يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلاد

2024

بتاريخ 03/04/2024م.

عدد الزوار: 222

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلاد، بتاريخ 03/04/2024م.

بسم الله الرحمن الرحيم[1]

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهُداة المهديّين المعصومين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.


أرحّب بكم أشدّ الترحيب أيّها الإخوة الأعزاء، والأخوات الكريمات، والمسؤولون المحترمون، ومديرو البلاد البارزون. بدايةً أعرب عن شُكري لكلمة جناب السيّد رئيسي، رئيس الجمهوريّة المحترم؛ فقد قدّم توضيحات جيّدة. نأمل، إن شاء الله، أن يجزيه الله الأجر، ويُعينه، ويُعطيه القوّة، والتوفيق، ليواصل الطريق، إن شاء الله، على هذا النحو.

سأتحدث بكلمة حول شهر رمضان - الذي لم يبق منه إلا بضعة أيام، و[ينبغي] أن نعرف قيمة شهر رمضان - ومن ثمَّ سأعرض لمسألة أو مسألتين حول القضايا الجارية للبلاد.

شهر رمضان هو شهر مبارك بكلّ ما في الكلمة من معنى. وليس تعبير «شهر مبارك» تعبيراً مجاملاتيّاً؛ فهذا الشهر هو شهر مبارك بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ أي إن هذا الشهر يُنمّي من مختلف الجوانب الاستعدادات المعنويّة الباطنيّة للإنسان ويرتقي بها. ويرفع الإنسان والفرد عالياً في بُعد إنسانيّته وإلهيّته. ولا شكّ في أنّ تَعالِي الأفراد يُفضي إلى تعالي المجتمع. وإنّنا قلنا من جوانب مختلفة، أي من ناحية الصوم، ومن ناحية تلاوة القرآن - وهو ما جرى تأكيده في هذا الشهر، لحثّ الناس عليه ومضاعفة ثواب التلاوة - ومن ناحية التضرّع والأدعية والمناجاة التي وردت في هذا الشهر، ومن ناحية ليلة القدر التي هي فرصة مهمّة بنحو فائق فهي ﴿خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾[2]، ومن جوانب مختلفة. مثلاً، من حيث الصوم؛ فصوم شهر رمضان ترفع قدرة الإنسان على التمنُّع إزاء الشهوات النفسانيّة؛ وهذا أمر بمنتهى الأهميّة. فالشهوات النفسانيّة لا تنضب ولا نهاية لها، وبقدر ما يستجيب لها الإنسان بقدر ما تزداد تلك الرغبة وتوقُّعاتها وانتظاراتها. لذلك يجب أن يكون الإنسان قادراً على إيقاف هذه الشهوات، والصّوم يمنح الإنسان هذه [القدرة]؛ [فهو] تمرين تقوية الإرادة، وتقوية الروح، وكبح شهوات النفس التي لا تنتهي. وهذه وسيلةٌ للتسامي.

وتلاوة القرآن لمن يتدبّرون فيه، هي بمعنى الاتّصال ببحر المعارف الإسلامية الذي لا ساحل له. وحاجاتنا الدائمة هي لهذا، وهو أن يتسنى لنا تعزيز المعارف الإلهيّة في قلوبنا، وأن نرفع مستوى معرفتنا ورؤيتنا. ف﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾[3] هذه، الشطر الأعظم لهذا ﴿الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ هو هذه المعارف القرآنية الموجودة في نفس الإنسان. والأدعية الواردة في شهر رمضان - في سحره ولياليه وأيّامه، وفي أيّامٍ خاصّة من قبيل اليوم الأول منه، وما شابه - تغمر قلب الإنسان بذكر الله؛ [فإذا] قرأ الإنسان هذه الأدعية بإقبال، فإنّها تخلق فيه الذِّكر والتوجُّه إلى الله بنحو مطلوب. ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[4]؛ وأساس ميزة الصلاة، بناء على هذا التعبير للآية الشريفة، هو الذّكر الإلهي، وذكر الله، الذي هو أساس السعادة والتقدّم والرُّقي والابتعاد عن المعصية.

وليلة القدر هي ليلة المصير. وبوسع الإنسان في شهر رمضان، بالترافق مع إيقاع ليلة القدر أن يؤثّر في مصيره؛ وليس هذا بالشيء اليسير، إنّما هو بمنتهى الأهميّة، إن كان هناك طلب حقيقي؛ إذ إنّ الضّروري في هذه الليالي هو حالة الطلب، ووجع الطلب. ولا شك أنّ ليلة القدر هي استثناء بين كل ليالي السّنة، ولسائر ليالي شهر رمضان أيضاً هذه الميزة بنحو أو بآخر.

وهذه أمور تبني عقل الإنسان وذهنه وكذلك قلبه، وتجعله عامراً، وتُجلّيه وتصقله. وعندما تتحقّق هذه الأمور في الفرد، تترك أثرها في المجتمع. فالهويّة الجَمعيّة للمجتمع تتأثّر بهويّة الأفراد وآثارهم في المجتمع. وإذا استطعنا أن نُصلح أنفسنا، يزداد تأثيرنا بالنسبة نفسها في المجتمع؛ هذه هي [طبيعة] تقوية النفس.

ولا بدّ أنّ هذه الجوانب هي ابتداءً فردية وهي بالواسطة اجتماعيّة، لكن عدا عن ذلك، شهر رمضان هو شهر اجتماعي، وشهر مساعدة الآخرين، وشهر الإحسان، وشهر المودة، وشهر [تقديم] الإفطار، وليس المراد من تأكيد تقديم الإفطار بتقديمه للمستحقين فقط. إن التواصل بحد ذاته، ومدّ يد العون، والمواساة والشعور بهذه الأمور كلّها من خصوصيات شهر رمضان.

إذن، شهر رمضان فرصة فائقة من أجل الترميم. نحن نُصاب طوال السّنة بجروحٍ في روحنا وفي نفسنا. وكل معصية تُحدِثُ جُرحاً؛ مثل جروح البدن، فهي تُحدث في روح الإنسان جُرحاً، وتُحدث مرضاً؛ وشهر رمضان - الذي هو شهر الاستغفار - هو شهر ترميم هذه الجراح السنويّة. ينبغي أن نتمكّن، إن شاء الله، من مغادرة هذا الشهر بروح سليمة: «إنْ لم تكُن غفرتَ لنا فيما مضى من شهرِ رمضان فاغفر لنا فيما بقي منه»؛ فهو شهر الاستغفار.

