وَأَعِدُّواْ لَهُم
ربيع الثاني
قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾
عدد الزوار: 303قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾[1].
مِنَ الأوامرِ الإلهيّةِ التي ترتبطُ بتحصينِ المجتمعِ المسلمِ وحمايتِه، الأمرُ بالإعدادِ لعناصرِ القوّة. وقدْ ذكرَ القرآنُ حدّاً واضحاً لها، وهوَ إدخالُ الرهبةِ في نفوسِ الأعداء، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلُّه): «عندما يكونُ هناكَ تهديد، يجبُ أنْ يكونَ هناكَ استعداد. ﴿أَعِدُّو﴾ [تعني] جهِّزوا. جهِّزوا إلى أيِّ مقدار؟ ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾. الاستعدادُ في نفسِه رادع، ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، فعندما تكونونَ مستعدِّين، ويشعرُ العدوُّ أنَّكُم جاهزون؛ هذا في نفسِه رادع. إنَّهُ رادعٌ في [القطاعِ] الجويّ، ورادعٌ في الدفاعِ الجويّ، ورادعٌ في الدورياتِ البحريَّةِ هذِه، ورادعٌ في التدريباتِ والمناوراتِ العسكريَّة»[2]. ويضيفُ أيضاً: «الرّعبُ الذي يأمرُ اللهُ عزَّ وجلَّ بإلقائِه في قلوبِ الأعداءِ هو الرّعبُ الرّادع؛ أي ينبغي أنْ نعملَ بصورةٍ تجعلُ الأعداءَ يهابونَ هيبةَ الرّجالِ الشباب، والمؤمنينَ، والمضحّين، وأصحابِ الدوافع؛ لأنّ هذا سيكونُ أهمَّ عاملٍ للرّدع».
فالإسلامُ يأمرُ أتباعَهُ بأنْ يُعدُّوا ما استطاعُوا مِنْ قوّةٍ لأجلِ الدفاعِ عنْ أنفسِهم، وذلكَ قبلَ وقوعِ الحربِ وظهورِ الحاجةِ إلى الدفاع، بل أكثرُ مِنْ ذلك، فإنَّهُ يأمُرُهم بأنْ لا يسمحُوا للعدوِّ حتَّى بمجرّدِ التفكيرِ في الهجومِ على بلادِ المسلمين. فإنْ هوَ شنَّ هجومَه على الرغمِ منْ قوّةِ المسلمينَ وشوكتِهم، يكونونَ حينئذٍ قادرينَ -منْ خلالِ هذا الاستعدادِ المسبَّق- على مواجهتِه وردعِه بسهولة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا﴾[3].
ويُطلقُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلُّه) شعارَ «نحنُ قادرون»، ويرى أنَّه: «يُعَدُّ أساسَ التقدُّم، فالتقدُّمُ يعتمدُ على الاعتقادِ بـ«نحنُ قادرون». وحينما يرى العدوُّ ذلكَ أيضاً، يُضطَرُّ إلى سحبِ يدَيهِ وقدمَيه. هكذا الأمرُ بطبيعةِ الحال. في هذه الآيةِ نفسِها أيضاً: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ﴾؛ ارتقُوا باستعداداتِكُم حتَّى يشعُرَ العدوُّ أنَّكُم مستعدُّون. مِنَ الأمورِ التي تُشجِّعُ الأعداءَ على الهجومِ والحملة، الشعورُ بأنَّ الطرفَ المقابلَ منفعلٌ ومصابٌ بالضَعفِ والتردُّد. هذا يشجِّعُ العدوَّ على الإقدام، [لكنْ] عندما يرَونَ أنَّكُم -كلّا- يقِظُونَ ومستعدُّونَ وقادرونَ وحاذقون، سيعيدونَ حساباتِهم بطبيعةِ الحال»[4].
ومنْ مظاهرِ ذلكَ أنْ يدرِكَ العدوُّ -تماماً- أنَّ الانتصارَ للمظلومينَ يُشكِّلُ عقيدةً يحمِلُها المجاهدونَ في سبيلِ الله، كما أنَّه مِنَ التكليفِ المُلقى على عاتِقِهم؛ استتناداً إلى قولِ اللهِ عزَّ وجلّ: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾[5].
فالانتصارُ للمظلومِ بالمقدارِ الذي يكونُ ممكناً مِنْ واجباتِ كلِّ مسلم، وقدْ رتَّبَ اللهُ تعالى على نُصرةِ المسلمِ لأخيهِ أجراً كبيراً، فعَنْ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم): «مَنْ أخذَ للمظلومِ منَ الظالمِ كانَ معي في الجنّةِ مُصاحِباً»[6].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة الأنفال، الآية 60.
[2] كلمته (دام ظلّه) في لقاء جمع من قادة ومسؤولي القوات المسلّحة، بتاريخ 16/04/2023م.
[3] سورة النساء، الآية 71.
[4] كلمته (دام ظلّه) في لقاء المجموعة البحريّة 86 التابعة لجيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة، بتاريخ 06/08/2023م.
[5] سورة النساء، الآية 75.
[6] الكراجكيّ، محمّد بن عليّ، كنز الفوائد، تحقيق وتصحيح عبد الله نعمة، دار الذخائر، إيران - قم، 1410ه، ط1، ج1، ص135.