يتم التحميل...

الخطاب الثقافي التبليغي رقم (39)

الخطاب الثقافي التبليغي

الثبات على الحقّ

عدد الزوار: 6

الخطاب الثقافي التبليغي رقم (39): الثبات على الحقّ

جاء في دعاء يوم الجمعة: «اللّهُمَّ ثَبِّتْنِي عَلى دِينِكَ ما أَحْيَيْتَنِي، وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي».

إنّ الثباتَ على الحقّ مطلبُ الإنسان المؤمن، يبذل جهده في الوصول إليه والبقاء عليه، بل إنّه يدعو الله عزّ وجل أن لا يزيغ قلبه، ولا يتحوّل عن الحقّ، ولا يعدل إلى غيره.

وإنّ مفهوم الثبات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفهم أمرين أساسيّين:

أوّلاً: الابتلاء، وأنّ ساحة الحياة الدنيا هي في حقيقتها ساحة ابتلاء وامتحان للإنسان، بل إنّ الابتلاء أمر طبيعيّ وضروريّ لتكامل الفرد والأمّة، وجعلهما على مستوى التحدّيات مهما تعاظمت.

قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾، وقال أيضاً: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، وقال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.

فمسألة الثبات تتلازم تلازماً أكيداً مع الأخطار والتحدّيات التي تواجهها الأمّة، وكلّما اشتدّت هذه التحدّيات، كلّما احتاجت الأمّة إلى الرجال الأشدّاء الثابتين في إيمانهم والراسخين على مواقفهم، عن الإمام الحسين (عليه السلام): «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون».

ثانياً: وضوح التكليف والالتزام به؛ فمن أكبر الأمراض التي قد تصيب الإنسان أن يضعف أو يتهاون أو يرى أنّه تكليف بما لا يُطاق أو يرضخ للمغريات الدنيويّة وسوى ذلك، بل ينبغي أن يبقى واعياً لحركة الابتلاء في حياته، مشخّصاً تشخيصاً دقيقاً لتكليفه، وملتزماً به التزاماً فعليّاً.

ومن أبرز شواهد الثبات على الحقّ، ثبات رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو يجيب قريش عبر عمّه أبي طالب قائلاً: «يا عمّاه، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتّى يُظهِره الله أو أهلك فيه، ما تركته».

ويؤكّد أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ عدم الثبات على الهدى والإيمان يفتح على الإنسان أبواباً أخرى من البلاء أشدّ وأصعب عليه من موضوع الثبات نفسه، فيقول (عليه السلام): "لا يترك الناس شيئاً من دينهم لإصلاح دنياهم، إلّا فتح الله عليهم ما هو أضرّ منه".

2024-11-20