صيحة النشور
يوم القيامة
حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَأَزِفَ النُّشُورُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ وَأَوْكَار الطُّيُورِ وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ رَعِيلًا صُمُوتاًقِيَاماً صُفُوفاً يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الِاسْتِكَانَةِ وَضَرَعُ الِاسْتِسْلَامِ وَالذِّلَّةِ...
عدد الزوار: 443
عن أمير المؤمنين عليه السلام
حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ 1 الْأُمُورُ وَتَقَضَّتِ 2 الدُّهُورُ وَأَزِفَ النُّشُورُ 3 أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ 4 الْقُبُورِ وَأَوْكَار 5 الطُّيُورِ وَأَوْجِرَةِ 6 السِّبَاعِ وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ 7 سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ 8 رَعِيلًا 9 صُمُوتاً 10 قِيَاماً صُفُوفاً يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الِاسْتِكَانَةِ 11 وَضَرَعُ الِاسْتِسْلَامِ وَالذِّلَّةِ 12، قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ 13 وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ وَهَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً 14 وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً 15 وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ 16 وَعَظُمَ الشَّفَقُ وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ 17 الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ 18 وَنَكَالِ الْعِقَابِ وَنَوَالِ الثَّوَابِ1.
شرح المفردات
1- انقطعت وذهبت.
2- انقضت ومضت.
3- حلّ وقت البعث والحياة بعد الموت.
4- الضريح هو المكان الذي يوضع فيه الميت.
5- أعشاش.
6- بيوت السباع.
7- الأماكن التي تلقى فيها الأشياء.
8- خاضعين.
9- جماعات جماعات.
10- ملتزمين الصمت والسكوت فلا ينطقون.
11- الخضوع.
12- وهن وضعف الاستسلام والذلّة والمهانة.
13- بطلت الحيل وتعطّلت.
14- مهمومة مكروبة.
15- ذات صوت خفيّ.
16- كناية عن وصول العرق وهو ما يفرزه الجسم إلى الفم فجعلهم في عجز عن النطق.
17- اضطربت أسماع البشر لنهرة الداعي وزجرته لهم وصيحته عليهم.
18- المعاوضة وأخذ ما يستحقّ.
نفختان: موت وحياة
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾2.
تتحدث الآية بوضوح عن النفخة الأولى، التي يميت الله تعالى حينها الناس جميعاً، فكلّ نفس ذائقة الموت.
وتأتي بعد ذلك النفخة الأخرى، حيث يقوم الناس للحساب، وقد ورد في الروايات أنّ بين النفختين زمن طويل.
- موقف عسير
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾3.
إنّه موقف عظيم، حيث يخرج الإنسان من عالم البرزخ إلى عالم القيامة، ويبدأ الحساب، إنّها لحظات يعجز اللسان عن وصفها، ويعسر على كلّ إنسان تحمّلها، ولذا وردت الروايات بأنّ هذه الساعة هي من أوحش الساعات: فعن الإمام الرضا عليه السلام: "إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمّه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يُبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا"4.
- الدنيا دار تكليف
إنّ الذي يأمن في هذه الساعة، ويسلم من الأهوال والشدائد، هو من تمكّن من الالتزام بأوامر الله عزّ وجلّ ونواهيه في هذه الدنيا، فهذه الحياة هي دار التكليف، وأمّا الآخرة فهي دار جزاء وليست دار تكليف.
وطاعة التكاليف الإلهيّة هي حقيقة الإيمان من الإنسان، فلا يمكن للإنسان أن يعتبر نفسه مؤمناً، إذا لم يؤثّر اعتقاده على عمله، وهذه الطاعة تتقوّم بركنين، الابتعاد عن المحرّمات والعمل بالواجبات، وقد ورد في الرواية عن رسول الله : "أصل الدين الورع، ورأسه الطاعة"5.
الدوافع نحو الطاعة
إنّ على الإنسان إذا أراد أن يربّي نفسه على الطاعة، أن يتذكّر على الدوام الأمور التالية:
أوّلاً: يكفي للإنسان في التزامه بالتكاليف أن يعلم أنّ هذه التكاليف هي لمصالح ترجع إليه، والله عزّ وجلّ غنيّ عن العالمين، ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خلق الخلق حين خلقهم غنيّاً عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم، لأنّه لا تضرّه معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه"6.
ثانياً: يكفي للإنسان أن يتذكّر هول المصير الذي ينتظر العاصي لأوامر الله عزّ وجلّ، ليرتدع عن مخالفة التكليف الإلهيّ، ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم، وسمعتم وأطعتم!"7.
