يتم التحميل...

هل العلم وسيلة أم غاية؟

الإنسان والحياة

إنّ الالتفات إلى نقطة معيّنة تحلّ لنا المسألة بحيث نستطيع أن نُدرك منظور الإسلام، وذلك بمعرفة ما إذا كان الإسلام ينظر إلى العلم كهدف أو كوسيلة.

عدد الزوار: 527

إنّ الالتفات إلى نقطة معيّنة تحلّ لنا المسألة بحيث نستطيع أن نُدرك منظور الإسلام، وذلك بمعرفة ما إذا كان الإسلام ينظر إلى العلم كهدف أو كوسيلة.

لا شكّ أنّ بعض العلوم هدف بذاته. كالمعارف الربوبية، ومعرفة الله وما يتعلّق بذلك، كمعرفة النفس والمعاد. فإذا تجاوزنا هذه، تكون العلوم الأُخرى وسائل لا أهدافاً. أي إنّ ضرورة علم ما وفائدته لا تتحدّد بمقدار أهمّيته كوسيلة لتحقيق عمل أو وظيفة، فكلّ العلوم الدينية، باستثناء المعارف الإلهيّة، كعلم الأخلاق، والفقه والحديث، تدخل في ذلك المعنى، أي إنّها كلّها وسائل، وليست أهدافاً، ناهيك عن العلوم الأدبية والمنطق التي تُدرس في المدارس الدينية كمقدّمات.

ولهذا يرى الفقهاء في اصطلاحهم أنّ وجوب العلم وجوب مقدّمي، أي أنّ وجوبه متأت من كونه يُعدّ المرء ويُهيّؤه للقيام بعمل ما متّفق مع منظور الإسلام، حتى إنّ تعلّم المسائل العلمية في الأحكام ومسائل الصلاة والصوم والخمس والزكاة والحج والطهارة، ممّا هو مذكور في الرسائل العملية، ليس إلّا لكي يكون الإنسان متهيّئاً لأداء وظيفة أُخرى أداءً صحيحاً. فالمستطيع الذي ينوي الحج يجب أن يتعلّم ما يتعلّق بأحكامه لكي يكون مستعدّاً لأداء مناسك الحج على وجهها الصحيح.

وبعد أن نُدرك هذا علينا أن نُدرك أمراً آخر، وهو: أيّ دين هو الإسلام؟ ما أهدافه؟ ما المجتمع الذي يُريده؟ ما مدى اتساع المنظورات الإسلامية؟ هل اكتفى الإسلام بهذا العدد من المسائل العبادية والأخلاقية؟ أم إنّ تعاليم هذا الدّين قد اتّسعت لتشمل كلّ شؤون حياة البشر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وإنّ له في ذلك أهدافاً يبغي تحقيقها؟ هل الإسلام يُريد المجتمع مستقلّاً، أم لا يعنيه إنْ كان مستعمَراً محكوماً؟ ما من شكٍّ في أنّ الإسلام يُريد مجتمعاً مستقلّاً، حرّاً، عزيزاً شامخ الرأس، مستغنياً عن الآخرين.

وثمّة أمر ثالث لا بدّ من معرفته والاطّلاع عليه، وهو أنّ العالَم اليوم يدور على العلم، وإنّ مفتاح كلّ شيء هو العلم والمعرفة الفنّية، وإنّنا بغير العلم لا نستطيع خلق مجتمع غني، ومستقل، وقوي، وحرّ، وعزيز. وهذا يؤدّي بنا إلى الاستنتاج بأنّ من الواجب والمفروض على المسلمين في كلّ زمان، وعلى الأخصّ في زماننا هذا، أن يتعلّموا ويُتقنوا كلّ علم من العلوم التي تكون وسيلة للوصول إلى الأهداف السامية المذكورة.

وعلى هذا الأساس، نستطيع اعتبار جميع العلوم النافعة علوماً دينية، كما نستطيع أن نعرف أيّ العلوم من الواجبات الكفائية وأيّ العلوم من الواجبات العينيّة، وكذلك نستطيع أن نعرف أنّ علماً من العلوم يُمكن أن يكون في وقت ما من أوجب الواجبات، ولا يكون كذلك في وقت آخر. وهذا بالطبع يتعلّق بميزان ذكاء الأشخاص الذين يكونون من المجتهدين في كلّ زمان ويستنبطون الأحكام لذلك الزمان.


الإنسان والحياة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

2024-04-18