الخطاب الثقافي التبليغي رقم (41): هذا هو الخير
عن السيّدة الزهراء (عليها السلام): «خيرٌ للنساء أن لا يرَيْنَ الرجال، ولا يراهُنَّ الرجال».
تبيّن السيّدة الزهراء (عليها السلام) في كلامها الدرجة الأكمل في العلاقة بين الجنسَين، وتعالج مسألة الاختلاط، فإنِ استطاعت المرأة تجنّبه فهو خيرٌ لها؛ إذ إنّه يشكّل أرضاً خصبةً للانحرافات، وذلك عبر إزالة الموانع أمام النفس الأمّارة بالسوء والوساوس الشيطانيّة، فيصبح الإنسان فريسةً سهلةً لإبليس، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «النظر سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرةٍ أورثَت حسرةً طويلة».
ولا شكّ في أنّ الاختلاط بما يترتّب عليه من تواصل، يجعل المرء في مهبّ الخطر مع عدم مراعاة الضوابط الشرعيّة، ويساعد على تطوّر العلاقات، وكسر حواجز الحياء، والوقوع في المزاح والمفاكهة، عن أبي بصير، قال: كنتُ أُقرِئ امرأةً القرآن، وأعلّمها إيّاه، فمازحتُها بشيء، فلمّا قدمْتُ على أبي جعفر (عليه السلام)، قال لي: «يا أبا بصير، أيَّ شيء قلتَ للمرأة؟!»، فقلتُ بيدي هكذا، يعني غطّيتُ وجهي، فقال: «لا تعودنَّ إليها».
وإنّ مقتضى رعاية الضوابط الشرعيّة الالتزام بالآتي:
1. غضّ البصر: عن رسول الله (ص): «مَن ملأ عينَه من الحرام، ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلّا أن يتوب».
2. الحجاب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾.
3. عدم إظهار الزينة: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾.
4. الحياء: عن أمير المؤمنين (ع): «الحياء يصدّ عن الفعل القبيح».
5. تجنّب الخضوع في القول: فعلى المرأة المسلمة أن تبتعد عن الأساليب الّتي تتسبّب بفتنة المستمِع من الرجال، يقول تعالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفً﴾.
6. عدم الخلوة: عن رسول الله (ص): «لا يخلونّ رجلٌ بامرأة؛ فما من رجل خلا بامرأة إلّا كان الشيطانُ ثالثَهما».
وإنّ عدم الاختلاط لا يعني العزلة عن قضايا المجتمع، فإذا اقتضت الحاجة إلى المشاركة، فإنّه ينبغي ذلك، لكن مع مراعاة الضوابط، وقد اهتمّت السيّدة الزهراء (عليها السلام) بمحطّات مفصليّة للأمّة، فحضرَت معركتَي أحد والخندق، وخرجَت على الناس عقيب أحداث السقيفة ومنعها فدكاً، تخطب فيهم، مُسطِّرةً النموذج الأمثل في عمليّة التواصل حال الاختلاط، إذ رُوي أنّها (عليها السلام) خرجت، وقد «لاثَت [شدّت وربطت] خمارَها على رأسها، واشتملَت بجلبابِها، وأقبلت في لُمَّةٍ من حفدتها ونساء قومها، تَطَأ ذيولَها، ما تَخْرِم مِشْيَتُها مِشيَةَ رسولِ الله (صلّى الله عليه وآله)، حتّى دخلَت...فنيطَت [عُلِّقت] دونَها مُلاءَةٌ [إزار]، فجلسَت...».