يتم التحميل...

المؤمنُ والدنيا

ذو القعدة

عدد الزوار: 260

عنِ الإمامِ الرضا (عليه السلام): «إِنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَالْقَبْرَ بَيْتُهُ، وَالْجَنَّةَ مَأْوَاهُ، وَالدُّنْيَا جَنَّةُ الْكَافِرِ، وَالْقَبْرَ سِجْنُهُ، وَالنَّارَ مَأْوَاهُ»[1].

وردَ مستفيضاً عنِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) وأهلِ بيتِهِ (عليهم السلام) وصفُ هذهِ الدنيا بما هيَ عليهِ، تنبيهاً للناسِ منَ الاغترارِ بها، والانقيادِ إلى ما تتزيّنُ بهِ لهم، ومنْ ذلكَ وصفُها بأنَّها سجنٌ للمؤمنِ، وفي المرويِّ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) بيانٌ لهذا التشبيهِ للدنيا بالسجنِ: «وإنَّما صارَتِ الدُّنيا لِلمُؤمِنِ سِجناً؛ لِأَنَّ المَسجونَ مُضطَرٌّ إلَى الصَّبرِ»[2]، والصبرُ فيها متنوِّعٌ؛ فصبرٌ على البلاءِ، وصبرٌ على الطاعةِ، وصبرٌ عنِ المعصيةِ.

وفي معرفةِ حقيقةِ هذهِ الدنيا تسليةٌ للعبدِ عمّا يُصابُ فيها منْ بلاءٍ، كالفقرِ ونحوِهِ، ففي الروايةِ عنْ محمَّدٍ بنِ عَجلانَ: كُنتُ عِندَ أبي عَبدِ اللهِ الصادقِ (عليه السلام)، فَشَكا إلَيهِ رَجُلٌ الحاجَةَ، فَقالَ لَهُ: «اِصبِرْ، فَإِنَّ اللّهَ سَيَجعَلُ لَكَ فَرَجاً»، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ ساعَةً، ثُمَّ أقبَلَ عَلَى الرَّجُلِ، فَقالَ: «أَخْبِرْنِي عَنْ سِجْنِ الكوفَةِ، كَيفَ هُوَ؟» فَقالَ: أصلَحَكَ اللّهُ! ضَيِّقٌ مُنتِنٌ، وأهلُهُ بِأَسوَإِ حالٍ! قالَ (عليه السلام): «فَإِنَّما أنتَ فِي السِّجنِ، فَتُريدُ أن تَكونَ فيهِ في سَعَةٍ؟! أما عَلِمتَ أنَّ الدُّنيا سِجنُ المُؤمِنِ»[3].

بلْ إنَّ المؤمنَ الّذي عرفَ أنَّ حقيقةَ الدنيا هيَ في وصفِها بالسجنِ، كانَتْ غايةُ شوقِهِ الخروجَ منها، ولقاءَ ربِّهِ، وقدْ رُويَ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «هَبَطَ إِلَيَّ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، الْحَقُّ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: إِنِّي أَوْحَيْتُ إِلَى الدُّنْيَا أَنْ تَمَرَّرِي وَتَكَدَّرِي وَتَضَيَّقِي وَتَشَدَّدِي عَلَى أَوْلِيَائِي، حَتَّى يُحِبُّوا لِقَائِي، وَتَيَسَّرِي وَتَسَهَّلِي وَتَطَيَّبِي لِأَعْدَائِي، حَتَّى يُبْغِضُوا لِقَائِي، فَإِنِّي جَعَلْتُ الدُّنْيَا سِجْناً لِأَوْلِيَائِي وَجَنَّةً لِأَعْدَائِي»[4].

وحُكيَ أنّ أحدَ الحكماءِ منْ أهلِ الإيمانِ، ممَّنْ كانَ موفورَ الرزقِ في هذهِ الدنيا، خرجَ في فاخرِ ثيابِهِ، فلقيَهُ كافرٌ شديدُ الفقرِ كثيرُ المصائبِ، فقالَ للحكيمِ: تروونَ عنْ نبيِّكُم أنَّ الدنيا سجنُ المؤمنِ وجنَّةُ الكافرِ، وإنّي لا أراكَ في سجنٍ، ولا أرى نفسي في جنَّةٍ! فأجابَهُ الحكيمُ: إنَّكَ لوْ قايسْتَ ما أعدَّ اللهُ لأهِل الإيمانِ منَ النعيمِ المقيمِ، لكانَ ما تراهُ منَ الدنيا الّتي أُعطيَتْ لنا سجناً، ولوْ قايسْتَ ما أَعدَّ اللهُ لأهلِ الكفرِ والضلالِ منَ العذابِ والجحيمِ، لعلمْتَ أنَّ الدنيا الّتي أنتَ فيها، معَ ما فيها منْ عذابٍ، هيَ جنَّةٌ أمامَ تلكَ.

ومِنْ أعظمِ ما ينتظرُ المؤمنَ عندَ خروجِهِ منْ هذهِ الدنيا هوَ أنْ يجمعَهُ اللهُ معَ آلِ محمَّدٍ (عليهم السلام)، ففي المرويِّ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي اللَّهِ، حُشِرَ مَعَنَا، وَأَدْخَلْنَاهُ مَعَنَا الْجَنَّةَ»[5].

نباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرجَهُ) ولوليِّ أمرِ المسلمينَ وللمجاهدينَ جميعاً ذكرى ولادةِ الإمامِ عليٍّ بنِ موسى الرِّضا (عليه السلام)، في 11 ذي القِعدةِ منَ العامِ 148 للهجرةِ.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1]  الإمام عليّ بن موسى (عليه السلام)، الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، ص339.
[2]  ابن شيرويه الديلميّ، مسند الفردوس، ج2، ص230.
[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص250.
[4]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج78، ص194.
[5]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج46، ص202.

2024-05-16