نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
ربيع الثاني
قال اللهُ تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾
عدد الزوار: 245قال اللهُ تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[1].
تتحدثُ الآيةُ المباركةُ عنِ الذين شَرَوُا الحياةَ الدنيا بالآخرة، ومنهم فئةٌ تنالُ الشهادة، وهم فيما وَرَدَ عنِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) وأهلِ بيتِهِ (عليهم السلام):
1. أصحابُ الشوقِ إلى لقاءِ اللهِ عزّ وجلّ: يَعتبر القرآنُ الكريمُ أنّ تمنّي الموتَ هو دليلٌ على المحبّةِ والولايةِ للهِ سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾[2]. وأولياءُ اللهِ همُ المشتاقونَ دَوماً لرؤيته، الذين صَحِبُوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها معلَّقةٌ بالمحلِّ الأعلى، ويصفُهُم أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) بأنّهم: «لَوْلاَ الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِم، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ»[3]، فهؤلاء قد أدركوا حقيقةَ هذه الدنيا، وأنّها دارُ الفراقِ والهجران، وعالمُ التصرُّمِ والزوال. واستيقَنوا هذه الحقيقةَ بعدما ذاقوا حلاوةَ القُرْبِ الإلهيّ، واطّلَعوا على عوالمِ الغيبِ والبقاء، فصارت الآخرةُ مطلوبَهم، لا طمَعاً في الجنّاتِ والنعيم، بل لأنّ الجنّةَ هي ساحةُ لقاءِ الحبيب، ولأنَّ المُحِبَّ يرضى ما يرضاه حبيبُه، ويستعينون على ذلكَ بالصبرِ والجهادِ المستمرِّ في هذا السجن.
2. العارفون بحقيقيةِ هذه الدنيا: يَسألُ اللهُ سبحانه وتعالى عبادَهُ مستنكراً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾[4]، أمّا الشهداءُ فقد عرَفوا أنَّ حياتَهم الحقيقيةَ ليست هنا، وأنّ شأنَ الجهادِ أعظمُ مِنْ هذه الدنيا وما فيها، بل تيقّنوا وَصْفَ اللهِ عزَّ وجلَّ لها: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[5].
ولذا، اشتَرَوُا الحياةَ الدنيا بالآخرة، وباعوا أرواحَهم وأجسادَهم لله، ولم يرضُوا بهذا العَرَضِ الأدنى، قد تنبّهوا لتحذيرِ الحقِّ تعالى، فكان منطقُهُم ولسانُ حالِهم ورسالتُهُم إلى قومِهِم على الدوام: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾[6]، وإلى أعداءِ اللهِ وأعدائِهم لسانُهُم أبداً: ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾[7].
3. مقامُ الإخلاصِ للهِ عزّ وجلّ: تَكتسبُ الشهادةُ معانيَها العاليةَ وقدسيّتَها مِنَ الغايةِ التي يُقتَلُ الإنسانُ المجاهدُ لأجلِها، وهي بكلمتَين: «سَبيلُ اللّهِ»، فالمَنزِلُ الأوّلُ والمقدّمةُ الأساسُ لِطَلَبِ الشهادةِ هي تطهيرُ النيّةِ وصبغُها بالصبغةِ الإلهية، وهذا يتطلّبُ الصدقَ والمراقبةَ الجادّةَ بشكلٍ دائمٍ ومستمرّ، ومَنْ وَصَلَ إلى هذا المقام، تكونُ نيّتُهُ سَبَقَتْ فِعْلَهُ في الإخلاصِ للهِ عزّ وجلّ.
ختاماُ، نَرفعُ آياتِ التنهئةِ والعزاء، لكلِّ عوائلِ الشهداء، بمناسبةِ يومِ الشهيد، لا سيّما ذكرى أميرِ الاستشهاديّين: الشهيد أحمد قصير.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة النساء، الآية 74.
[2] سورة الجمعة، الآية 6.
[3] نهج البلاغة، ص303، الخطبة 193.
[4] سورة التوبة، الآية 38.
[5] سورة الحديد، الآية 20.
[6] سورة غافر، الآية 39.
[7] سورة طه، الآية 72.