ومسألة الاستغفار والتوبة هذه هي في المعارف الإسلاميّة حقيقةً بمنتهى الأهميّة، وهي لا تختصّ بالقضايا الشخصيّة؛ فالتّوبة في الذّنب الشخصي بحث، والتّوبة في الذّنب الجَمْعِيّ أيضاً بحث [آخر]. [يقول] في القرآن: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾[5]؛ هذا ذنب اجتماعي. إي عندما يُرتكب الذّنب الاجتماعي، ينبغي على أفراد المجتمع أو من هم مؤثّرون في خلق هذا الذّنب، ومؤثّرون في إيجاد هذا الوضع، أن يستغفروا، وينبغي أن يتوبوا. ولا شك أنّ الاستغفار والتوبة يُرمّمان الفرد كما يُرمّمان المجتمع. وكذلك فالاستغفار والأوب والتّوبة هي في كل مضمار بما يتناسب وذلك المضمار. فلو فرضنا أننا ارتكبنا خطأً في مسألة ثقافية، أو مسألة سياسيّة، أو خطوة عسكريّة، واشتبهنا - إمّا عن غفلة، أو أحياناً على أثر الكسل، وعدم الانتباه، وعدم القيام بما هو في عُهدتنا، وإنجازه واجبٌ - عندما يحدث جُرحٌ اجتماعي بهذه الصّورة، فالاستغفار منه يكون بأن نتوب، ونؤوب، ونُصلح. انظروا، [يقول] في القرآن: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا﴾[6]. ويوجد في عدة مواضع من القرآن بعد «تَابُوا» «وَأَصْلَحُوا»؛ هذا ويوجد أيضاً في موضعٍ بعد «وَأَصْلَحُوا» ﴿وَبَيَّنُوا﴾[7]، ويوجد في موضعٍ ﴿وَاعْتَصَمُوا﴾[8]؛ أي يجب أن يترافق الأوب والتوبة مع الإصلاح. عندما يُرتكب عمل خاطئ، وعندما نؤوب، ونستغفر، ونطلب من الله المتعالي العفو، علينا أن نسعى أيضاً لمحو آثار وتبعات ذلك الخطأ. وكذلك، ليس المقصود من الخطأ، الخطأ الفقهي في مقابل العمد؛ إنّما يعني العمل السيئ، العمل الخاطئ؛ من قبيل الأخطاء الشخصيّة؛ خذوا مثلاً الغيبة، أو الكذب، أو إلصاق التّهمة، فهي خطأ؛ وعندما نتوب، ينبغي أن نُعوّض، ونُصلح، ونزيل أثر ذلك وتَبِعته؛ ينبغي أن نزيل تلك التّبعات التي ترتّبت على هذا الخطأ. والأمر هو كذلك بعينه في القضايا الاجتماعيّة أيضاً.

يقول في القرآن: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾[9]. أَوَلا تقولون: نريد بلداً قويّاً؟ وتقولون: نريد أن نكون أقوياء؟ جيّد جداً، ﴿يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾؛ الاستغفار والتّوبة يُقوّيانكم؛ أي العودة عن الخطأ. فالخطأ يُوجب التضعيف، والعودة عن الخطأ تُوجب التقوية؛ ﴿يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾. والأمر هو كذلك في كلّ حالة؛ فهو هكذا في القضايا الشخصية، وهو هكذا في القضايا الاجتماعيّة أيضاً. تَقوى روح الإنسان بالاستغفار في القضايا الشخصيّة، ويَقوى المجتمع بالاستغفار في القضايا الاجتماعيّة أيضاً. نحن مسؤولي المجتمع - وأنتم مديري البلاد - وقضايانا، وسلوكيّاتنا، وأفعالنا، وأقوالنا، ومواقفنا، تؤثّر في وضع البلاد؛ فإن ارتُكب خطأ، فهذا هو حلُّه؛ حلُّه هو الاستغفار.

طبعاً ليس الاستغفار قولاً باللسان وحسب، وهذا واضحٌ؛ أي ينبغي أن يكون هذا المعنى بيّناً؛ فلا نقول مثلاً في ليلة القدر أو في غيرها من الليالي أو في صلاة الليل: «أستغفر الله ربّي وأتوب إليه»؛ ليس هذا وحسب. إنّما ينبغي أن نعرف الخطأ، ونعلم أنّنا أخطأنا؛ فإن كنّا لا نعلم ذلك، فمن الطبيعي أنّ الاستغفار بالمعنى الحقيقيّ، والتّوبة بالمعنى الحقيقيّ لا يتحقّقان. فلنعرف الخطأ؛ ولنبنِ على أنّ هذا خطأ، ولنعزم على العودة عن هذا الخطأ، وعلى أن نكون ساخطين من الخطأ الذي ارتكبناه؛ فهذا هو [الاستغفار]؛ وإلّا فإن لم يكن ذلك، فلا معنى للاستغفار. وكما يقول الشاعر:
السُّبحة على اليد، والتّوبة على الشفاه، والقلب عامرٌ بالتّوق إلى الذّنب
وتأخذ المعصيةَ الضِّحكةُ من استغفارنا
[10]

حسناً، هذه هي كلمتنا الأولى. برأيي، نحن بما أنّنا مسؤولو البلاد، حاجتنا أكبر إلى هذه التنبيهات؛ كلُّنا، وفي أيّ موقع كنّا في حاجة إلى أن ننتبه، ولا نشتبه، ولا نرتكب خطأ، ولنعلم أنّ آثار أخطائنا تختلف عن أخطاء الناس العاديّين.

ما كنت قد دوّنته [فيما يخص قضايا البلاد] لأقوله للإخوة والأخوات والحاضرين الأعزاء، أوّلاً هو موضوع الاقتصاد وشعار هذا العام[11]. طبعاً، قدّم السيّد رئيس الجمهوريّة توضحيات جيّدة، وبحمد الله، ثمّة سعي جدُّ جيّد ومتراكم آخذٌ بالتحقُّق؛ وللحقّ والإنصاف إنّ الإنسان ليرى هذا، وبالمعنى الحقيقي للكلمة فالعمل آخذ بالتحقُّق. ومع ذلك، فإنّنا بحاجة للعمل أكثر من ذلك؛ أي علينا أن نعمل أكثر حتى نتمكن من بلوغ المستوى المطلوب، أو أقلّه القريب من المطلوب.

