قيادة الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) ومسار استنهاض الأمة
الجهاد
بطبيعة الحال فإن مقاربة شخصية للشهيد السيد حسن نصر الله(رضوان الله عليه)، تعين على الفهم لما لشخصه وللدور والوظيفة التي يضطلع بها كرجل دين ولما للرأسمال الديني من دور في عملية الجذب وشد الأفراد إليه وتكريس موقعه القيادي.
عدد الزوار: 13بطبيعة الحال فإن مقاربة شخصية للشهيد السيد حسن نصر الله(رضوان الله عليه)، تعين على الفهم لما لشخصه وللدور والوظيفة التي يضطلع بها كرجل دين ولما للرأسمال الديني من دور في عملية الجذب وشد الأفراد إليه وتكريس موقعه القيادي.
مما لا شك فيه أن المكانة لا تحدد الدور فحسب، وإنما تحمل في طياتها سلطة رمزية هي سلطة الكلام التوجيهي والإرشادي فيما يتصل بحاجة الإنسان إلى الإرشاد في معرفة وتأدية فروضه الدينية، إذ يكفي أن يدلي رجل الدين بإفتاءاته حول بعض الأمور حتى يلجأ الفرد، - بحسب طبيعة ودرجة الالتزام الديني لديه - إلى تطبيق ما تناهى إلى سمعه ووعيه، تطبيقاً لا يحوجه بعد ذاك إلى الشعور بانتقاص في التزاماته الدينية على النحو الفردي.
فلكون الدين يشكل أحد أهم ركائز القيم في النموذج الثقافي في المجتمعات العربية والإسلامية، يجعل لرجل الدين وظيفة رمزية في حياة الأفراد، الذين غالباً ما يظهرون له الود والاحترام، فضلاً عما يرسمون حوله من متخيل ذهني يتصل بشخصيته والتوقعات حولها على غرار دماثة الخلق، والتحلي بالإيمان والصبر والدعة، والزهد... الخ. وتزداد حالة الاحترام وإظهار الطاعة كلما تميز رجل الدين في علمه الديني وتبصره في عالم الاستنباط الفقهي، وفي عالم التفسير والتأويل للكتاب الديني وللتراث. غير أن ممارسة الدور انطلاقاً من المكانة لا يفترض جدلاً تحول رجل الدين إلى رجل قيادي على النحو الميداني، أو أن تسري علاقته القيادية على عموم المؤمنين بالدين، لاسيما إذا اقتصر دوره على النطاق الروحي دون الولوج إلى الاجتماع السياسي والتصدي لما يعصف به المجتمع من مشكلات، فضلاً عن جانب آخر يحدد المتحلقين حوله انطلاقاً من مساحة التشارك في حالة التمذهب الناشئة تاريخياً بين المسلمين والتي تحدد الأتباع بوصفهم منتمين إلى مذهب من المذاهب. فمساحة التشارك في الانتماء تشكل أحد العناصر الجاذبة بين الأفراد ورموزهم الدينية دون أن يعني ذلك بروز التنافر مع المختلف في إطار الدين الواحد.
لهذا السبب فإن المكانة الدينية للشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) تفترض وفق هذه الحال أن تشتد وجهة التماهي معه كقائد كلما اتجه مسار ممارسة الدور القيادي من العام إلى الخاص.
ذلك أن الخاص محكوم دوماً بالتماهي المشترك بين القائد والمحازبين لتمثلهم أهدافاً مشتركة ينزعون نحو تحقيقها، فضلاً عن الآلية التنظيمية التي تحدد قواعد الطاعة وإظهار الولاء. وبذلك تبرز حالة التماهي في مراتبها القصوى، ثم تميل نحو الانحدار النسبي كلما اتسعت دائرة امتداد الفعل القيادي، أي على مستوى الطائفة والوطن والأمة.
