يتم التحميل...

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم بمناسبة يوم القدس العالمي

2025

29-03-2025

عدد الزوار: 33

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم بمناسبة يوم القدس العالمي ‏‏29-03-2025

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي ‏القاسم محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم ‏الدين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏

يوم من أجل التضامن مع كل المستضعفين

هذا اليوم هو يوم القدس العالمي، وهذه الكلمة هي بهذه المناسبة العظيمة التي أعلنها الإمام الخميني قدس الله ‏روحه الشريفة منذ 46 عامًا في سنة 1979، عندما أعلن الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك يومًا للقدس. ماذا ‏قال؟ قال قدس سره: "يوم القدس يوم عالمي، لا يختص بالقدس وحدها، وإنما هو يوم مواجهة المستضعفين ‏للمستكبرين، يوم مواجهة الشعوب الرازحة تحت نير الظلم الأمريكي وغير الأمريكي والقوى العظمى". ‏

إذاً، هذا اليوم هو يوم من أجل التضامن مع القدس المحتلة، ومن أجل التضامن مع كل المستضعفين في العالم ‏لمواجهة المستكبرين والمحتلين والمتآمرين والطواغيت الذين يحاولون قهر الشعوب. هذا يوم يمتد من فلسطين ‏إلى كل العالم، ولكن نقطته المركزية في فلسطين المحتلة.‏

إمامنا الخامنئي دام ظله قال: "القضية الفلسطينية بالنسبة لنا في الجمهورية الإسلامية ليست قضية تكتيك، ولا ‏هي حتى استراتيجية سياسية، إنما هي قضية عقيدية قلبية وإيمانية". هذا يُبيّن الأبعاد التي تأخذها قضية القدس ‏ويوم القدس. هنا من المهم جدًا أن نفهم أثر هذا اليوم في تاريخ منطقتنا، وفيما حصل خلال 46 سنة. لو أجرينا ‏مقارنة بين سنة 1979 قبل إعلان يوم القدس وبعد إعلان يوم القدس إلى يومنا هذا في سنة 2025، سنجد أن ‏تحولات كثيرة حصلت لمصلحة التحرير. كانت إيران الإسلام قبل ذلك هي إيران الشاه، كانت داعمة أساسية ‏لإسرائيل، وكانت شرطيًا للخليج وفزاعة للجميع بالتعاون مع الكيان الإسرائيلي. انقلبت، تحولت السفارة إلى سفارة ‏فلسطين، ولم يعد لهذه القوة الكبيرة الموجودة في منطقة الخليج أي دعم للكيان الإسرائيلي. وبدأت المقاومة ‏ودعم المقاومة بكل الإمكانات، إلى أن وجدنا أن التغيرات حصلت بشكل واضح.‏

المقاومة الفلسطينية متجذّرة
اليوم نحن أمام مقاومة فلسطينية متجذرة في داخل هذا الشعب، مقاومة مسلحة تريد أن تحرّر من البحر إلى ‏النهر. هذه المقاومة كانت موجودة بنسبة ما في فترة من الزمن منذ الاحتلال، ولكن حصل تطور كبير وتغيّر كبير ‏ودعم كبير جعلها تتقدم إلى الأمام للتمكن من صناعة طوفان الأقصى الذي حوَّل القضية الفلسطينية من قضية ‏كادت أن تكون في الزوايا إلى قضية على المستوى العالمي.‏
في لبنان، أصبحنا قوة مهمة كمقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي.‏
اليمن، إضافة نوعية لمصلحة مواجهة الكيان الإسرائيلي.‏
العراق، قدرة مهمة في مواجهة الغطرسة الأمريكية الإسرائيلية.‏
إذاً، هذه الشعوب في المنطقة، إضافة إلى المقاومات فيها، وإضافة إلى شعوب عديدة في منطقتنا وفي العالم، ‏تضامنت سياسيًا وإعلاميًا وثقافيًا وبالدعم المالي. كل هذا هو متغير حقيقي في القضية الفلسطينية.‏
اليوم لم يعد بالإمكان العودة إلى الوراء، نحن أمام تحول كبير سيؤدي آثاره بشكل مباشر.‏