وليست حقائق الاقتصاد بالمستوى نفسه في البلاد؛ فهناك حقائق مريرة، وهناك حقائق حُلوة. والشطر المرير المتعلّق بالاقتصاد هو غلاء [الأسعار]، وعدم استقرار السوق، وانخفاض قيمة العُملة الوطنية، والفروق الطبقيّة؛ فهذه بطبيعة الحال الأبعاد المريرة للقضيّة.

والبعد الحلو المتعلق بالاقتصاد، هو النشاطات الواسعة [المتعلّقة] بالبنية التحتيّة، والآخذة بالتحقّق، وستظهر نتائجها في المدى المتوسط، وليس على المدى البعيد جداً؛ [مثل] تشغيل عدد معتدّ به من المؤسسات المتوقّفة جزئياً أو المتوقّفة [بالكامل]، تحقيق الإنتاج، وخلق فرص العمل؛ فكما قدّموا لي تقريراً، ربما أُعيد تفعيل أكثر من ثمانية آلاف مؤسسة ووحدة إنتاجيّة كانت متوقّفة كلياً أو جزئياً؛ وهذه هي الحقائق العذبة. ووجود آلاف المجموعات الشابّة في إطار الشركات القائمة على المعرفة؛ وهذه ظاهرة جدّ مطلوبة وقد ازدادت؛ أي آلاف المجموعات الشابّة، المتحفّزة، التوّاقة، القويّة، التي يحدوها الأمل، آخذة بالعمل والسعي في هذه المجموعات القائمة على المعرفة؛ وهي تقدّم منتجات جديدة، وخدمات جديدة أيضاً؛ هذه هي حقائق الاقتصاد العذبة. وهي تترك آثارها بالتدريج على وضع البلاد.

وظهور المؤسسات القويّة في القِطاع الشعبي والقِطاع الخاص، والذي شاهدنا أُنموذجاً منه في المعرض الذي أقاموه ها هنا في شهر بهمن الماضي[12]. وللإنصاف فقد ظهرت مؤسسات قويّة، وفاعلة، وبإبداع، وتأثيرها [مهمٌ] في تقدّم إنتاج البلاد ونموّ إجمالي إنتاج البلاد، وبالطبع، فهي تترك أثراً بالتدريج في معيشة الناس، ولا شك أنّي سأقدّم لاحقاً توضيحاً في هذا المجال. هذه هي الحقائق الحلوة. طبعاً، كما ذكرنا، المتوقع هو أكثر من ذلك، وإن شاء الله تتمكن الحكومة الراهنة من حلّ كثيرٍ من هذه العُقد، بالسعي الذي تبذله.

هناك نقطة في ما يخص الاقتصاد يجب أن تكون دائماً موضع اهتمام المسؤولين، وهي توقعات الناس في أن يكون للقرارات والمبادرات التي يتّخذها مسؤولو البلاد في القضايا الاقتصادية، الأثر الواضح والملموس في معيشتهم؛ هذا ما ينتظره الناس. فلنسعَ لتحقيق هذه التوقعات والتي هي في محلّها. وإنّنا نقول «توقّع في محلّه» فذلك لأجل هذه النقطة التي أشار إليها السيّد رئيس الجمهوريّة أيضاً: «القُدُرات الفائقة للبلاد»، وقد دوّنت بضعة موارد، ووفقاً للأرقام التي قدّموها لي، فهي برأيي جديرة بالاهتمام؛ سواء القُدرات الطبيعية أو قُدرات القوّة البشريّة.

في القُدرات الطبيعيّة، عدد سكان بلادنا تقريباً واحد بالمائة من عدد سكان كل العالم، غاية الأمر أنّ نصيبنا، وبلادنا من الموارد الطبيعيّة [يُعادل] نحو سبعة بالمائة ممّا في العالم؛ أي إنّ مواردنا الطبيعيّة هي أكثر بسبعة أضعاف بالنسبة إلى عدد سكاننا من موارد العالم كلّه؛ وهذه فرصة بمنتهى الأهميّة، ما عدا النفط والغاز - نعم، إنّ أحد عناصر مواردنا الطبيعية المهمّة هما النفط والغاز، لكنّها لا تقتصر عليهما - فيوجد في البلاد 64 نوعاً من المواد المعدنيّة من قبيل النحاس والرصاص، والفحم الحجري، وما شابهها، وهي تُستعمل، وكذلك فإنّ مصادرها غنيّة وغزيرة جداً. وتصلنا أحياناً تقارير لافتة وممتازة أيضاً عن بعض الموارد، وطبيعي أنّ مختلف مسؤولي البلاد يعملون عليها.

فيما يتعلّق بالأمور الزراعيّة، وبحسب التقرير الذي قُدّم لي، يوجد في البلاد نحو 37 مليون هكتار من الأراضي المؤهّلة للزراعة؛ 37 مليون هكتار من الأراضي المؤهّلة للزراعة هي [مساحة] ضخمة! يُقال أحياناً إنّ الماء قليلٌ في البلاد؛ وهذا صحيح، فبلادنا ليست ذات وفرة في الماء، ولكن ثمّة أساليب - وهي أساليب مجرّبة - يمكن مع هذا الماء الموجود، تأمين كل هذه الإمكانات الزراعيّة للبلاد، وريّها وإنعاش الزراعة بحق، وإنماؤها، والتقدّم بها. الزراعة أيضاً موضوع بمنتهى الأهميّة في البلاد. حتى في الوقت الراهن، نحن في المراتب العليا والأولى في العالم في إنتاج بعض المحاصيل - في إنتاج الإسمنت، وفي إنتاج الفولاذ - وذلك في الوقت الذي يوجد فيه كلّ هذا التشدّد العالمي، وكل هذا الحظر، وهذه القيود وما شابه. على الرغم من هذه القيود، إن من عرّضوا البلاد للحظر، توقّعوا لإنتاج البلاد الركود أو ما يشبه الركود. ولم يحصل ذلك؛ فإنتاجنا اليوم للفولاذ في مستوى عال جداً، في المرتبة ما دون العشرة، وكذلك الإسمنت، وكذلك بعض المحاصيل الصناعية الأخرى أيضاً. وهذا يتعلّق بالقُدرات الطبيعية للبلاد، والتي هي عاليّة جداً.

