا مع الحرب ونؤيّدها، بل إنّنا نتمنّى أن لا تقع[8].
الإنسان ميت لا محالة ولا بدّ من أن يسلك هذا الطريق، فكم من الأفضل له أن يحصل على سعادة كهذه وأن يعيد الأمانة إلى صاحبها، الموت الاختياري، الشهادة، الوصول إلى الله بلباس الشهيد وبعقيدة الشهداء.
فالموت في الفراش، موت ولكنّه ليس شيئاً، لكنّ الموت في سبيله شهادة وعزّة وحصول على الشرف للإنسان ولكلّ الناس[9]!
* من كتاب: وداع الشهداء - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب، خطبة 5.
[2] صحيفة الإمام، ج 6، ص 248.
[3] صحيفة الإمام، ج 7، ص 105.
[4] صحيفة الإمام، ج 7، ص 140.
[5] صحيفة الإمام، ج 8، ص 42.
[6] صحيفة الإمام، ج 7، ص 185.
[7] صحيفة الإمام، ج 10، ص 138.
[8] صحيفة الإمام، ج13، ص 204.
[9] صحيفة الإمام، ج 14، ص 202.