"اسرائيل" غدّة سرطانية توسّعية
ثانيًا، إسرائيل غدة سرطانية توسّعية بيد الاستكبار الأمريكي. 75 سنة من التوسع داخل فلسطين وخارج فلسطين، ‏وكل ذلك بسبب الأهداف الإسرائيلية التوسعية، وكانت عندما تتراجع في مكان، فإنما تتراجع لأنها تواجه ضغطًا، ‏تواجه مقاومة، تواجه رفضًا. حتى مستوطنات الضفة الغربية تأكلها واحدة تلو الأخرى بشكل تريد من خلاله ‏السيطرة على الضفة الغربية أيضًا. يعني لا يوجد شيء اسمه أراضي 67 بالنسبة للكيان الإسرائيلي، لا يوجد شيء ‏اسمه فلسطين بالنسبة لهذا الكيان.‏

كل هؤلاء الشهداء الذين قدّموا وضحوا، زاد عددهم عن 51,000 شهيد وشهيدة من الرجال والنساء والأطفال ‏والمقاومين والمجاهدين والشعب الفلسطيني، مع الجرحى والأسرى، وكل هذه العذابات، كانت من أجل وضع حدّ ‏لهذا الكيان الإسرائيلي. هذا الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يُهزم، فهو صاحب حق، ونحن موعودون في كتاب الله ‏تعالى: " فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".‏

هذا إيماننا بأن النصر في نهاية المطاف لهذا الشعب الفلسطيني صاحب الحق بهذه الأرض.‏

مصلحتنا في تحرير لبنان وحمايته
ثالثًا، ما هو موقفنا كحزب الله؟
نحن نؤمن بأن هذه القضية الفلسطينية هي قضية حق، وهناك أربعة عناوين تجعلنا نتمسك بهذا الحق وبهذه ‏القضية:‏
العنوان الأول، نحن نؤمن بتحرير المقدسات، والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين: ‏‏"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ ‏السَّمِيعُ الْبَصِيرُ".‏
العنوان الثاني، نحن نؤمن بالحق. هؤلاء الجماعة لديهم حق، ويجب أن ننصر الحق. عندما يكون العالم منقسمًا ‏إلى قسمين، قسم مع الإيمان وقسم مع الكفر، أو قسم مع الحق وقسم مع الباطل، فعلينا أن نكون مع الحق.‏
العنوان الثالث: نحن نلتزم بالأمر الشرعي لقيادتنا المتمثلة بالإمام الخامنئي دام ظله، على نهج الإمام الخميني قدس ‏سره، وهذا الأمر الشرعي يتجاوز الحدود ويتجاوز الجغرافيا ويتجاوز كل الاعتبارات. هذا إيمان، هذا دين، هذا التزام.‏
العنوان الرابع، نحن نعتبر أن مصلحتنا في لبنان هي في نصرة المستضعفين في منطقتنا وفي نصرة فلسطين، وهذا ‏يرتد خيرًا على فلسطين وعلى لبنان وعلى كل المنطقة. وبالتالي، نحن مستفيدون، ولنا مصلحة في مواكبة هذا الحق.‏
لذا، نعلن بوضوح، على العهد يا قدس، دائمًا على العهد يا قدس، مهما بلغت التضحيات، ومهما كانت الصعوبات، ‏ومهما كانت التعقيدات.‏
لدينا إيمان بالمساهمة في تحرير فلسطين، ولدينا مصلحة في تحرير لبنان وحمايته في هذه المرحلة التاريخية ‏الحساسة. لقد اجتمع لدينا الإيمان والمصلحة. ‏

"اسرائيل" عدوّ توسعيّ
قدم حزب الله مساندة مهمة لفلسطين الأبية المحتلة، وللشعب الفلسطيني، ولغزة. هذا الدعم الذي قدمه حزب ‏الله تجلّى في أعلى مراتبه بشهادة سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، رضوان الله تعالى عليه، كتعبير أصيل ‏وثابت وحقيقي، بأننا مع فلسطين ومع القدس. فليكن معلومًا، لبنان ضمن لائحة الضم للكيان الغاصب، على ‏الأقل على مستوى جنوب لبنان، استيطانًا وتوطينًا. على مستوى الاستيطان جنوب لبنان، ولدينا التجربة التي ‏كانت موجودة بعد سنة 1982، جماعة سعد حداد ولحد، الذين كانوا يؤسسون منطقة تسمى "منطقة جنوب ‏لبنان الحر"، على قاعدة أن تكون جزءًا مفصولًا عن لبنان، من أجل أن تكون جزءًا لا يتجزأ من الكيان الإسرائيلي. ‏هذه التجربة موجودة، هذه تدل على الأهداف الإسرائيلية المباشرة، وهذا الهدف لا يزال موجودًا. ‏