وبالنسبة للقدرات البشريّة برأيي، هي أهم من هذا أيضاً؛ أي [لدينا وضع جيد] من ناحية القدرة البشريّة. أحد المؤشرات، هو القدرة العامّة للشعب الإيراني والتي قد ذكرتها مراراً، وهي تستند إلى وثائق معتبرة: فمعدّل الذكاء الإيراني، هو أعلى بكثير من معدّل الذكاء العالمي وإمكانات شبابنا، وقدراتنا عالية. وهذا ما يُذهل العالم الآن في حالات متعدّدة - مثلاً في المنتجات العسكرية - على الرغم من كل المعاناة، من مثيل هذا الحظر وهذه القيود، توصلنا إلى صناعة مُنتَجات دفاعية كهذه؛ وأيضاً في المجال الدفاعي وهو المجال الحسّاس بالنسبة للعالم. وأحد مؤشراته، هذا المتوسط العالي للذكاء الإنساني. يوجد في البلاد 36 مليون شاب ما بين خمسة عشر عاماً وأربعين عاماً، وهي نعمة عُظمى؛ شريطة ألّا نغفل عن فرصة إمكانيّة الحفاظ على عدد الشباب هذا؛ وبالطبع فقد غفلنا إلى حدّ ما في السنين الماضية. لا ينبغي أن نغفل، ولا ينبغي أن نسمح بأن يشيخ سكّان البلاد؛ [يجب] أن نحافظ في البلاد على مستوى حضور الشباب لأنهم هم الرّائدون وهم مصدر الحركة. ويوجد في البلاد 14 مليون شخص من حاملي الشهادات العليا؛ وأكثر من مائة ألف عضو هيئة علميّة، وكانوا في بداية الثورة ما يقارب خمسة آلاف. لم [يكن] أعضاء الهيئة العلميّة في جامعات البلاد بهذا المقدار في أوائل الثورة؛ وهم الآن أكثر من مائة ألف. و[هناك] أكثر من مائة وخمسين ألف طبيب متخصّص، وأكثر من ثلاثة ملايين طالب عاكفين على الدراسة؛ هذا غير طلّاب العلوم الدينية وفضلاء الحوزات العلميّة، وتلك أيضاً مسألة مفصّلة؛ الفضلاء الشباب الذين يرى المرء آثارهم [العلميّة] أحياناً، ويشكر الله حقاً؛ فهم عاكفون على التفكير في أقسامٍ وفي فروعٍ، ومنكبون على العمل. وهؤلاء أيضاً قوّة إنسانية. وهذه هي القدرات الطبيعية والقدرات البشرية.

والقدرات الجغرافية؛ هذا الموقع الجغرافي للبلاد، والوضع الإقليمي للبلاد، وهذا التنوّع الإقليمي الموجود في البلاد، هي قدرات مهمّة. بناء عليه، فإنّ الانتظارات التي يُعرَب عنها أحياناً فيما يتعلق بأمر الاقتصاد، ليست انتظارات في غير محلّها؛ إذ لا بد مع هذه الإمكانات أن يتحسّن وضعنا الاقتصادي.

لا شك أن هناك موانع؛ وعلينا أن نأخذ هذه الموانع بالحسبان. وبعض الموانع خارجيّة؛ من قبيل هذا الحظر، والتهديدات، والقيود الجمّة الموجودة، والتشديدات [الموجودة] في أمر تجارتنا، وفي الحصول على الإمكانات اللازمة من أجل إنتاجنا؛ التشدّد لا زال موجوداً، نعم، يوجد ضغوطات جدّية. قلت ذات مرة، إنّهم يؤسسون منظومة خاصّة لمراقبة إيران؛ أين تريد الاستثمار، ومع من تتعامل؛ ليُبادروا إلى منعها؛ هذه الأعمال وهذه الموانع موجودة منذ سنوات. بالطبع هذه الموانع نفسها يمكن تقليلها، كما يمكن إضعاف أثرها. أمّا بعض هذه الموانع، فكان لها إلى جانب الآثار السلبيّة، آثار إيجابيّة أيضاً.

جاء منتجو البلاد ومقاولوها إلى هنا مرة، والتقوا بي في الحسينيّة[13]، وتحدث عدد منهم - عشرة أشخاص إلى خمسة عشر شخصاً - وقال بعضهم بصراحة لو لم يكن هذا الحظر، لَما أمكننا تحقيق هذا التقدّم. قالوا هذا هنا بصراحة؛ ذلك لأنّ أيدينا كانت قاصرة عن الخارج، فضغطنا على تفكيرنا، وعلى قدراتنا، ووصلنا إلى هنا؛ بناء عليه، حتى هذه الموانع أحياناً تُعطي أثراً إيجابيّاً، وتساعد البلاد.

بعض هذه الموانع للإنصاف نابعة من داخلنا؛ فنحن نعاني قصوراً في العمل، ونعاني مثلاً في مواضع انعدام الدّقة، ونُبدي قصوراً في الحافزيّة، وأحياناً نعاني الآفات الشخصيّة، والآفات الروحيّة. فلو كان المدير يفكر بالبحث عن الشعبيّة، وبالظهور أمام الآخرين، ولا يعتني بالعمل، وأهميّة العمل، فطبيعي أنّه يُلحق الضّرر؛ وهذه الأمور تمحو بركة العمل. [أو أن] يفكر في المناصب الآتية. كأن نكون اليوم في منصبٍ، ونتصرّف بنحوٍ نُهيّئُ أنفسنا من أجل منصب أرفع؛ طبيعي أنّ هذا يلحق ضرراً. التفكير بهذا النحو، والعمل بهذا النحو، والتّصرف بهذا النحو، يُلحق الضّرر، ويُزيل البركة؛ وهذه الأمور أيضاً هي من موانع عملنا.

علينا الانتباه إلى أنّ أيّ عملٍ نقوم به، إن كان من أجل الناس، ومن أجل رفاه الناس، ومن أجل تقدّم البلاد، فهذا العمل هو عمل إلهي، ونيّة هذا العمل هي نيّة إلهيّة. وإنّنا نقول: لتكن نيّتكم لله، فمن معانيه هو هذا، أن تنووا القيام بهذا العمل لحلّ عقدة من أمور الناس، وبهذا تكون النيّة إلهيّة؛ وحينئذ، فإنّ الله سيمنح البركة لهذا العمل، وسيعطي الأجر لهذا العمل. وإنّ ذلك الأجر الذي يُعطيه الله المتعالي، لا يمكن مقارنته مثلاً مع ما يمكن أن نحصل عليه من استعراضٍ.

