يتم التحميل...

ما هي أُسس المجتمع المهدويّ؟

الإمام محمد المهدي(عج)

إنّ إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه) يبني مجتمعه على هذه الأسس:

عدد الزوار: 19

إنّ إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه) يبني مجتمعه على هذه الأسس:

أوّلًا، على إزالة وقمع وقلع جذور الظلم والطغيان. فلا ينبغي أن يكون في هذا المجتمع، الذي يكون في زمان وليّ العصر (عجل الله تعالى فرجه)، أيّ ظلمٍ وجورٍ، لا أنّ الأمر يكون في إيران على هذه الشاكلة فحسب، ولا حتّى في المجتمعات التي يقطنها المسلمون، بل في العالَم كلّه. فلن يكون أيّ ظلمٍ اقتصاديٍّ أو سياسيٍّ أو ثقافيٍّ أو أيّ نوعٍ آخر في ذلك المجتمع. فيجب اقتلاع الاختلافات الطبقيّة كلّها، وأنواع التمييز وعدم المساواة والتسلّط والهيمنة كلّها. هذه هي الخصوصيّة الأولى.

ثانيًا، إنّ من خصائص المجتمع المثاليّ، الذي يصنعه إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، هو الارتقاء بمستوى الفكر البشريّ، سواءٌ أكان على المستوى العلميّ الإنسانيّ أو المعارف الإسلاميّة. ففي زمن وليّ العصر، لن تجدوا، في العالَم كلّه، أيَّ أثرٍ للجهل والأمّيّة والفقر الفكريّ والثقافيّ. هناك، يتمكّن الناس من معرفة الدين معرفةً صحيحةً، وقد كان هذا -كما تعلمون جميعًا- من الأهداف الكبرى للأنبياء، الذي أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، في خطبة نهج البلاغة الشريفة، «... ويثيروا لهم دفائن العقول...»([1]). لقد جاء في رواياتنا أنّه عندما يظهر وليّ العصر، فإنّ المرأة تجلس في بيتها وتفتح القرآن وتستخرج منه حقائق الدين وتفهمها. فماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أنّ مستوى الثقافة الإسلاميّة والدينيّة يرتقي إلى درجة أنّ الأفراد جميعًا، وأبناء المجتمع كلّهم، والنساء اللواتي لا يشاركن في ميدان الاجتماع -على سبيل الفرض- ويبقين في بيوتهنّ، فإنّهنّ يتمكّنَّ من أن يصبحن فقيهاتٍ وعارفاتٍ في الدين، فيتمكّنَّ من فتح القرآن وفهم حقائق الدين بأنفسهنّ. انظروا إلى مجتمعٍ يكون فيه الجميع -نساءً ورجالًا- وعلى المستويات كافّةً، قادرين على فهم الدين والاستنباط من الكتاب الإلهيّ، فكم سيكون هذا المجتمع نورانيًّا! ولن يبقى فيه أيُّ نقطة ظلامٍ وظلمانيّةٍ. فهذه الاختلافات كلّها في وجهات النظر والتحليل، لن يبقى لها أيّ أثرٍ في ذلك المجتمع.

ثالثًا، خصوصيّة ثالثة لمجتمع إمام الزمان -المجتمع المهدويّ- هو أنّه في ذلك العصر ستكون القوى الطبيعيّة جميعها والطاقات البشريّة كلّها في حالة انبعاثٍ، فلا يبقى أيّ شيءٍ في باطن الأرض ولا يستفيد منه البشر. فهذه الإمكانات الطبيعيّة المعطّلة كلّها، وهذه الأراضي كلّها التي يمكن أن تُغذّي الإنسان، وهذه الطاقات والقوى كلّها التي لم تُكشَف بعد، كتلك الطاقات التي بقيت عبر قرون التاريخ؛ مثلًا، القدرة النوويّة والطاقة الكهربائيّة كانت -وعبر قرونِ عمرِ هذا العالَم- في باطن الطبيعة ولم يكن البشر يعرفونها، ثمّ بعد ذلك قاموا باستخراجها بالتدريج. فالطاقات والإمكانات اللامتناهية الموجودة كلّها في باطن الطبيعة، هي من هذا القبيل، وسوف تُستَخرَج في عصر إمام الزمان.

جملةٌ أخرى وخصوصيّةٌ أخرى، هي أنّ المحور في عصر إمام الزمان هو محور الفضيلة والأخلاق. فكلّ من كان صاحب فضيلةٍ أخلاقيّةٍ أكثر، سيكون مقدَّمًا وسبّاقًا.
(27/06/1980)

ورد في الرواية: «القائمُ منّا منصورٌ بالرُّعْبِ، مؤيَّدٌ بالنّصر، تُطوَى له الأرضُ، وتظهر له الكنوزُ، يبلغ سلطانُه المشرقَ والمغربَ»([2])، ممّا يعني أنّ الحكومات الظالمة والأجهزة الجائرة كلّها ستكون مرعوبةً منه. في ذلك الزمن، سيكون هناك حالةٌ، في زمان وليّ العصر -أرواحنا فداه- من الشموليّة والعموميّة، بحيث يمكن أن تُحَقَّق الحكومة العالَميّة. «مؤيَّدٌ بالنصر»، فنصر الله يؤيّده. و«تُطوى له الأرض»؛ أي إنّها ستكون بيده وفي قبضة قدرته. وتظهر تلك الكنوز وتبلغ سلطته مشرق العالَم ومغربه.

