المسجد أوّل ثمار التمكين
طلائع القلوب
كان مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فترة الدعوة المكّية يُعلّم أهل بيته ومواليه في دار أمّ المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام، ويُعلّم أصحابه في منازلهم أيضاً إلى أن خُصّت دار الأرقم ابن أبي الأرقم لتجمُّعهم،
عدد الزوار: 758كان مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فترة الدعوة المكّية يُعلّم أهل بيته ومواليه في دار أمّ المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام، ويُعلّم أصحابه في منازلهم أيضاً إلى أن خُصّت دار الأرقم ابن أبي الأرقم لتجمُّعهم، ولم يكن المسجد الحرام ينال حظّه من التْعليم والتزكية، لصدّ المشركين فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإيذائهم له، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يُصلّي ويدعو الله فيه منفرداً، ويصبر على أذى أئمّة الشرك.
ولمّا هاجر المصطفى الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنوّرة تغيّر الحال عمّا كان عليه، وإنّ ممّا ينبغي الاهتمام به والتنبيه عليه ولفت النظر له أنّ رسول الله مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو معلّم الناس الخير بقوله وفعله وهدايته للناس فيما يهمّهم في أمر دينهم ودنياهم ومعاشهم ومعادهم - وهو الرؤوف بأمّته الرحيم بها-، كان أوّل عمل قام به صلى الله عليه وآله وسلم بعد هجرته إلى المدينة المنوّرة تأسيس المسجد لما له من رسالة سامية وغاية عظيمة، وهدف نبيل وعاقبة حميدة في الدنيا والآخرة، ومنه انطلقت جحافل الإيمان لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ملتزمة بملّة إبراهيم عليه السلام ودين مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم تتأدّب بآدابه، وتسير على نهجه القويم، وسيرته الفذّة المباركة الميمونة، وقد قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾[1]، فجعل الله تعالى الصلاة أول تطبيق متى تمّ التمكُّن، وكان المسجد النبويّ هو أول ثمار تمكين الله للمسلمين في الأرض، ومنه بدأ تاريخهم الحضاري، وكان الشريان المغذّي لدولة الإسلام في أطوار نموّها المختلفة.
على خطى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
على خطى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم درج المسلمون الأوائل، ومن خَلفهم من أهل الخير باهتمامهم بالمسجد وكانوا إذا أرادوا الإقامة في بلد من البلدان أول ما يشتغلون به بناء المسجد، لِما سمعوه وبلغهم من قول النبيّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: "ومن بنى لله مسجداً ولو - كمفحص قطاة[2]- بنى الله له بيتاً في الجنّة"[3].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث الذي أوردناه: "ولو كمفحص قطاة" أراد المبالغة في الصغر، حتى لا يحتقر أحد ما بناه من المساجد ولو في غاية الصغر، وقد يدخل في ذلك من ساهم في بنائه ولو باللبن أو الطين، أو عمل فيه بيده، أو دفع أجرة العاملين ونحو ذلك من العمل الذي يُنسب إلى صاحبه أنّه ساعد في بناء المسجد بنفسه أو ماله، احتساباً عند الله تعالى، وطلبَاً للأجر المترتّب على هذه الأعمال.
روى الإمام الكاظم موسى بن جعفر عن آبائه الكرام عليهم السلام عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "إنّ الله إذا أراد أن يُصيب أهل الأرض بعذاب، قال: لولا الّذين يتحابّون بجلالي، ويعمرون مساجدي، ويستغفرون بالأسحار، لأنزلتُ عذابي"[4].
* طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة الحج، الآية 41.
[2] المفحص في الأصل: الموضع الذي تبحثه القطاة "نوع من أنواع الطيور" لتجثم عليه أو لتبيض فيه، وإنّما قيل له: " مفحص" لأنّها لا تجثم فيه إلّا بعد أن تفحص التراب عنه، توطئة لمجثمها، وتمهيداً لجسمها.
[3] شيخ الطائفة أبو جعفر مُحمد بن الحسن الطوسي، الأمالي، ص183، حديث رقم 306، المجلس السابع، طبعة:1، دار الثقافة، قم، عن إبي قلابة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ورواه محمد بن حبان التميمي البستي، صحيح ابن حبان، ج4، ص490، طبعة:2، مؤسسة الرسالة، عن أبي ذر الغفاري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
[4] الحرّ العامليّ،وسائل الشيعة، ج5، ص205.