حسناً، إحدى العوائق التي أودّ الإشارة إليها ببضع نقاط مختصرة في هذا السياق، والتي تتعلق بشعار العام، هي التدخلات الحكومية في الشؤون الاقتصادية. إننا نكرّر هذا الأمر منذ سنوات، وقد وضعت قضيّة «مشاركة الشعب» في شعار العام، حتى يُبذل اهتمام أكبر بإمكانيات مشاركة الناس ونزولهم إلى الساحة بالمعنى الحقيقي للكلمة. الشعب يعني قدرة الشعب؛ القدرة المالية والقدرة الفكرية والعقلية وقدرة المبادرة، نحن من نجني الفائدة عندما تدخل المبادرات الشعبية الميدان.

ثمّة تصوّر مفاده أنه إذا ما دخل الناس المجال الاقتصادي، فإننا نفوّض إدارته للشعب، وهذا يقيّد الحكومة، ويقيد المسؤولين الحكوميين؛ هذا التفكير خاطئ. ينبغي تقسيم الواجبات بين المسؤولين الحكوميين [والناس]، وعندما أقول الحكوميين، فليس المقصود الأجهزة الحكومية فحسب، [بل] إنّ مختلف الإدارات شبه الحكومية هي أيضاً مثل الحكومة؛ لا فرق. يجب أنّ نقسّم العمل، ثمّة واجبات تقع على عاتق الحكومة، وأخرى على عاتق الناس.

هناك تعبير ليس بالسيّئ قد ورد في تقرير موجّه إليّ: «ناحية إشرافيّة، وناحية عمليّة». ينبغي للحكومة أنّ تعمل بنحوٍ إشرافيّ في الشؤون الاقتصادية، وأن توجّه وتفرض رقابتها علی عملية تنظيم استخدام الأراضي، وعلى نوع النشاط الاقتصادي الذي يجب القيام به في كلّ المجالات، وأن تحرص على عدم وجود أي مخالفة. وأما من يعمل فهم الناس، إذ ينبغي للناس أن يؤدّوا العمل الاقتصادي، فلا بد من الفصل بين واجبات الحكومة وواجبات الشعب. نعم، يجب فتح الطريق أمام الناس لدخول المجالات الاقتصادية؛ فهذا يقوّي البلاد ويجعل الاقتصاد أكثر ثباتاً. وبالطبع، إن سياسات المادة 44، والتي صدرت منذ سنوات[14]، هي جزء من هذه القضية، ومستوحاة من الدستور نفسه. لا يتصورنّ أحدٌ أنّ هذا يُعدُّ خرقاً للدستور؛ لا، هذه السياسات مستمدّة من الدستور نفسه، وقد جرى إعلانها. لذا، لا بد من تطبيقها، فقد كان هناك نقاط ضعف كثيرة في هذا المجال سابقاً.

إحدى النقاط هي قول الخبراء الاقتصاديين إنّ النمو الاقتصادي بنسبة 8% أمر ممكن، وهذا ما ورد أيضًا في سياسات الخطة [التنموية] السابعة[15]. يتساءل البعض هل هذا ممكن أم لا؟ الخبراء الاقتصاديون يؤكدون إمكانية تحقيق نموٍّ بنسبة ثمانية بالمائة، وإذا استمرّ هذا النمو - لا أن يكون هناك نمو لعام واحد ثم ينخفض - سيحصل تحسن إيجابي وجيد في ظروف الناس المعيشية بلا أدنى شك. طبعاً، النمو الاقتصادي وحده لا يكفي؛ أي لكي يحدث تحولٌ في أوضاع الناس ومعيشتهم ولدى الطبقات الضعيفة، فإن النمو الاقتصادي وحده لا يكفي، بل لا بد من أمور أخرى أيضاً. إنّ تكافؤ الفرص في الحصول على الإمكانات هو من جُملة الأعمال المهمّة للغاية، إذاً يجب توزيع الإمكانات بشكل صحيح وعادل على مختلف المستويات من أجل مشاركة الناس. هذه ليست بالمهام السهلة طبعاً، إنها مهام صعبة؛ [يجب] أن يتم تدريسها، وتعليم مهارتها. يرغب كثير من شبابنا في العمل، ولكنهم يحتاجون إلى المهارات. لذا، لا بدّ أن يكون هناك قسم لتنمية مهارات الشباب، ويُمكن لكبار المديرين التخطيط والعمل وإنجاز الأمور في هذه المجالات.

كما لا بدّ من تبيان سُبُل مشاركة الناس. عندما نقول «فليشارك الناس في الاقتصاد»؛ حسناً، كيف يمكنهم المشاركة؟ [فليُجرَ توضيح] سُبل المشاركة. فليجلس أشخاصٌ وليعرضوا للناس السُبل الممكنة لمشاركة مختلف الفئات الشعبيّة، وأحد أمثلتها هي هذه الشركات القائمة على المعرفة، التي تعدّ وسيلة للمشاركة الاقتصادية بالنسبة لبعض الشباب. وليجتمع وليفكّر كلّ من يقدر على ذلك. في رأيي، إنّ الحكومة والبرلمان بحاجة إلى نخبة من المفكّرين وأصحاب الفكر كي يجتمعوا ويبادروا ويتفكّروا، ويبيّنوا للناس طرائق المشاركة المختلفة. إنه عملٌ شاق، ولكنّه عمليٌ تماماً، حتّى يتمكّن الأفراد من دخول ميدان المشاركة ولو كان رأس المال محدوداً.

نقطة أخرى تتعلق بالخطة السابعة [للتنمية]. حسناً، لقد مرت حتى الآن ستّ خطط خمسية؛ أي ست خطط لخمسة أعوام وقد تم تمديد أحدها[16]. هذا العام هو العام الأول للخطة السابعة؛ لذا أوصي بشدة بالاهتمام في هذه الخطّة وتوخّي الدقّة، والعمل بها. وفق ما أفادوني، يبلغ متوسط أداء الخطط السابقة نحو 35%! أي إنّه قدّ بُذل جهد كبير لإعداد الخطّة، تم إقرارها فغدت قانوناً، ومن ثم إعلانها، [لكن] لم يتم تنفيذ الخطّة بشكل كامل خلال السنوات الماضية؛ هذه خسارة للبلاد. فلتُبذل الجهود كي تصبح الخطّة عمليّة بالكامل. لحسن الحظ، إنّ الحكومة [الحاليّة] حكومة فاعلة؛ أي إنّ الأصدقاء في الحكومة مشغولون حقاً، ويعملون، ويفكرون، ويبذلون الجهود؛ فليسعَوا لجعل هذه الخطّة عمليّة. الخطة عبارة عن دليل عمل؛ إنها دليل وإطار جيد للعمل؛ ليس للاقتصاد فحسب، بل إنّها دستور عمل لجميع محاور هذه الخطّة.