إذًا، إسرائيل تريد أن تحتل، وتريد أن تأخذ من الأرض. وعلى كل حال، الزيارات التي قاموا بها لما يسمونه ‏‏"الصالحين" عندهم في منطقة الجنوب، في حولا وفي شمع، هذا كله من الدلائل على أنهم يبتغون التوسع. ألم ‏نسأل أنفسنا لماذا في سنة 1982 لم يخرجوا من لبنان إلا بالمقاومة بعد ثمانية عشر عامًا؟ مع وجود قرارات دولية ‏ومع وجود ضغوطات؟ لماذا؟ لأنهم يريدون الاحتلال ويريدون أن يتحكّموا بمصير لبنان، حتى يكون لديهم القدرة ‏على جعله مكانًا للتوطين، كجزء لا يتجزأ من تهجير الفلسطينيين من أرضهم إلى البلاد العربية المحيطة.‏

نحن واضحون في موقفنا، إسرائيل عدو توسعي، لن يكون لديها حدّ، وستتجاوز كل الحدود دائمًا. ومقاومتنا هي ردّ ‏فعل دفاعي، وحقٌّ مشروع، ويجب أن تستمر هذه المقاومة. نعم، المقاومة لا يمكنها أن تمنع الاعتداء بمعنى ‏الاعتداء، لكنها يمكنها أن تحبطه ويمكنها أن تمنعه من تحقيق أهدافه، وهذا ما حصل. لأن البعض يتساءل: إذا ‏كنتم تقولون إن المقاومة تريد إسقاط هذا العدو، لكن رأينا كيف أن هذا العدو استطاع في مرحلة من المراحل أن ‏يحتل جزءًا إضافيًا من الأرض. نقول: أتظنون أنّ هذه الاختلاف في القوة بيننا وبين العدو لن يكون له حساب؟ ‏بالتأكيد له حساب. لكن العبرة أين؟ هل استطاع هذا العدو أن يُحقّق الأهداف التي يريدها بهذه القوة مع التمايز ‏والتفاوت الكبير بقوة المقاومة التي لا تُقاس بقوة العدو؟ نقول: النتيجة لا، لم يستطع أن يُحقّق أهدافه، وهذا هو ‏الانتصار بالنسبة إلينا، أن تستمر المقاومة، ألا يتمكن العدو من تحقيق أهدافه، وهذا أمر مهم. لقد منعناه من ‏تحقيق أهدافه، ومع الزمن، ضربة بعد ضربة، مواجهة بعد مواجهة، استمرارية للمقاومة، نصل إلى نقطة مُعيّنة ‏تُسقط هذا الاحتلال إن شاء الله.‏

المقاومة هي التضحيات التي تُعبّد الطريق أمام النتيجة العظيمة، ونحن موعودون إن شاء الله من الله تعالى: "لَٰكِنِ ‏الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".‏

رابعًا، انظروا إلى أهداف العدو بوضوح، هناك ثلاثة أهداف رسمها في المنطقة، وخاصة في لبنان:‏
الهدف الأول: التوسع.‏
الهدف الثاني: إنهاء المقاومة.‏
الهدف الثالث: التحكم بمستقبل لبنان.‏
كل ذلك في إطار التوحش والعدوان، وبدعم من الطغيان الأمريكي المتوحش أيضًا. نحن واجهنا هذه الأهداف.‏
استطعنا أن نوقف إسرائيل عند حدّها. استطعنا أن نمنعها من أن تتقدم على الحدود لفترة من الزمن أثناء معركة ‏‏"أولي البأس". استطعنا أن نتوصّل إلى وقف إطلاق النار من خلال الدولة اللبنانية. هذا يعني أنّ هناك قدرة معينة ‏استطاعت أن تمنع إسرائيل من تحقيق الأهداف، فذهبت إسرائيل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ونحن وافقنا مع ‏الدولة اللبنانية.‏
مسؤولية الدولة اللبنانية إنهاء الاحتلال

منذ عقد اتفاق وقف إطلاق النار غير المباشر مع الدولة اللبنانية، أصبحت المسؤولية عند الدولة اللبنانية. ‏مسؤوليتها أن تُنهي الاحتلال. مسؤوليتها أن توقف العدوان. مسؤوليتها أن تضغط على الدول الكبرى التي رعت. ‏مسؤوليتها أن تفتش عن الأساليب المناسبة والطرق المناسبة لإنهاء الاحتلال. مسؤوليتها أن تخرج عن الدائرة ‏الدبلوماسية في لحظة معينة من أجل مواجهة هذا الاحتلال. على كل حال، هذه مسؤولية الدولة اللبنانية الآن. ‏