وبعد جملٍ عدّةٍ يقول: «فلا يبقى خرابٌ إلّا قد عمر»([3])؛ أي إنّ هذه السلطة سوف تُنفَق في عمارة الأرض، لا في السيطرة على ثروات البشر وفي استضعافهم. وفي نقاط العالَم كلّها، لن يبقى أيّ نقطةٍ من الخراب إلّا وستُعمّر، سواءٌ أكانت خراباتٍ حصلت على أيدي البشر، أو بسبب جهلهم. هناك روايةٌ أخرى عن الإمام الباقر (عليه السلام) يقول فيها: «حتّى إذا قام القائمُ، جاءت المزايلةُ، وأتى الرجلُ إلى كيسِ أخيه، فيأخذُ حاجتَه، فلا يمنعُه»([4])، وهي إشارةٌ إلى أخلاق المساواة بين البشر، وإلى الإيثار. وتُبشّر هذه الرواية بنجاة البشر من تسلّط البخل والحرص، الذي كان أكبر سببٍ لشقاء البشريّة. وهذا، في الحقيقة، علامةٌ على ذلك النظام الإسلاميّ السالم أخلاقيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا في ذلك الزمان. فلا يوجد أيّ قهرٍ وإجبارٍ في البَين، بل إنّ البشر أنفسهم ينجون من البخل الإنسانيّ والحرص البشريّ، وستتحقّق مثل هذه الجنّة الإنسانيّة. يوجد في روايةٍ أخرى أيضًا: «إذا قامَ قائمُنا، اضمحلّت القطائعُ، فلا قطائعَ»([5])، فتلك القطائع التي تمنحها الحكومات المستكبرة في العالَم لأتباعها وحلفائها، وذلك الكرم الحاتميّ الذي يحصل من جيوب الشعوب، سوف يتوقّف تمامًا في العالَم. وقد كانت القطائع في الماضي بشكلٍ، وهي اليوم بشكلٍ آخر. كانت في الماضي بحيث إنّ الخليفة أو السلطان يمنح أرضًا أو صحراء أو قريةً أو مدينةً أو حتّى ولايةً لشخصٍ ما، فيقول له: اذهبْ هناك، وافعل ما يحلو لك فيها، خذ من أهلها الجبايات والخراج، واستعمل مزارعها، واستفد منها، وكلّ فائدةٍ مادّيّة هي لك، وكان عليه طبعًا أن يعطي السلطان حظَّه. واليوم، هي بصورة الاحتكارات النفطيّة والتجاريّة والصناعيّة والفنّيّة المختلفة. وهذه الصناعات الكبرى، وهذه الاحتكارات، التي جعلت الشعوب مسكينةً، كلّها -في الواقع- في حكم القطائع التي أُشير إليها، وفيها كانت تُمارَس أنواع الرشاوة والمحاباة كلّها. إنّ هذا البساط الذي يقتل البشر ويقضي على الفضيلة، سوف يُطوَى، وسوف تُوضَع أسباب الاستفادة والنفع بيد الناس جميعًا.

وفي روايةٍ أخرى ناظرةٍ إلى الوضع الاقتصاديّ، يقول: «ويُسوِّي بين النّاسِ، حتّى لا ترى محتاجًا إلى الزكاة» ما يعني أنّه لن يبقى هناك أيّ فقيرٍ يحتاج إلى زكاة أموالكم. وبالطبع، سيكون لهذه الزكاة مصرفها في الأمور العامّة، لا للفقراء؛ لأنّه لن يبقى هناك أيّ فقيرٍ. ومثل هذه الروايات، ترسم الجنّة الإسلاميّة والعالَم الواقعيّ. وليس هذا الأمر مشابهًا لتلك المدن الفاضلة التي صنعها بعضُهم في خيالاتهم وأوهامهم. كلّا، إنّ تلك الشعارات الإسلاميّة كلّها، هي جميعًا قابلةٌ للتطبيق، ونحن في الجمهوريّة الإسلاميّة، نشعر أنّ هناك قدرةً وقلبًا وفكرًا متّصلًا بالوحي والتأييد الإلهيّ، ومعصومًا يُمكنه -يقينًا- أن يُحقّق مثل هذا الوضع، وسوف تُقبِل البشريّة على ذلك حتمًا. هذه هي حالة ذلك العالَم.
(10/04/1987)
 
* من كتاب: الإمام المهديّ وبناء المجتمع الإلهيّ - مركز المعارف للتأليف والتحقيق


([1]) نهج البلاغة، ص43.
([2]) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفّاري، نشر الإسلاميّة، طهران، 1395هـ، ط2، ج 1، ص 331.
([3]) المصدر نفسه.
([4]) الحرّ العامليّ، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، تحقيق ونشر مؤسّسة أهل البيت (عليهم السلام)، قم، 1409هـ، ط1، ج 5، ص 121.
([5]) المصدر نفسه، ج 17، ص 222.

2025-07-14