وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
شوال
عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السَّلامُ): «لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ مَنْ لَا يَشْكُرُهُ لَكَ؛ فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَسْتَمْتِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْكَافِرُ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»
عدد الزوار: 88عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السَّلامُ): «لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ مَنْ لَا يَشْكُرُهُ لَكَ؛ فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَسْتَمْتِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْكَافِرُ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»[1].
إنَّ الطَّبيعةَ الإنسانيَّةَ تُحبُّ المَدحَ والثَّناءَ، ويَزدادُ تَوقُّعُها لذلكَ إذا قامَتْ بعملٍ خَيِّرٍ، أوْ أداءِ مَعروفٍ، أوْ إحسانٍ. ولذا، وردَ في الكثيرِ منَ الرِّواياتِ الحَثُّ على شُكرِ المعروفِ، ففي «رِسالةِ الحُقوقِ» للإمامِ زينِ العابدينَ (عليهِ السَّلامُ): «وَأَمَّا حَقُّ ذِي الْمَعْرُوفِ عَلَيْكَ: فَأَنْ تَشْكُرَهُ، وَتَذْكُرَ مَعْرُوفَهُ، وَتَنْشُرَ لَهُ الْمَقَالَةَ الْحَسَنَةَ، وَتُخْلِصَ لَهُ الدُّعَاءَ فِي مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، كُنْتَ قَدْ شَكَرْتَهُ سِرّاً وَعَلَانِيَةً، ثُمَّ إِنْ أَمْكَنَ مُكَافَأَتُهُ بِالْفِعْلِ كَافَأْتَهُ، وَإِلَّا كُنْتَ مُرْصِداً لَهُ، مُوَطِّناً نَفْسَكَ عَلَيْهَا»[2].
وهذا الشُّكرُ تتوقَّعُهُ النَّفسُ الإنسانيَّةُ، ولذا قدْ يُسبِّبُ حالةً منَ الانزعاجِ النَّفسيِّ، فيما لوْ قامَتْ بِمَعروفٍ ما، ولم تُقابَلْ بالشُّكرِ والمَدحِ عليه. وقدْ يتبدَّلُ هذا الانزعاجُ ليُصبِحَ نُكراناً للمَعروفِ، فلا تقومُ بهِ مُجدَّداً، لِما لمْ تُلاقِهِ منَ الشُّكرِ والثَّناءِ.
في هذهِ الحِكمةِ، يُعالِجُ الإمامُ عليٌّ (عليهِ السَّلامُ) هذهِ الحالةَ التي يُبتلى بها أهلُ المعروفِ، وذلكَ ببيانِ الأسبابِ المُوجِبةِ لفعلِ المعروفِ:
أوّلاً: إنَّ المعروفَ مطلوبٌ بذاتِهِ، ولهُ قيمةٌ ذاتيَّةٌ، بقطعِ النَّظرِ عنْ كيفيَّةِ تَلَقِّي النَّاسِ له، أوْ مُقابلتِهِ، أوْ نُكرانِه. لذا، فالمؤمنُ يَنظُرُ إلى المعروفِ على أنَّهُ شاهِدُ كمالٍ لنفسِهِ وذاتِهِ، وأنَّهُ بِفِعلِ المعروفِ اكتَسَبَ كمالاً، حتَّى لوْ لمْ يَلْقَ عليهِ شُكراً وثناءً.
ثانياً: قدْ يَصدُرُ الشُّكرُ منْ جهةٍ لمْ تكنْ قدْ أَحسَنْتَ إليها، ولذا لا يُتَوَقَّعُ صُدورُ الإحسانِ منها، ولمْ تكنْ بالحُسبانِ؛ لأنَّ الخيرَ دائماً تجدُ مَنْ يراهُ بعينِ الحقِّ؛ ممّا يعني أنَّ للإحسانِ جهةً تُقَدِّرُه، فلا تَضيعُ قيمتُهُ أبداً.
ثالثاً: قدْ يكونُ شُكرُ هذا الشاكرِ غيرِ المُستفيدِ منَ المعروفِ، أكثرَ منْ شُكرِ المُحسَنِ إليه، وفي هذا تعويضٌ عمّا أضاعَهُ الجاحِدُ للنِّعمةِ، وعُبِّرَ عنهُ بـ «الكافرِ»، والمرادُ: المُنكرُ والجاحِدُ للنِّعمةِ. والتعقيبُ بأنَّ اللهَ يُحبُّ المُحسنينَ، فيهِ إشارةٌ إلى أنَّهُ تَكفي لِباذِلِ المعروفِ محبَّةُ اللهِ؛ لأنَّهُ منَ المُحسنينَ، حتَّى لوْ لمْ يَلتفِتْ إلى العَملِ الحَسَنِ أحدٌ منَ الخَلقِ.
رابعاً: إنَّ اللهَ سبحانَهُ يرى كُلَّ أعمالِ العبادِ، وهوَ يُحبُّ المُحسنينَ، فيُصبِحُ مَنْ يَفعَلُ المعروفَ بِحَدِّ ذاتِهِ، موردَ محبَّةِ اللهِ تعالى، الذي قالَ في كتابِهِ: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[3]، ومنَ الواضحِ أنَّ الإحسانَ في الآيةِ لمْ يُقيَّدْ بقيدٍ، ولمْ يُعلَّقْ على شرطٍ، وإنَّما يحبُّ اللهُ المُحسنينَ مطلقاً، وفي أيِّ حالٍ.
ولنا تمامُ الاعتبارِ بأهلِ بيتِ العصمةِ والطَّهارةِ في قولِهِ تعالى في سورةِ الإنسانِ: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾[4].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص505، الحكمة 204.
[2] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص265.
[3] سورة آل عمران، الآية 134.
[4] سورة الإنسان، الآية 9.