نحن كحزب الله التزمنا، التزمنا بالاتفاق بشكل كامل، لم يكن لدينا تواجد مسلح في جنوب نهر الليطاني، ولكن ‏إسرائيل لم تنسحب من كامل الأرض اللبنانية، وبقيت محتلة لنقاط، وإسرائيل تخترق وتعتدي في كل يوم، سواء ‏على الأفراد أو على الممتلكات أو على المناطق، سواء في الجنوب أو في البقاع أو في كل مناطق لبنان، وهذه كلها ‏سُميت في فترة معينة خروقات، لكن بعد ذلك لم تعد خروقات، لأنها عدوان تجاوز كل حدّ. ‏

كل التبريرات الإسرائيلية لا معنى لها، وكل شروط العدوان التي يتحدث عنها لا معنى له. هنا يوجد اتفاق، فلينفذ ‏الاتفاق كما نفذ لبنان الاتفاق. كل العالم يشهد أنّ لبنان نفّذ الاتفاق، لبنان مع مقاومته نفّذوا الاتفاق، لكن إسرائيل ‏هي التي لم تُنفّذ الاتفاق.‏

الآن يقولون إنهم يريدون أن يدخلوا إلى مسارات سياسية، لا يمكن أن نقبل بالتطبيع، ولا يمكن أن نقبل بهذه ‏المسارات السياسية التي تُحاول إسرائيل من خلالها أن تأخذ مكاسب تتجاوز بها الاتفاق وضوابط الاتفاق وما ‏حشرها فيه هذا الاتفاق لتحصل بالسلم على ما لم تحصل عليه بالحرب، هذا أمر غير ممكن. الحمد لله، أركان ‏الدولة اللبنانية، الرؤساء الثلاثة، كلهم الآن في مسار رفض هذا المسار التطبيعي.‏

لا يمكن أن نبقى متفرّجين
اليوم، إسرائيل هي في موقع العدوان، هذا العدوان يجب أن يوضع حدًّا له. لقد تجاوزت بأن قصفت الضاحية ‏الجنوبية لأول مرة منذ وقف إطلاق النار، وكذلك اعتدت على مناطق عدة في جنوب لبنان، وارتقى شهداء وجرحى، ‏وهناك أضرار في البنى التحتية وفي الأماكن المختلفة. لا يمكن أن نقبل أن يستمر هذا المنهج. إذا كانت تظن إسرائيل ‏أنها تصنع معادلة جديدة في أن تتذرع بذرائع واهية من أجل أن تقتل وأن تدخل إلى هذه الأماكن المختلفة، وأن ‏تعتدي على الضاحية والبقاع والجنوب، فهذا أمر مرفوض. على الدولة اللبنانية أن تتصدى، ما زال الوقت يسمح ‏بالمعالجة السياسية والدبلوماسية، لكن لا يمكن أن نقبل بأن تكون هناك معادلة تستبيح فيه إسرائيل لبنان وتسرح ‏وتمرح في أي وقت تريد ونحن نتفرج عليها. كل شيء له حدّ، وكل شيء له مجال معين، لا تستخفوا بما نقول، اعلموا ‏أن هذه المقاومة موجودة وحاضرة وملتزمة في هذه المرحلة بالاتفاق، لكن إذا لم تلتزم إسرائيل نهائيًا، ولم تتمكن ‏الدولة اللبنانية من القيام بالنتيجة المطلوبة على المستوى السياسي، فلن يكون أمامنا إلا أن نعود إلى خيارات أخرى ‏لا تنسجم مع الوضع الحالي، ولا تُكرّس المعادلة التي تريدها إسرائيل.‏

لتعلم إسرائيل أنها لن تأخذ بالضغط، ولا من خلال احتلالها للنقاط الخمس، ولا من خلال عدوانها المتكرر، ولا ‏من خلال جرائمها التي تحاول أن تستخدمها أن تُحقّق ما تريد، أبدًا، هذا أمر لا يمكن. مع وجود المقاومة لا يمكن، ‏مع وجود هذا الشعب لا يمكن، مع وجود هذا التماسك الداخلي المهم لا يمكن. لن نسمح لأحد أن يسلبنا حياتنا، ‏وأرضنا، وعزّتنا، وكرامتنا، ووطنيتنا، لن نسمح على الإطلاق. لن نسمح لأحد أن يحرمنا قوتنا وإمكاناتنا في مواجهة ‏هذا العدو.‏