ففيما يتصل بالطائفة الشيعية، لناحية تموقع القيادة الدينية فيها، فثمة تراتبيات في المكانة تقتضي تمايزاً في الأدوار بما يتوافق مع المكانة، حيث يقف على رأسها المرجع الديني ثم يليه العلماء الآخرون. فالطاعة في موقع الإفتاء معقودة اللواء للمراجع الدينية، والشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) لم يدع أنه بلغ مكانة المرجع الديني القادر على الاستنباط والإفتاء وإنما هو أحد وكلاء المرجع الديني آية الله العظمى الإمام السيد علي خامنئي(دام ظله)، ما يعني أن المكانة والدور ستحددان تبعاً لحالة التموقع في المراتبية الدينية، وهي ليست على أي حال صنو مكانة ودور المرجع الديني لدى الطائفة، حتى ولو كانت مضاهية لها في مزايا عدّة يفترض بالمرجع التحلي بها، كالورع، والعدالة، وحسن السيرة...الخ. لكنها لا تضاهيها في غزارة العلم والقدرة على استنباط الفتوى والاجتهاد بأحكام الدين.
أما من الناحية التنظيمية، فخصوصية الطائفة الشيعية في لبنان محكومة في البناء التنظيمي بثنائية حزبية راهنة يشكل حزب الله أحد طرفيها، ما يعني أن التماهي في الانتماء والولاء من الناحية التنظيمية يفترض التواءم مع هذه الثنائية.
أما في النطاق الإسلامي العام، فالساحة الإسلامية مفتوحة على توزع مرجعيات فقهية، وتشكيلات حزبية إسلامية متنوعة، وهي تفترض بحسب هذه الحال تماهيات مع أطر قيادية تتنوع بحسب تنوع الانتماء سواء في نطاق التمذهب أو في نطاق الانتظام التشكلي لإحدى التنظيمات الإسلامية.
لذلك فإن السعي إلى فهم الدور القيادي العام الذي اضطلع به الشهيد السيد حسن نصر الله(رضوان الله عليه) لا يحيل إلى المكانة الدينية، أو هو غير منوط بها وحدها، وإن كانت تشكل إحدى العوامل الهامة في هذا المضمار. ذلك أن هذه المكانة وإن كانت تنفتح على الاختلاف والتنوع، فإنها أيضاً تفتح على الاحترام بمعزل عن الطاعة التي سوف تبرز في مراتب متدرجة منحكمة إلى خصوصيات المسلمين في ممارسة التزاماتهم الدينية، وبحسب اتجاهاتهم الفقهية والتنظيمية. لذلك فإن عمومية الدور القيادي ليست نابعة من الموقع الفقهي أو التنظيمي للشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) بل يتغذى هذا الدور من الدور الاجتماعي والسياسي غير المنفصل عن أطروحة الدين نفسه، والذي يستوجب التصدي للقضايا المطروحة التي يرزح تحت وطأتها العالم والشعوب الإسلامية على وجه الخصوص، والتي هي ليست محل خلاف بين المسلمين، بمعزل عن تصورات تحققها وآليات رفعها عن كاهل الأمة.
وعلى هذا النحو، فإن الدور القيادي للشهيد السيد حسن نصر الله(رضوان الله عليه) ليس مطروحاً على أنه يمثل زعامة دينية عامة، وإنما هي زعامة قيادية انطلقت من الفهم الديني إلى الميدان العام في الأمة، وصقلها في إطار القضايا العامة للمسلمين. فهذا الدور القيادي، هو دور استنهاضي عام، لا يدعو إلى النهوض فحسب، وإنما يحدد الآليات ويرسم النموذج، وينير الطريق أمام تحققه وهو نموذج المقاومة من أجل تحرير الأرض واستعادة عزة وكرامة الأمة.
* من كتاب: القيادة وتجربة الفعل المقاوم في لبنان - منتدى الفكر اللبناني – دار المعارف الإسلامية
2025-09-17