نقطة مهمة هي مسألة الوقت. أيّها الإخوة الأعزاء، والأخوات الكريمات، يا مديري مختلف القطاعات! الوقت يمرّ بسرعة، ينقضي ويضيع؛ فلا تغفلوا عن الوقت. لا تؤجّلوا عمل اليوم إلى الغد، اليوم الواحد مهمٌّ أيضاً، وأحياناً الساعة الواحدة مهمّة أيضاً. ينبغي على المرء أن يكون حساساً للغاية عند إنفاق هذه الثروة العظيمة التي تُسمى ثروة الوقت. لا تسمحوا أن يذهب الوقت [سُدى]. عندما تقرّون أعمالاً متنوعة، وبرامج متنوعة لقطاعات مختلفة، اعمدوا إلى جدولتها، وأصرّوا على هذه الجَدولة بضرورة استكمال برنامج معيّن في تاريخ معيّن. يعني أن يكون لديكم مثل هذه الحساسية والهاجس تجاه الوقت. وبالطبع، دعونا نشير أيضاً إلى أنّ عنصر الدبلوماسية وأداء السياسة الخارجية يعدّ عنصراً مهماً ومؤثّراً للغاية في قضيةّ الاقتصاد. لدينا العديد من الجيران في محيط بلادنا، وإننا شركاء في عدد من الاتفاقيات الدولية، نحن شركاء ويمكننا الاستفادة منها؛ لذا هناك حاجة إلى حركة دبلوماسية استثنائيّة في مجال القضايا الاقتصادية. كانت هذه كلمتنا بما يخصّ قضايا الاقتصاد، وأكتفي بهذا المقدار.

أرغبُ في طرح موضوعٍ آخر وهو تحدّي قضيّة «الحجاب» المفروض في البلاد. لقد تحوّلت قضيّة الحجاب إلى تحدٍّ وفُرضت على بلادنا، لقد فرضوها. جلس بعض الأشخاص وخطّطوا ووضعوا مخططاتهم كي يصبح الحجاب قضيّة في بلادنا، بينما لم يكن هناك وجودٌ لمثل هذه القضيّة في البلاد، وكان الناس يتعايشون على مختلف أنماطهم وأساليبهم. سأعرض رأيي الحاسم بهذا الصّدد: يجب النظر إلى هذه القضيّة من وجهة النظر الفقهيّة والشرعيّة، وكذلك من وجهة النّظر القانونيّة، وأيضاً من ناحية بعض القضايا الجانبيّة والملاحظات الفرعيّة الموجودة. حسناً، من الناحية الشرعيّة يُعدّ الحجاب حكماً شرعيّاً مسلّماً به، أي من الواجب على السيّدات تغطية كلّ ما هو غير الوجه والكفّين، وهذا ما لا يُمكن التغاضي عنه. أهلنا مسلمون، ملتزمون، متعبّدون، سيّداتنا متعبّدات، وعليهنّ الالتزام بهذا الأمر، هذا هو حكم الشّرع. وإحدى الرؤى هي الرؤية القانونيّة. القانون واجب الإطاعة وفي هذا المجال يوجد حكمٌ قانونيّ. الالتزام بحكم القانون واجبٌ على الجميع. من يعتقدون بالشّرع، ومن لا يعتقدون به، عليهم جميعاً الالتزام بالقانون.

في ما يرتبط بالقضايا الجانبيّة والملاحظات الفرعيّة، هناك مسألةٌ مهمة وهي اختلاق الأجانب لبعض القضايا. في هذه القضيّة المطروحة اليوم في البلاد - قضيّة الحجاب - كان تدخّل الأجانب واضحاً وجليّاً. جرى التحريض على هذه القضيّة من الخارج في أجهزة التواصل الاجتماعي وأنواع وسائل الإعلام. طبعاً، ساعد بعض الأشخاص في الداخل أيضاً، لكنّ هذا العمل وُجِّه وجرى التفكير به وجرت متابعته من الخارج، نرجو الالتفات إلى هذا الأمر. فلتلتفت سيّداتنا ونساؤنا العاقلات والراشدات إلى هذه النقطة؛ وهي أنّ العدوّ يحرّض على هذه القضيّة من الخارج. وفق ما بلغنا في تقارير موثوقة، وظّفوا بعضهنّ من أجل أن يخرقن القانون في المجتمع ويكسرن حُرمة الحجاب. حسناً، يجب على سيّداتنا ومن يفكّرن بهذه القضيّة ويتحدّثن، أن يلتفتن إلى هذه النقاط. عندما نرى تدخّل الأجنبي بقضيّة معيّنة، يتوجّب علينا بطبيعة الحال أن نجعل مواقفنا متناسبة معها كيلا لا نكون عوناً لذاك الأجنبي.

واحدة من القضايا التي تنضوي ضمن هذه الملاحظات الفرعيّة هي أنّهم يبذلون المساعي اليوم ويعملون على قضيّة نزع حجاب السيّدات، لكن هذه بداية الأمر، وليست نهايته، فليس هذا هو الهدف. هدف الأعداء أن يُعيدوا أوضاع البلاد إلى ما كانت عليه قبل انتصار الثورة الإسلاميّة، وإلى الحال الذي كانت عليه خلال فترة الطاغوت، إلى ذاك الوضع الفاضح الذي كان سائداً آنذاك. حسناً، ربّما رأى بعضكم تلك الأوضاع، وتذكرونها، لكنّ كثيرين منكم لم يشهدوها. كان وضع المرأة وسلوكها وتعاملها وحضورها في المجتمع كارثيّاً بالمعنى الحقيقي للكلمة. أمّا اليوم فقد بلغت نساؤنا مستويات رفيعة في النواحي العلميّة، والقوّة الإداريّة، ومن ناحية الحضور في المناطق الحسّاسة لإدارة البلاد وعلى مستوى البلاد والعالم. إنهنّ متقدّمات على كثيرات من النساء في سائر الدول، مع [ارتداء] الحجاب ورغم الالتزام به. ولم يكن هذا الأمر سائداً حينذاك، ولم يكن المستوى المعرفي والمستوى العلمي والمستوى الإداري للنساء كما هو اليوم. كانت النساء قبل الثورة ضعيفات في هذه المجالات، وكانت حالتهنّ من ناحية الزيّ والقوانين [الاجتماعيّة] سيّئة جدّاً وكارثيّة بالفعل. غايتهم في هذا الأمر أن يكرّروا تلك الحالة بشكل تدريجي. هذا بداية الأمر، وينبغي الالتفات إليه.

