يتم التحميل...

تحقيق العلم للأهداف السامية من منظور الإمام الخامنئي (دام ظله)

العلم والدين

أراد الإمام الخامنئيّ دام ظله، من خلال مفهومه للعلم وضوابطه، أن ينحى به نحو سعادة الإنسانيّة وإنهاء الظلم، وأن يستجيب لحاجة البشريّة إلى القيم الراقية، من عدل وطهارة، فلم يوافق على انحراف الغرب المتمثّل في الانفصام بين الخطاب المنمّق عن العلم وقداسة أخلاقيّاته التي عدّدها وتفاخر بها أمام الملأ،

عدد الزوار: 33

أراد الإمام الخامنئيّ دام ظله، من خلال مفهومه للعلم وضوابطه، أن ينحى به نحو سعادة الإنسانيّة وإنهاء الظلم، وأن يستجيب لحاجة البشريّة إلى القيم الراقية، من عدل وطهارة، فلم يوافق على انحراف الغرب المتمثّل في الانفصام بين الخطاب المنمّق عن العلم وقداسة أخلاقيّاته التي عدّدها وتفاخر بها أمام الملأ، وبين الوقائع المحزنة التي تكتب تاريخاً مشيناً للغرب، بدءاً بالاستعمار وانتهاءً باستعمال القنابل النوويّة في اليابان، ضدّ مدن آمنة مطمئنة، ووصل به الأمر إلى تبرير حروبه الاستباقيّة التي تعطيه الحقّ، ومن خارج ما ابتدع من شرعيّة دوليّة، في ضرب أيّ بلد آخر في العالم، طالما أنّ مصالحه مهدّدة. وقد عبّر الإمام الخامنئيّ دام ظله، وبشكل واضح، عمّا يريده من العلم، وعمّا تحتاج إليه البشريّة. وإيران اليوم هي ضحيّة من ضحايا الاستخدام السيّئ للعلم وللعبث بأخلاقيّاته عندما تُمنع من حقّها في استخدام الطاقة النوويّة سلمياًّ. ورغم ذلك، ينظر شعبها بعين ثاقبة إلى مستقبل بعيد تستجيب فيه الإنسانيّة لفطرتها الهاتفة للحقّ والرافضة للباطل بأوجهه، ويقترن فيها العلم مع التقوى والورع، وتقود أخلاقيّات العلم إلى إنسان يعيش التكامل في ذاته والتكامل مع الكون والموجودات في حركتها، فيعبّر عن ذلك بالقول: «فكم كانت البشريّة ترجو أن يسود العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، وتنتهي سطوة الظلم وتنقشع سحائبه عن شتّى أنماط الحياة، لكنّ ذلك الطموح بقي رهين الآمال، ولم يجد فرصة تُذكَر لينعكس على أرض الواقع.

ولطالما كانت البشريّة متعطّشة للمبادئ الإنسانيّة، المبادئ الثابتة التي لا تتغيّر، بتغيّر الزمان والمكان.

إنّ العلم يتقدّم، وأساليب الحياة تتطوّر، والعلاقات الاجتماعيّة تتغيّر، لكنّ الآمال الكبيرة التي تحملها البشريّة والمبادئ العظيمة التي تتطلّع نحوها تبقى ثابتة، على الرغم من تغيّر الزمان والأوضاع والأحوال. فالبشريّة متعطّشة للطهارة والنقاء والصدق والعدل والإنصاف والحقيقة والأخوّة والاهتمام بالجانب المعنويّ، ومرتاعة ومنهكة من مظاهر التزوير والكذب والظلم والنفاق واستباحة الحقوق.

أحبّتي، عليكم، مع مرور الأيام، أن ترتقوا بمستوى هذا التركيب المتجانس. فليكن العلم مقروناً بالدين والورع والتقوى، وليكن جميع هذا مقروناً بما تتلقَّونه من تدريب وتمارين في الانضباط العسكريّ، الذي يُعتبر أمراً هامّاً لكلّ مؤسّسة عسكريّة، واجعلوا من ذلك وحدة واحدة متماسكة تُكسبكم المجتمع، وتجعله قريباً منكم، وتعزّز أواصر العلاقة بينكم وبينه».
 
