مُؤَاخَاةُ اَلْأَتْقِيَاءِ
شوال
عنِ الإمامِ الصَّادقِ (عليهِ السَّلامُ): «اُطْلُبْ مُؤَاخَاةَ اَلْأَتْقِيَاءِ وَلَوْ فِي ظُلُمَاتِ اَلْأَرْضِ، وَإِنْ أَفْنَيْتَ عُمُرَكَ فِي طَلَبِهِمْ، فَإِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَخْلُقْ أَفْضَلَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ بَعْدَ اَلنَّبِيِّينَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ)، وَمَا أَنْعَمَ اَللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدٍ بِمِثْلِ مَا أَنْعَمَ بِهِ مِنَ اَلتَّوْفِيقِ لِصُحْبَتِهِمْ، قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿اَلْأَخِلاّٰءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ اَلْمُتَّقِينَ﴾»
عدد الزوار: 220عنِ الإمامِ الصَّادقِ (عليهِ السَّلامُ): «اُطْلُبْ مُؤَاخَاةَ اَلْأَتْقِيَاءِ وَلَوْ فِي ظُلُمَاتِ اَلْأَرْضِ، وَإِنْ أَفْنَيْتَ عُمُرَكَ فِي طَلَبِهِمْ، فَإِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَخْلُقْ أَفْضَلَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ بَعْدَ اَلنَّبِيِّينَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ)، وَمَا أَنْعَمَ اَللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدٍ بِمِثْلِ مَا أَنْعَمَ بِهِ مِنَ اَلتَّوْفِيقِ لِصُحْبَتِهِمْ، قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿اَلْأَخِلاّٰءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ اَلْمُتَّقِينَ﴾[1]»[2].
منَ الفُرَصِ الممنوحةِ للإنسانِ لسُلوكِ سُبُلِ الخيرِ والابتعادِ عنِ المواطنِ الّتي لا يُحِبُّها اللهُ عزَّ وجلَّ، أنْ يُحْسِنَ اختيارَ إخوانِهِ وأصحابِهِ؛ لأنَّ الّذينَ يُحيطونَ بالإنسانِ لهمُ التأثيرُ الكبيرُ على خياراتِهِ الّتي يَعتمِدُها، وعلى المواقفِ الّتي يَتَّخِذُها. وقدْ عبَّرَ عنهُ القرآنُ الكريمُ بالقرين؛ وهوَ تارةً يكونُ قرينَ خيرٍ، وأُخرى يكونُ قرينَ سُوءٍ، وصفَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بقولِهِ: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾[3].
ويحثُّ الإمامُ الصادقُ (عليهِ السَّلامُ) المؤمنَ على أنْ يكونَ جادّاً في طَلَبِ صداقةِ أصحابِ التَّقوى ومُؤاخاتِهِم، حتّى لوْ فَنِيَ عُمرُهُ في طَلَبِهِم؛ لأنَّهُم الأفضلُ بعدَ الأنبياءِ (عليهمُ السَّلامُ)؛ وهذا يَعني أنَّهُم موجودونَ في كلِّ زمانٍ، لِمَنْ لا يَتمكَّنُ منَ الوصولِ إلى الأنبياءِ.
وصِفَةُ التَّقوى فيهِم هيَ الصِّفةُ الّتي يُطْمَعُ بها، ونتائجُها تكونُ مِصداقاً للأخِ الحقيقيِّ الّذي وَصَفَهُ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السَّلامُ) في الحديثِ المرويِّ عنهُ: «إِنَّ أَخَاكَ حَقّاً مَنْ غَفَرَ زَلَّتَكَ، وَسَدَّ خَلَّتَكَ، وَقَبِلَ عُذْرَكَ، وَسَتَرَ عَوْرَتَكَ، وَنَفَى وَجَلَكَ، وَحَقَّقَ أَمَلَكَ»[4].
وأُخوَّةُ أهلِ التَّقوى يُكتَبُ لها الحِفظُ والدَّوامُ والاستمرارُ؛ لأنَّها تُراعي قواعدَ ما وَرَدَ في الحِفاظِ عليها، ففي الحديثِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليهِ السَّلامُ): «تَحْتَاجُ اَلْإِخْوَةُ فِي مَا بَيْنَهُمْ إِلَى ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنِ اِسْتَعْمَلُوهَا وَإِلَّا تَبَايَنُوا وَتَبَاغَضُوا، وَهِيَ: اَلتَّنَاصُفُ، وَالتَّرَاحُمُ، وَنَفْيُ اَلْحَسَدِ»[5].
كما أنَّ مُعاشَرَةَ الأتقياءِ وصُحبَتَهُم فيها كَسْبٌ أهمُّ، وهوَ الآخرةُ؛ وذلك لأنَّ منْ صفاتِ الأخِ المطلوبِ صِداقَتُهُ أنْ يكونَ باباً للفوزِ بالآخرةِ، ففي الحديثِ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السَّلامُ): «خَيْرُ إِخْوَانِكَ مَنْ دَلَّكَ عَلَى هُدًى، وَأَكْسَبَكَ تُقًى، وَصَدَّكَ عَنِ اِتِّبَاعِ هَوًى»[6].
ومَنْ كانَ حاملاً لصفاتِ أهلِ التَّقوى، يَفتخرُ الإنسانُ بِصِداقَتِهِ، كما افتَخَرَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السَّلامُ) بأخٍ لهُ، واصفاً إيّاهُ بقولِهِ: «كَانَ لِي فِيَ ما مَضَى أَخٌ فِي اللهِ، وَكَانَ يُعْظِمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، وَكَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ، فَلاَ يَشْتَهِي مَا لاَ يَجِدُ، وَلاَ يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ، وَكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً»[7].
وصاحبُ التَّقوى صديقٌ وأخٌ فيهِ غِذاءٌ ودواءٌ، وقدْ رُوِيَ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليهِ السَّلامُ): «اَلْإِخْوَانُ ثَلاَثَةٌ: فَوَاحِدٌ كَالْغِذَاءِ اَلَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ فَهُوَ اَلْعَاقِلُ، وَالثَّانِي فِي مَعْنَى اَلدَّاءِ وَهُوَ اَلْأَحْمَقُ، وَالثَّالِثُ فِي مَعْنَى اَلدَّوَاءِ فَهُوَ اَللَّبِيبُ»[8].
ختاماً، نُعَزِّي مولانا صاحبَ العصرِ والزَّمانِ (عَجَّلَ اللهُ تعالى فَرَجَهُ)، ووليَّ أمرِ المسلمينَ والمجاهدينَ جميعاً، بذكرى شهادةِ الإمامِ جعفرِ بنِ محمّدٍ الصادقِ (عليهِ السَّلامُ)، في 25 شَوّال سنة 148 هجريّة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة الزخرف، الآية 67.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج71، ص282.
[3] سورة فُصِّلت، الآية 25.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص154.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص236.
[6] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص359.
[7] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص526، الحكمة 289.
[8] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص323.