ثالثاً: إنّ كلّ ما أمر الله به فهو حسن، وكلّ ما نهى عنه فهو قبيح، ولذا عليك التسليم بأيّ تكليف إلهيّ، سواء علمت المصلحة منه أم لم تعلم، بل إنّ على الإنسان أن يعترف بعجزه عن معرفة المصالح التي أرادها الله عزّ وجلّ لعباده في أوامره، والمفاسد التي أراد إبعادهم عنها في نواهيه.
رابعاً: لو أنّ الإنسان تأمّل قليلاً في معصية الله ومخالفة أوامره، لوجد أنّه بذلك يعصي من يحبّه ويريد له الخير، ويطيع عدوّاً لا يريد له إلّا الشرّ، فهل فكّرت يوماً أنّ كلّ معصية تعصي الله عزّ وجلّ بها، فإنّك تطيع الشيطان؟
وقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام في صفة أهل الضلال: "دعاهم ربّهم فنفروا وولّوا، ودعاهم الشيطان فاستجابوا وأقبلوا"8.
الطاعة لله وللرسول ولأولي الأمر
إنّ من له حقّ الطاعة هو الله عزّ وجلّ فقط، فهو خالق هذه الإنسان ومدبّره وبيده أموره كافّة، ثمّ من أمر الله عزّ وجلّ بطاعته وهم الرسول والأئمّة والفقهاء، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾9.
وعن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله"10.
ثمار الطاعة
إنّ لطاعة الله عزّ وجلّ ثمار في هذه الدنيا، تظهر جليّاً في شخصيّة الإنسان، وفي المجتمع الذي يعيش فيه، فضلاً عن الثواب الأخرويّ، والنجاة من العذاب الأبديّ:
1- الوفاق وعدم الاختلاف: فإنّ الطاعة لله عزّ وجلّ ولرسوله باب لحلّ كلّ خلاف، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاًْ﴾11.
2- باب لمحبّة الله: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أحبّ الله تعالى عبداً ألهمه الطاعة"12.
3- الراحة النفسيّة في العلاقة مع الناس: عن الإمام الهادي عليه السلام: "من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق"13.
ما ينفع يوم الفزع الأكبر
ذكر الشيخ عبّاس القمّي بعض ما يوجب الأمن من الفزع الأكبر في يوم القيامة فقال:
التاسع: روى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق عليه السلام انّه قال:"مَن أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده، فنفّس كربته وأعانه على نجاح حاجته، كانت له بذلك عند الله اثنتان وسبعون رحمة من الله، يجعل له منها واحدة يصلح بها معيشته، ويدّخر له إحدى وسبعين رحمة لأَفزاعِ يوم القيامة وأهواله".
يقول المؤلّف: قد رويت روايات كثيرة في ثواب قضاء حاجات الأخوة في الدين، ومن جملتها ما روي عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال:"مَن مشى في حاجة أخيه المسلم أظلَّه الله بخمسة وسبعين ألف ملك، ولم يرفع قدماً إلّا كتب الله له حسنة، وحطَّ عنه بها سيّئة، ويرفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب الله عزّ وجلّ له بها أجر حاجّ ومعتمر".
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لَقضاءُ حاجة امرئ مؤمن أفضل من حجّة وحجّة وحجّة حتّى عدَّ عشر حجج".
وروي: "أنّ عابِدَ بني إسرائيل كان إذا بلغ الغاية من العبادة صار مشّاءً في حوائج الناس، عانياً بما يصلحهم".
وروى الشيخ الجليل شاذان بن جبرئيل القمّي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه رأى على الباب الثاني من الجنّة مكتوباً:
"لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ الله، لكلّ شيء حيلة وحيلة السرور في الآخرة أربع خصال: المسح على رؤوس اليتامى، والتعطّف على الأرامل، والسعي في حوائج المسلمين، وتفقّد الفقراء والمساكين"14.
*حياة القلوب، سلسة الدروس الثقافية، نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، ط1، ص51-58.
1- نهج البلاغة: الخطبة 83
2- سورة الزمر: الآية 68.
3- سورة يس، الآية 51-52-53.
4- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج 6 ص 159.
5- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج 74 ص 86.
6- نهج البلاغة، الخطبة 193.
7- نهج البلاغة، من كلام له، الحكمة 19.
8- ميزان الحكمة - محمّد الريشهري - ج 2 ص 1752.
9- سورة النساء، الآية 59.
10- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 ص 140.
11- سورة النساء، الآية 59.
12- بحار الأنوار، ج100، ص26.
13- الكافي، الكليني، ج1، ص138.
14-