فربط العلم بأخلاقيّاته على نحو أمين وصادق هو جزء من منظومة آراء يقدّمها الإمام الخامنئيّ دام ظله كمشروع جديد للإنسانيّة، التي باتت تعيش العقم في هذا المجال، بحيث يستشعر الإنسان اليوم خواءً متزايداً في العالم تجاه إنسانيّة الإنسان، تتراجع معه الطروحات التي تجمع ولا تفرّق، وننتظرها لتكون البداية المتينة لعهد جديد للإنسان، تماماً كما أرادته الرسالات السماويّة. لقد تقدّم الإمام الخامنئيّ دام ظله بجملة عناوين للنقاش الموضوعيّ، وأراد توجيه إنسان اليوم إليها كسبيل خلاص من أزمات وتعقيدات تتزايد مع التقدّم التقنيّ. ولا تبدو حضارة الغرب قادرة، أو على حجم المسؤوليّة لحلّها. ومن هذه الطروحات: الديمقراطيّة الدينيّة، وابتناء الحضارة على المعنويّات، وكرامة الإنسان، وامتزاج الدين بالحياة. ونحن على يقين من أنّ عنجهيّة الغرب ومقياس المصالح المادّيّة والنفعيّة له، لا يسمحان لهذه الأفكار بأن تأخذ حقّها في النقاش عنده، وسيقوم - كالعادة - بتشويهها وتحميلها ما لا تقول زوراً، تماماً على النحو الذي يتعاطى به مع الإسلام كدين رحمة وتسامح ودليل سعادة لروح الفرد وللمجتمع. ولقد سبقت التجربة مع الغرب في فرض قيمه وأفكاره كعناوين وحيدة، على العالم اعتمادها وتبنّيها، وإلّا واجه الحصار والعقوبات والتشويه الفكريّ والمعنويّ الظالم ومفهومه للإرهاب القائم على فكرة أنّ العنف هو فقط ينحصر ضدّ مصالح الغرب، و"إسرائيل" واحد منها... وقد عبّر الإمام الخامنئيّ دام ظله عن هذه النقطة بالقول[1]: «في مقابل عقم الغرب في تصدير أفكاره الجديدة، وبعد الأومانيّة والمدارس المعتمدة على الأومانيّة والفلسفات الناتجة عن الأومانيّة الغربيّة (Humanity)، لم يكن للغرب ولادات فكريّة، ولم يطرح أفكاراً جديدة للبشريّة والحياة الإنسانيّة، كان للجمهوريّة الإسلاميّة ولادات فكريّة. لدينا كلام جديد لمشكلات الإنسان الروحيّة وقضاياه الاجتماعيّة والحكوميّة. والكلام الجديد، لا يعني أنّه إذا قيل فسوف يقبله العالم كلّه، بل معناه أنّه سيوجد تيّار جديد في بحيرة الفكر البشريّ الهائلة، ويطلق أمواجاً. إنّنا نطرح في حيّز القضايا السياسيّة الراهنة فكرة الديمقراطيّة الدينيّة، وفي مجال القضايا الاجتماعيّة العامّة، نقدّم فكرة "الحضارة على المعنويّة"، ونطرح في شتّى القضايا الأخرى فكرة كرامة الإنسان، وفكرة "امتزاج الدين بالحياة". وهذه طروحات جديدة لم تكن في العالم من قبل أبداً. حتّى قبل حقبة النزعة المادّيّة والأمانيّة في الغرب وسيادة الأفكار العلمانيّة، لم يكن الدين ممتزجاً بالحياة ومرافقاً لها».
 
العلم في مشروع الإمام الإمام الخامنئيّ دام ظلّه نهوض واقتدار بأخلاقيّات سامية متأصّلة، مركز المعارف للتأليف والتحقيق


[1] خطاب بتاريخ 12/8/2012م، في لقاءٍ مع أساتذة جامعيّين.

2023-06-19