يتم التحميل...

لماذا المال ليس مقياساً للكمال؟

إضاءات إسلامية

كانوا يعتقدون خطأ انّه ليس أهلا للقيادة لأنّه غير ثريّ. في الحقيقة كانت الأهداف والقيم قد تغيّرت لدى بني إسرائيل لحبّهم المفرط للأموال والبنين حتّى إنّهم اعتبروا المبدأ الأساسي للقيمة والكمال الإنساني هو المال والثروة، واعتقدوا أن من يملك أموالاً أكثر فهو أليَق للحكم.

عدد الزوار: 25

يقول تعالى في قصة طالوت بعد أن عينه الله تعالى قائداً للجيش واعترض قومه على ذلك: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[1].
 
كانوا يعتقدون خطأ انّه ليس أهلا للقيادة لأنّه غير ثريّ. في الحقيقة كانت الأهداف والقيم قد تغيّرت لدى بني إسرائيل لحبّهم المفرط للأموال والبنين حتّى إنّهم اعتبروا المبدأ الأساسي للقيمة والكمال الإنساني هو المال والثروة، واعتقدوا أن من يملك أموالاً أكثر فهو أليَق للحكم.
 
ومشركو مكة لم يتحمّلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً بهذه الذريعة وهي: لماذا لم يخترِ الله نبيّه من بين العظماء أي أثرياء العرب؟ ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾[2].، فقال الله تعالى في الردّ عليهم: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾[3].
 
إنّ الله عزّ وجلّ هو الذي قسّم ثروات الدنيا على الناس فأعطى كلّ إنسان ما يصلحه، إنّ المال في الدنيا ليس سوى وسيلة للاختبار قد قسّمه الله على الناس على أساس من المصلحة.
 
ولكنّ مشركي مكَّة لتوغّلهم في القيم المادية واعتبارهم المال ملاكاً لعظمة الإنسان وقيمته ظنّوا أنّ النبي يجب انتخابه من بين الأثرياء.
 
قال في آية أخرى: ﴿فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ..  ﴾[4] هذه الانحرافات الفكرية والقيمية موجودة في المجتمعات المختلفة وتشغل بال بني الإنسان حتّى المؤمنين والعابدين لله عزّوجلّ. كان بنو إسرائيل يعبدون الله ويؤمنون بنبي الله وطلبوا منه تعيين قائد لهم، ورغم ذلك لم يُقرّوا بقيادة طالوت غير الثريّ، وذلك لحبّهم للمال واعتباره الملاك الوحيد للقيادة.
 
وفي القرآن ندّد الله عزّ وجلّ بشدة بهذه الرؤية حيث قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ﴾[5] وقال عن الكفار: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾[6]
 
كان هؤلاء الكفار يعتقدون بأنّ العذاب إذا وقع فانّه يصيب الفقراء والبؤساء، إذ إنّ بيوت الفقراء غير محكمة فهي التي تنهدم لا بيوتهم المحكمة! إنّ الفقراء هم الذين يتعرضون للشقاء والعذاب، وليس الذين يحظَون بمعونات من أبنائهم الكثيرين!
 
باب للفساد: وفي آية اُخرى يضفي على الثروة قيمة سلبيّة لأنّها أصبحت منشأ للتكبر ويذمّ مثل هؤلاء الأثرياء بقوله: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾[7].
وفي آية اُخرى يضفي عليها قيمة سلبيّة لكونها سبباً للغرور وحبّ الدنيا المفرط بقوله تعالى:
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ﴾[8].
 
مثل هذه الآثار والأعراض تكون منشأ للقيمة السلبيّة للأموال والبنين، ولولا هذه الأعراض لم يتعلّق بهما ذمّ أيضاً، لأنّ ذات الأموال والبنين نعمة إلهية ويمكن استخدامهما بصورة صحيحة، وإذا اكتُسبا عن طريق مشروع ولأهداف صحيحة كان لهما قيمة إيجابيّة أيضاً.
 
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾[9] أو يقول: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾[10].
 
إذًا تتعلّق القيمة السلبيّة للأموال والبنين بهذا الحبّ المفرط الذي يمنع من بلوغ الكمال المتوخّى، ويصدّ الإنسان عن الأعمال الصالحة ويدفعه لارتكاب القبائح، والقيمة الإيجابية تكون في ظلّ الدافع الإلهي والالتزام بالموازين الشرعية الصحيحة في اكتساب المال وإنفاقه واتخاذه وسيلة لنيل القرب الإلهي والمنزلة الرفيعة عند الله.
 
* من كتاب: زاد العاملين في شهر الله – سلسلة زاد المبلغ - دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة


[1] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية: 247.
[2] القرآن الكريم، سورة الزخرف، الآية:  31.
[3] القرآن الكريم، سورة الزخرف، الآية:  32.
[4] القرآن الكريم، سورة الزخرف، الآية: 53.
[5] القرآن الكريم، سورة الهمزة، الآيات 1 ـ 5.
[6] سورة سبأ، الآية: 35.
[7] القرآن الكريم، سورة القلم، الآيتان 13 ـ 14.
[8] القرآن الكريم،سورة المدثر، الآيات 11 ـ 15.
[9] القرآن الكريم، سورة التغابن، الآية 14.
[10] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 24.

2025-07-14