على كل حال، هذه التجربة موجودة أمامكم، انظروا إلى النتائج، لسنا ضعفاء في مواجهة مشاريع أمريكا وإسرائيل. ‏إذا كُنّا صبرنا خلال المرحلة السابقة حتى الآن، فهو صبر الذي يريد أن يعطي الفرصة لحلول تُخفّف من الآلام ‏والضحايا. لكن إذا وصلنا إلى مرحلة يُصبح فيها العمل الإسرائيلي هو القتل والتدمير والاحتلال، فهل نبقى ‏مُتفرّجين؟ لا يمكن أن نبقى متفرجين.‏

على المسؤولين أن يعرفوا أن لكل شيء حدًّا، وأنّ هذا الحد لا نعلم متى يأتي ومتى نُقرّر، أمامكم فرصة من أجل أن ‏تزيدوا من الضغط، فإسرائيل مكشوفة وواضحة، هي تقوم بأعمال إجرامية وهذه الأعمال مرفوضة. ‏

هم يواجهون شعبًا مميزًا، كل العالم رأى عظمة هذا الشعب، رأى عظمة الشعب الفلسطيني، رأى عظمة الشعب ‏اللبناني، رأى عظمة هذه المقاومة.‏

عندما تكون هناك أم فقدت أربعة من أبنائها شهداء، وتقف بكل عزيمة وقوة، وتبدي استعدادها لإعطاء المزيد. ‏عندما تذهب أم إلى الجنوب لتبحث عن بعض آثار ولدها، وتفرح فرحًا كبيرًا عندما تجد بعض آثاره، فما هذا القلب ‏الكبير العظيم؟! وتقول في نفس الوقت إنها مستعدة للمزيد من التضحية، وتفخر بولدها وبعطاءاته وإمكاناته التي ‏قدّمها، وهي مستعدة للمزيد.‏

هذا الشعب الذي خرج يواجه بالصدر العاري. هذه المرأة المحجبة بالعباءة التي وقفت أمام الدبابات الإسرائيلية. ‏هذا الحشد المليوني الذي نافس كل حشود العالم أثناء تشييع السيدين الجليلين، حشد يُعبّر عن معنويات وقوة ‏واستعداد. هذا ليس حشدًا للتعزية العابرة، هذا حشد للولاء، وكان شعاره: "إنّا على العهد". ‏
رسائل من عدد من الإخوة المجاهدين

أتدرون؟ خلال الأسابيع الماضية، جاءتني عدة رسائل من عدد من الإخوة المجاهدين، يقولون: نحن مستعدون ‏لأي عمل استشهادي، ونريد الإجازة. فقلت لهم: تمهلوا، أنتم في قلب العمل الاستشهادي، اليوم المواجهة وما ‏يُقدّمه الشباب أمر عظيم جدًا. حتى سمعت بعض الإخوة يقولون: ذهبنا خلال أربعة وستين يومًا في معركة "أولي ‏البأس"، رفاقنا استشهدوا، ونحن لم نستشهد، حزنين لأنهم لم يستشهدوا، لماذا؟ هل لأنهم لا يحبون الحياة؟ بلا ‏يحبون الحياة، لكنهم لا يحبون أن تنتهي حياتهم إلا في أرض المعركة. هؤلاء الجماعة لديهم رؤية استشهادية، ‏لكنني أريد أن أقول لهؤلاء الشباب، دققوا في الآية الكريمة ماذا تقول: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم ‏بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ"، أي ليس فقط عندما تُقتل يكون لك مقام عظيم في ‏الجنة، بل أيضًا عندما تَقتُل يكون لك مقام عظيم في الجنة، أي مجرد مشاركتك في المعركة، مجرد وجودك في ‏المعركة، حتى ولو لم تُقتل فيها، فأنت في مصاف ومكانة هؤلاء الشهداء لأنك من المجاهدين في الخطوط الأمامية ‏في الدرجة الأولى.‏

هذا هو الشعب الذي لدينا، من يستطيع هزيمة هذا الشعب؟ من يستطيع مواجهة هذا الشعب؟ قال عنهم النبي ‏صلى الله عليه وآله وسلم، عندما كان يتحدث مع أصحابه: "إن من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه أجر خمسين ‏شهيدًا". قال سيأتي زمن يكون فيه الصابر المتمسك له أجر خمسين شهيدًا. فقالوا: يا رسول الله، خمسين شهيدًا ‏منّا أم منهم؟ فقال: "بل خمسين شهيدًا منكم." أي أنّ مكانة هؤلاء الموجودين اليوم هي مكانة عظيمة.‏