ما ذكرته هو إحدى المسائل الجانبيّة للقضيّة وأنا واثقٌ أنّ السيّدات في بلدنا، حتى المتساهلات بعض الشيء في مسألة الحجاب، متعلّقات بالإسلام، ومتعلّقات بالنظام. هذا ما قلناه مراراً. يجب التطلّع إلى نسائنا بهذه العين. لكن بطبيعة الحال ينبغي لهنّ أن يلتزمن بقضيّة الحجاب هذه، على جميعِهن الالتزام بها.

إنّني أعتقد بوجود مسؤوليّة في الحكومة، وفي السلطة القضائيّة وفي شتّى المجالات ضمن مختلف القطاعات، ينبغي على الجميع النهوض بمسؤوليّاتهم الشرعيّة والقانونيّة. سيّداتنا هؤلاء أنفسهن يتحمّلن المسؤوليّة أكثر في هذا الصّدد، ويجب أن يلتزمن بجانب الحجاب الإسلامي. هذه قضيّة أيضاً.

القضيّة الأخيرة هي قضيّة غزّة؛ قضيّة غزّة في عداد القضايا التي يجب ألّا يُسمح بأن تُنحّى من كونها أولويّة لدى الرأي العام، فهي قضيّة مهمّة جدّاً! إنّ الجريمة التي تُرتكب في غزّة - إلى الحدّ الذي نعرفه في تاريخ الحقبات الأخيرة، ولستُ مطّلعاً بشكل جيّد على الفترات الماضية البعيدة - غير مسبوقة. ارتكاب الجرائم بهذا النحو، وارتكاب المجازر الجماعيّة بهذا الأسلوب، وإبادة الأجيال، والهجوم على النساء والأطفال والمرضى والمستشفيات، هذه الفجائع التي ارتُكبت في المستشفيات مذهلة. لدرجة أن المترعرعين في أحضان الثقافة الغربيّة، في أوروبا وأميركا نفسها باتوا يهبّون ويعترضون بالصّراخ، بينما لا تصلهم كثير من الأخبار بشكل جيّد، لكنّهم يبدون اعتراضهم على القدر الذي يطّلعون عليه. الجريمة قاسية إلى هذا الحدّ. حسناً، هذه القضيّة مهمّة جداً من هذه الناحية.

هناك جانبٌ آخر مهمٌّ جدّاً أيضاً وهو أنّ الكيان الصهيوني مُنيَ بفشلين كبيرين في حادثة غزّة هذه. فشلهم الأول كان في «7 أكتوبر» - فشل طوفان الأقصى - وقد قُلت حينها إنّ هذا الفشل لن يعوّض[17]. وهذا هو الحال حقّاً. لم يُعوّض حتّى الآن ولن يُعوّض. مُنيَ الكيان الذي يعتمد على الدقة الاستخباراتية، وتطوير العمل العسكري والسيطرة العسكريّة، والذي يدّعي أنه لا يغيب عن ناظره أيّ طائر يطير بجناحيه، بهزيمة استخباراتيّة بهذه العظمة من جماعة مقاومة ذات إمكانات محدودة! كان هذا الفشل الأوّل للكيان الصهيوني. لم يجرِ تعويض هذا الفشل ولن يُعوّض. لقد أُريقَ ماء وجه الكيان الصهيوني.

الفشل الثاني هو فشل هذه الأشهر الستة. فمنذ اليوم الأول لدخولهم الميدان أعلنوا أهدافاً لتعويض الفشل الأول، ولم يتحقق أيٌّ منها خلال هذه الأشهر الستة. قتال على مرّ ستّة أشهر مع استخدام أنواع الأسلحة والإمكانات وتقديم أميركا أنواع الأسلحة والإمكانات والمساعدات دون أيّ تردّد، وهي قدّمت مساعدات تسليحيّة وكذلك قدّمت مساعدات ماليّة وسياسيّة، واستخدمت حقّ الفيتو عدّة مرّات ضدّ القرارات - ولم تستطع استخدام حقّ الفيتو بخصوص هذا القرار الأخير[18] لدواعٍ معيّنة، وهم يقولون إنّه ليس ملزماً! إنّه كذبٌ محض ولن يُطبّق - ورغم كلّ هذه المساعدات المقدّمة من قبل أميركا وهذه القدرات التي كانت لديهم، لم يستطيعوا القيام بأيّ شيء. لم يستطيعوا تحقيق هدفٍ واحد من الأهداف التي كانوا يسعَون وراءها. لقد أرادوا إبادة المقاومة وحركة حماس بشكل خاص، وعملوا على تدميرها وإحباطها، وعجزوا. أما حماس والجهاد أيضاً - فصائل المقاومة في غزّة - يتحمّلون بقوّة وقدرة كلّ هذه المشكلات ويبذلون الجهود أيضاً، كما أنّهم يوجّهون الضّربات [أيضا].

إنّ استهداف الكيان الصهيوني للنساء والأطفال سببه عجزه عن مواجهة مجاهدي المقاومة، وبسبب شعوره بالعجز هناك، يغضب وينكّل بالنساء والأطفال العُزّل والمظلومين ويقتل أكثر من ثلاثين ألفاً غالبيتهم من النساء والأطفال. ستستمرّ هذه الهزيمة حتماً، هذه الهزيمة ستتواصل. وأما المساعي اليائسة، مثل هذه الخطوة التي أقدموا عليها في سوريا والتي سيتلقّون صفعتها حتماً، هذه الممارسات لن تجديهم نفعاً ولن تعالج مشكلتهم، لقد أوقعوا أنفسهم في فخٍّ ليس بمقدورهم النجاة منه وسيضعف الكيان أكثر يوماً بعد يوم وسيقترب أكثر من الزوال والاضمحلال، إن شاء الله. نأمل أن يشهد شبابنا ذاك اليوم الذي سيكون فيه القدس الشريف بأيدي المسلمين وسيُصلّون فيه ويتمكّن العالم الإسلامي من الاحتفال بزوال «إسرائيل»، إن شاء الله.

