كيف كان الوضع السياسيّ في عصر الإمام الرضا (عليه السلام)؟
الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
يُمكن تقسيم الوضع السياسيّ للمرحلة الّتي عاشها الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) إلى مرحلتين:
عدد الزوار: 22يُمكن تقسيم الوضع السياسيّ للمرحلة الّتي عاشها الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) إلى مرحلتين:
الأولى: مرحلة حكم المهديّ والهادي والرشيد، وكانت مرحلة قاسية صعبة على أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وعلى إمامهم موسى بن جعفر أبي الإمام الرضا (عليهما السلام). فقد عاش الإمام الرضا (عليه السلام) هذه المرحلة الصعبة في كنف أبيه، وكان يشاهد بأمّ عينه محنة أبيه الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو يُنقل من سجن إلى سجن، حتّى شهد نهاية المحنة باستشهاد والده، وما حصل في واقعة فخّ ومذبحة أهل البيت فيها واستشهاد الحسين بن عليّ بن الحسن(عليهم السلام)، ومطاردة العلويّين وهدم دورهم ومصادرة أموالهم وإدخالهم السجون.
كما أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) لم يسلم من ظلم العبّاسيّين، فكذلك لم تسلم كافّة طبقات الأمّة، لهذا نشاهد ثورات العلويّين تمتدّ في بلاد الديلم وخراسان والأهواز والبصرة والكوفة والمدينة ومكّة وأفريقيا واليمن وغيرها من البلدان الإسلاميّة. وبرزت إلى العلن مواقف واضحة جليّة لدى أئمّة المذاهب ووجوه المجتمع، ورجال السياسة وكلّها تظهر التأييد لأهل البيت (عليهم السلام).
وأمّا المرحلة الثانية: مرحلة الصراع على السلطة، فقد عهد الرشيد في حياته بولاية العهد وتقسيم السلطة والملك بين أبنائه الثلاثة الأمين والمأمون والقاسم، وجعل الخلافة بينهم الواحد تلو الآخر ابتداءً من الأمين فالمأمون فالقاسم. وحدّد لكلّ منهم دائرة نشاطه وإدارته وحدود تصرّفه، فأعطى الأمين ولاية العراق والشام حتّى آخر المغرب، وأعطى المأمون من همدان إلى آخر المشرق، وأعطى القاسم الّذي سمّاه المؤتمن الجزيرة والثغور والعواصم[1].
وما أن انتهت حياة الرشيد وانتقلت السلطة للأمين واستقرّ به الملك والسلطان حتّى أقنعه بعض خواصّه بأن يخلع أخاه المأمون ويسحب منه ولاية العهد، ويجعل الخلافة من بعده لابنه موسى (ابن الأمين). وراح يهيّىء لنقل الخلافة لولده موسى ويدعو له على المنابر، وطلب من المأمون أن يؤيّد هذا القرار فرفض ذلك وتمرّد على خلافة الأمين وأعلن خلعه والتحلّل من بيعته، وراح يعدّ ويُهيّئ للحرب والصدام المسلّح مع أخيه الأمين.
وبدأ الأمين شنّ الحرب على المأمون فأرسل عليّ بن عيسى أحد قوّاده لقتال المأمون في خراسان. وبدأت الحرب ونشب الصراع فانهزم عليّ بن عيسى أمام طاهر بن الحسين قائد جيوش المأمون. وتقدّم طاهر بن الحسين وزحف نحو بغداد فحاصرها مدّة سنة ونصف تقريباً واضطرّ الأمين للتسليم بعد حربٍ دمويّة رهيبة ودمار اقتصاديّ ومدنيّ مروّع، فسقطت بغداد مقرّ خلافته واستسلم لطاهر بن الحسين فقتله ولم يقبل له عذراً، وحمل رأسه إلى خراسان، وسلّم الرأس إلى المأمون. وهكذا انتهى حكم الأمين بعد أن دام أربع سنوات وعدّة شهور. وخضعت الدولة العبّاسيّة خلال هذه الفترة لهزّات واضطرابات وصراع دمويّ وسياسيّ وإنهاك اقتصاديّ عنيف، فاستغلّ العلويّون هذا الوضع السياسيّ المضطرب وتلك الظروف المؤاتية بعد أن ضاق عليهم الخناق طول الفترة العبّاسيّة المنصرمة، وقاموا بثورات وانتفاضات عدّة.
* من كتاب: بحوث في الحياة السياسية لأهل البيت عليهم السلام - جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة
[1] - الكامل في التاريخ، م.س/6/23.
2025-08-20