يتم التحميل...

الإسلام دين العمل والجهاد

عيد العمَّال

الإسلام دين العمل، وهو يؤكد من خلال النصوص القرآنية على ارتباط مصير البشرية بعملها.

عدد الزوار: 30

 الإسلام دين العمل، وهو يؤكد من خلال النصوص القرآنية على ارتباط مصير البشرية بعملها.

﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾([1]) .

  ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾([2]).

فعندما تسود ذهنية ارتباط مصير الأمة بعملها تسعى الأمة إلى الاعتماد على طاقاتها كما حصل مع المسلمين الأوائل فانبثقت في وجدانه الثقة القوية بالنفس مما دفعه إلى ساحات الجهاد دون أن يخشى أي قوة آنذاك، لكن اعترت هذه التعاليم بمرور الزمن أنواع الشوائب والانحرافات، حتى فشت الأفكار التي تستهين بالعمل، تاركة كل الأفكار الواقعية والمنطقية.

نماذج من انحراف مفهوم العمل‏
أ- الحظ: من الأفكار التي سرت في مجتمعاتنا رغم أنها لا تعتمد على منطق علمي أو فلسفي أو قرآني([3]).

ب- انتصار الباطل في صراعه مع الحق: وهي فكرة تشاؤمية مستشرية في مجتمعاتنا، ترى أن أي معاملة أو حركة ملتزمة بمعايير الصدق والإنصاف لا يمكن لها أن تحقق أي مكاسب مادية، وهذا يناقض النظرة الإسلامية التي ركزت على ضرورة النظرة التفاؤلية لمسيرة العالم، وأنه لا يمكن تصور نظام أحسن من النظام الموجود.
  ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَه﴾([4]).

  ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾([5]).
 
 وقد خلق الله الإنسان مختارا يمكنه الانحراف يمنة أو يسرة، ويستتبع هذا الاختيار انحراف جماعة عن جادة الحق والعدل، وهنا تتحمل المجموعة الصالحة مسؤولية مقارعة المنحرفين، وهي تحظى في نفس الوقت بإسناد رب العالمين، وليس للباطل سوى جولة سرعان ما يتراجع بعدها أمام الحق، وأجمل تمثيل لصراع الحق مع الباطل نجده في القرآن الكريم:
 
  ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَال﴾([6]) .

فالزبد الذي يمثل الباطل يذهب جفاء أمام الحق، وهذا هو قانون الخليقة، بينما تسري بيننا أحاديث مشككة في جدوى الكفاح من أجل إحقاق العدل والحق، دون أن ندخل في تجربة كفاحية عملية واحدة.
 
 ج- وجود مجدد على رأس كل سنة: وهذه فكرة خاطئة وهي تعتمد على حديث واه السند يقول: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"([7]).
 
 وقد راجت هذه الفكرة في الفكر السني قديما ودخلت الفكر الشيعي في القرن الحادي عشر، حيث وصف الشيخُ البهائي الشيخ َ الكليني بأنه مجدد المذهب في القرن الثالث، ثم أُطلق بعد ذلك هذا اللقب على المجلسي الثاني في القرن الثاني عشر، وعلى الوحيد البهبهاني في القرن الثالث عشر، وعلى الميرزا الشيرازي في القرن الرابع عشر الهجري.
 
 ومن الغريب في هذه الفكرة أنها لماذا لم تعتبر النوابغ الذين برزوا في أواسط القرون كالشيخ الطوسي مثلا من المجددين، وكأن ذنبهم الوحيد أنهم لم يظهروا على رأس القرن الهجري.
 
والملاحظ على هذه الفكرة أنها تعفي أفراد المجتمع ككل من التجديد، وتلقي بالمسؤولية على عاتق رجل واحد من بين أفراد معينين على رأس كل قرن، بينما نجد القرآن الكريم عندما يتحدث عن فكرة التغيير يلقي بالمسؤولية على عاتق الجميع.
 
  ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾([8]).
 
 فتغيير المجتمع الإنساني مرتبط بتغيير المحتوى الداخلي لأفراد ذلك المجتمع وأن يكونوا مستعدين لمثل هذا التغيير، وليست فكرة التجديد الأحادي هذه إلا لصرف الأمة عن التفكير بعلاج مشاكلها وانحرافها وانتظار من يقوم عنها بهذا الدور.
  
 جذور انحراف مفهوم العمل‏
 بدأ انحراف مفهوم العمل كما يحدثنا التاريخ عند ظهور فكرة الإرجاء([9]) على يد أناس غارقين في بحر الرذيلة، وقد تبنت هذه الفكرة السلطة الحاكمة في العهد الأموي، وراحت تفرق بين الإيمان والعمل مؤكدة على أهمية ما يضمره المرء في قلبه من إيمان مستهينة بكل ما يصدر منه من أعمال.
 
  مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في وجه التحريف‏
 لقد وقف الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في وجه كل انحراف ظهر بعد وفاة الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، بما في ذلك انحرافات المرجئة، ومفهوم انفصال الإيمان عن العمل والاستهانة بالعمل، وما وصلنا من أحاديث عنهم عليهم السلام يكشف عما خاضوه من حرب فكرية تهدف إلى إحباط كل محاولات المسخ والتشويه في الدين الإسلامي.
 
 وأما مواجهتهم لفكرة العمل المشوهة، فلاحظ ما ورد عنهم) عليهم السلام) من حثّ وتأكيد على العمل وعدم فصله عن الإيمان:
 
 1- عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "... وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم، سيماهم سيما الصديقين... لا يستكبرون ولا يعلون ولا يغلّون، ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان، وأجسادهم في العمل" ([10]).

2-وعنه (عليه السلام): "المؤمن بعمله" ([11]).

3- وسئل علي (عليه السلام): الإيمان قول وعمل أم قول بلا عمل؟ فقال: "الإيمان تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، وهو عمل كله". ([12])

4- وعن الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): " إن ولايتنا لا تدرك إلا بالعمل" ([13]).

وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): "الإيمان عمل كله" ([14]).

5- وعنه (عليه السلام): "ملعون من قال الإيمان قول بلا عمل" ([15]) .

وهناك الكثير من الروايات التي تؤكد على مفهوم العمل، وأن الإيمان عمل كله، وجعله المعيار لتقييم خلوص الإنسان وقربه من الله.
 
* أسباب تخلّف المسلمين‏- دروس من إحياء فكر الشهيد الشيخ مرتضى مطهري(رضوان الله عليه) - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) القرآن الكريم، سورة النجم، الآية:39.
([2]) القرآن الكريم، سورة الزلزلة: 87.
([3]) يستشهد الأستاذ بأمثلة من الأدب الفارسي تركز على فكرة الحظ وتربطه بصير الإنسان.
([4]) القرآن الكريم، سورة السجدة، الآية: 7.
([5]) القرآن الكريم، سورة طه، الآية: 50.
([6]) القرآن الكريم، سورة الرعد، الآية: 17.
([7]) مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشهرودي، ج3، ص409.
([8]) القرآن الكريم، سورة الرعد، الآية:  11.
([9]) يقول المرجئة "لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة"، "إن الإيمان هو الاعتقاد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه، وعبد الأوثان، و...ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل، ولي لله عز وجل، من أهل الإيمان".
([10]) نهج البلاغة ج‏2، ص 160159.
([11]) غرر الحكم، 14.
([12]) بحار الأنوار، ج‏66، ص‏74.
([13]) الكافي، ج‏2، ص‏75.
([14]) الكافي، ج‏2، ص‏34.
([15]) بحار الأنوار، ج‏66. ص‏19.

2025-04-29