نحن شركاء في بناء الدولة
أختم بأمر له علاقة بوضع حزب الله في الداخل اللبناني. حزب الله وحركة أمل أنجزا نقلة نوعية للبنان بانتخاب ‏الرئيس التوافقي وبإكمال عقد الحكومة اللبنانية ومنحها الثقة وبالاندفاع المستمر من أجل بناء الدولة. نحن جزء لا ‏يتجزأ من شراكة وبناء هذه الدولة. حتى أريد أن أذكّركم بتاريخ 20/11/2024، أي قبل وقف إطلاق النار بستة ‏أيام، قلت في إحدى كلماتي، والبعض استغرب، قلت - وهنا أنقل النص -: "ثانيًا، سنقدم مساهمتنا الفعالة لانتخاب ‏رئيس للجمهورية من خلال المجلس النيابي بالطريقة الدستورية. ثالثًا، ستكون خطواتنا السياسية وشؤون الدولة ‏تحت سقف الطائف بالتعاون مع القوى السياسية". البعض تساءل حينها أننا في قلب الحرب، ولا نعرف ما الذي ‏سيحدث بعد ذلك؟ هل سنخرج من الحرب أم لا؟ عندما كُنّا نتحدث عن هذه الأمور أثناء الحرب، كنا نقول: نحن ‏مقاومة، ونحن بُناة الدولة في آنٍ معًا. حتى عندما نكون في عزّ المقاومة، نحن شركاء في بناء الدولة، وهذا يجب أن ‏يعرفه الجميع. لبنان لا ينهض إلا بجميع أبنائه، لا أحد يحاول التذاكي أو وضع العراقيل تحت عنوان أن هذه الفئة ‏نقيّضها وهذه الفئة نضربها وهذه الفئة نزعجها، لا. على هذا الأساس، حتى يستقر لبنان حقيقةً، ونستطيع أن نبني ‏الدولة، يجب القيام بعدة أمور بشكل أساسي:‏
أولًا، يجب أن تنسحب إسرائيل، وأن نكون جميعًا يدًا واحدة لتنسحب إسرائيل من دون قيد أو شرط، ومن دون ‏نقاش بأي موضوع آخر قبل هذا الانسحاب.‏
ثانيًا، يجب أن تبدأ الحكومة بمناقشة موضوع الإعمار دون ربط الإعمار بأي شيء أو أي شرط. من حق الشعب ‏اللبناني على دولته أن تعيد إعمار ما دمّره العدو الإسرائيلي. ألا يكفي أنّه قدّم تضحيات كبيرة من هؤلاء الناس، وأيضًا ‏نتركهم! لا. نعم، نحن كحزب الله سنكون إلى جانب الدولة، في المزيد من الدعم والمساندة.‏
ثالثًا، يجب أن نتابع جميعًا عملية الإنقاذ والإصلاح، ونعمل معًا إن شاء الله تعالى.‏

وهنا أود أن أُمرِّر ملاحظة، بما أننا نتحدث عن الموضوع العام. هناك أحداث حصلت على الحدود اللبنانية السورية، ‏وهناك أحداث تقع داخل سوريا، حيث تُرتكب مجازر بحق العلويين والمسيحيين وآخرين في داخل سوريا، ويحاول ‏بعضهم اتهام حزب الله، سواء في الداخل السوري أو على الحدود. لا علاقة لحزب الله بما يحدث في الداخل ‏السوري على الإطلاق، ولا علاقة لحزب الله بما يحصل من اعتداءات على الحدود اللبنانية السورية، والجيش ‏اللبناني هو المسؤول عن الدفاع عن حدود لبنان على الحدود اللبنانية السورية، وهذه وظيفة الدولة.‏

أختم بقولي: يوم القدس هو يوم نيل مرتبة الشرف، يوم دعم فلسطين، يوم العمل من أجل تحريرها. كل الشرف ‏والعظمة لفلسطين وغزة، للبنان، لإيران، للعراق، لليمن، للشعوب التي دعمت. والسلام عليكم ورحمة الله.‏

السبت 29-03-2025‏
‏28 رمضان 1446 هـ

2025-03-31