أسأل الله المتعالي أن يوفّقنا لأداء مسؤوليّاتنا وأن يهبنا القدرة وأن نتمكّن من النّهوض بالأعمال المُلقاة على عاتقنا. فقد برزت فرصة عظيمة أمام العالم الإسلامي مع انتصار الثورة الإسلاميّة، ومنح تأسيس نظام الجمهوريّة الإسلاميّة المقدّس فرصة كُبرى للعالم الإسلامي، وقد تمّ الانتفاع كثيراً من هذه الفرصة حتى اليوم، ويجب أن تتمّ الاستفادة لاحقاً أيضاً من هذه الفرصة بما يخدم مصلحة الإسلام والمسلمين، وسيُستفاد منها. سيزداد النظام الإسلامي قوّة يوماً بعد يوم، إن شاء الله، وسيزداد أعداؤه وهناً وضعفاً. وإنّ الحسابات الإقليميّة تبدّلت بعد حادثة طوفان الأقصى هذه وسوف تتبدّل، لم يعد لتلك الحسابات [السابقة] أيّ وجود. ستتبدّل قرارات جبهة المقاومة، وستتبدّل قرارات الجبهة المقابلة بلا ريب، كما أنّها تبدّلت أيضاً وبات وضع المقاومة في المنطقة مختلفاً وسيتغيّر أكثر مما هو عليه الآن، وإنّ أعداء الإسلام والمقاومة والجمهوريّة الإسلاميّة مجبرون ولا مفرّ أمامهم من الرّضوخ لهذه التحوّلات وليعلموا أنّهم عاجزون في هذه المنطقة عن حكم مجتمع المسلمين ولن تكون لهم السيادة عليه.

أسأل الله المتعالي أن يوفّقنا في ما تبقّى من أيام شهر رمضان هذه لأن نتمكّن من تحقيق أقصى حدود الاستفادة من فيوضات هذا الشّهر.

يوم القدس هذا العام سيكون صرخة دوليّة هدّارة بوجه الكيان الصهيوني الغاصب؛ أي لو كانت الدول الإسلاميّة تُحيي يوم القدس في الأعوام السابقة لوحدها، فمن المحتمل جدّاً أن يكون إحياء يوم القدس هذا العام حاشداً في الدول غير الإسلاميّة كذلك الأمر، إن شاء الله. آملُ أيضاً أن يلمع الشعب الإيراني هذه المرّة في هذا اليوم، إن شاء الله، كما هو الحال دائماً، بحرمة محمّد (ص) وآل محمّد (ع).

إلهي! إن لم تغفر لنا حتى هذه اللحظة، فلتغفر لنا من هذه اللحظة. إلهي! مُنّ علينا جميعاً بالتوفيق لخدمة البلاد، الناس، النظام، الإسلام والأمّة الإسلاميّة. إلهي! لا تجعل الشعب الإيراني باعثاً على سرور الأعداء، ومُنّ على شعب إيران بالتوفيقات الكاملة. إلهي! احشر الروح المطهّرة للإمام [الخميني] الجليل الذي شرّع هذا الطريق وأطلق هذه الحركة العظيمة في العالم، مع النبي (ص) وأوليائه. إلهي! بمحمّدٍ وآل محمّد (ص)، احشر الأرواح الطيّبة لشهدائنا الأعزّاء مع شهداء صدر الإسلام، ومع أوليائك. إلهي! احشر الأرواح الطيّبة لشهداء الحادثة الأخيرة في سوريا مع أوليائك، واجعل القلب المقدّس لصاحب العصر والزمان (أرواحنا فداه) راضية ومسرورة عنّا، واجعلنا من جنود ذلك العظيم في آنات أعمارنا كافّة، واشملنا بتوفيقاتك، واجعل عواقب أمورنا تلك العاقبة التي ينشدها الإسلام، واختم أعمارنا بالخير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] عرض لِقضايا في مستهل هذا اللقاء حجّةُ الإسلام والمسلمين السيّد إبراهيم رئيسي (رئيس الجمهوريّة).
[2] سورة القدر، الآية 3.
[3] سورة فاطر، الآية 10.
[4] سورة العنكبوت، الآية 45.
[5] سورة البقرة، الآية 54.
[6] سورة البقرة، الآية 160.
[7] سورة البقرة، الآية 160.
[8] سورة النساء، الآية 146.
[9] سورة هود، الآية 52.
[10] قدسي مشهدي: «سُبحه بر کف، توبه بر لب، دل پُر از شوق گناه       معصیت را خنده می‌آید ز استغفار ما».
[11] «الطّفرة الإنتاجيّة بمشاركة شعبيّة». راجع كلمة سماحته بمناسبة بداية العام الهجري الشمسي الجديد، بتاريخ 20/03/2024م.
[12] زيارة لمعرض قدرات الإنتاج المحلّي في حسينية الإمام الخميني (قدس سره)، بتاريخ 29/01/2024م.
[13] كلمة خلال لقاء المنتجين والناشطين الاقتصاديّين، بتاريخ 30/01/2024م.
[14] إبلاغ السياسات العامة للمادة 44 من الدستور، بتاريخ 22/05/2005م.
[15] الخطة السابعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في جمهورية إيران الإسلامية. إبلاغ السياسات العامة للخطة السابعة للتقدم مع أولوية التقدم الاقتصادي المقترن بالعدالة، بتاريخ 22/09/2002م.
[16] الخطة الخمسيّة السادسة.
[17] كلمته في مراسم تخريج طلّاب جامعات الضبّاط التابعة للقوّات المسلّحة، بتاريخ 10/10/2023م.
[18] صدر في 25 آذار/ مارس 2024م قرار بوقف فوري لإطلاق النار في غزّة، بعد قرابة الستّة أشهر من ارتكاب المجازر بحقّ أهالي مدينة غزّة، وتمّ إقراره في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، وقد طالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزّة خلال شهر رمضان يؤدّي إلى وقف دائم لإطلاق النار. صوّت أربعة عشر عضو من خمسة عشر عضو في مجلس الأمر لمصلحة هذا القرار، لكنّ أميركا امتنعت عن التصويت.

2024-04-16