يتم التحميل...

ما هي خصائص النظام الإسلاميّ؟

إضاءات إسلامية

بعد أن أثبت الإمام الخمينيّ قدس سره ضرورة إقامة الحكومة الإسلاميّة وإيجاد نظام إسلاميّ، انتقل إلى إبراز خصائص هذا النظام، وتمايزه عن غيره من أنواع أنظمة الحكم المعروفة في العالم

عدد الزوار: 45

بعد أن أثبت الإمام الخمينيّ قدس سره ضرورة إقامة الحكومة الإسلاميّة وإيجاد نظام إسلاميّ، انتقل إلى إبراز خصائص هذا النظام، وتمايزه عن غيره من أنواع أنظمة الحكم المعروفة في العالم، وبيان أهداف هذه الحكومة، ما يعدّ تمهيدًا لمعرفة ما ينبغي أن يكون عليه الحاكم الذي يتولّى أمر الحكومة الإسلاميّة.
 
يختلف النظام الإسلاميّ عن غيره من أنظمة الحكم في العالم اختلافًا جوهريًّا، إذ إنّ المشرّع فيه هو الله تعالى، الذي ارتضى للبشريّة دين الإسلام كمنهج تامّ وكاملٍ، يكفل الالتزام بأحكامه وقوانينه سعادة الفرد والمجتمع على حدّ سواء.
 
ويذكر الإمام الخمينيّ قدس سره الخصائص التالية لهذا النظام التي تميّزه عن أنواع الأنظمة الأخرى:

1- لا استبداد في النظام الإسلاميّ:
يقول الإمام قدس سره: "الحكومة الإسلاميّة ليست كأيّ نوعٍ من أنماط الحكومات الموجودة، فهي مثلًا ليست استبداديّة[1]، بحيث يكون رئيس الدولة مستبدًّا ومتفرّدًا برأيه، ليجعل أرواح الشعب وأمواله ألعوبة يتصرّف فيها بحسب هواه، فيقتل من يشاء وينعم على من يشاء، ويهب من يشاء من أموال الشعب وأملاكه. فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام، وكذلك سائر الخلفاء، لم يكن لهم هذه الصلاحيّات. فالحكومة الإسلاميّة لا هي استبداديّة ولا مطلقة[2]، وإنّما هي مشروطة"[3]، "وبالطبع ليست مشروطة بالمعنى المتعارف عليه هذه الأيّام[4]، حيث يكون وضع القوانين تابعًا لآراء الأشخاص والأكثريّة، وإنّما مشروطة من ناحية أنّ الحكّام يكونون مقيّدين في التنفيذ والإدارة بمجموعة من الشروط التي حدّدها القرآن الكريم والسنَّة الشريفة للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم . ومجموعة الشروط هي تلك الأحكام والقوانين الإسلاميّة نفسها التي يجب أن تُراعى وتُنفّذ. ومن هنا، فالحكومة الإسلاميّة هي "حكومة القانون الإلهيّ على الناس"[5].
 
2- المشرّع في النظام الإسلاميّ هو الله تعالى حصرًا:
"الفرق الأساس بين الحكومة الإسلاميّة وحكومات "الملكيّة المشروطة"[6]، و"الجمهوريّة"[7]، هو في كون ممثّلي الشعب أو الملك هم الذين يشرّعون في مثل هذه الأنظمة، بينما في الحكومة الإسلاميّة يختصّ التشريع بالله تعالى. فالشارع المقدّس في الإسلام هو السلطة التشريعيّة الوحيدة، فلا حقَّ لأحدٍ بوضع القوانين، ولا يمكن وضع أيّ قانون غير حكم الشارع موضع التنفيذ. لذا، ففي الحكومة الإسلاميّة، بدلًا من "مجلس التشريع" الذي يشكّل إحدى السلطات الثلاث في الحكم، يكون هناك "مجلس تخطيط"، يضع الخطط لمختلف الوزارات من خلال أحكام الإسلام، وتحدّد كيفيّة أداء الخدمات العامّة في جميع أنحاء البلاد من خلال هذه المخطّطات"[8].
 
3- القانون في النظام الإسلاميّ يتمتّع بالمقبوليّة من الناس:
"إنّ القوانين الإسلاميّة التي وردت في القرآن والسنّة، يتلقّاها المسلمون بالقبول والطاعة، وهذا ممّا يسهّل عمل الحكومة، ويجعلها مرتبطة بالشعب. بينما في الحكومات الجمهوريّة والملكيّة المشروطة، فإنّ غالبيّة الذين يعتبرون أنفسهم ممثّلي أكثريّة الشعب، يضعون ما يشاؤون ويسمّونه "قانونًا"، ومن ثمّ يفرضونه على الشعب"[9].
 
4- السلطة في النظام الإسلاميّ هي للقانون لا للحاكم:
"حكومة الإسلام هي حكومة القانون. وفي هذا النمط من الحكومة تنحصر الحاكميّة بالله والقانون - الذي هو أمر الله وحكمه -. فقانون الإسلام أو أمر الله له، تسلّط كامل على جميع الأفراد وعلى الدولة الإسلاميّة. فالجميع، بدءًا من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مرورًا بخلفائه وسائر الناس، تابعون للقانون - إلى الأبد - لذلك القانون نفسه النازل من عند الله، والمبلَّغ بلسان القرآن والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم . إذا كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد تولّى الخلافة، فقد كان ذلك بأمرٍ من الله، إذ إنّ الله تعالى هو الذي جعله صلى الله عليه وآله وسلم خليفة، "خليفة الله في الأرض"، لا أنّه شكّل الحكومة من نفسه وأراد أن يكون رئيسًا على المسلمين. وبما أنّه كان يُحتمل حصول الخلاف بين الأمّة بعد رحيله - إذ كانوا حديثي عهد بالإسلام والايمان - فقد ألزم الله تعالى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقف فورًا وسط الصحراء ليبلّغ أمر الخلافة[10]، فقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحكم القانون واتّباعًا لحكم القانون، وعيّن أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة، لا لكونه صهره، أو لأنّه كان قد أدّى بعض الخدمات، وإنّما لأنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان مأمورًا وتابعًا لحكم الله، ومنفّذًا لأمر الله. أجل، فالحكومة في الإسلام تعني اتّباع القانون، والقانون وحده هو الحاكم في المجتمع.
 
... وفي كلّ وقت كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يبيّن أمراً أو يبلّغ حكماً، فإنّما يكون ذلك منه اتّباعًا لحكم الله وقانونه. واتّباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنّما هو أيضًا بحكم من الله، إذ يقول تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ﴾. واتّباع أولي الأمر أيضًا بحكم من الله، يقول تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾[11].

فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وغيره من الأشخاص تابعون لإرادة الله تعالى في الحكومة والقانون الإلهيّين"[12].
 
5- لا مكان لمظاهر السلطنة في النظام الإسلاميّ:
"والحكومة الإسلاميّة ليست سلطنة ملكيّة ولا إمبراطوريّة[13]، ففي هذا النوع من الحكومات يكون الحكّام مسلّطين على أرواح الناس وأموالهم، وهم يتصرّفون فيها بحسب آرائهم، والإسلام يجلُّ عن هذا النهج والنمط من الحكم. ولذا، لا تجد في الحكومة الإسلاميّة - خلافًا لأنظمة السلطنة والملكيّة والإمبراطوريّة - آثارًا للقصور الكبيرة، والعمارات المجلّلة، والخدم والحشم، والمكاتب الخاصّة، ومكاتب وليّ العهد، وسائر لوازم السلطنة، التي تقضي على نصف أو على قسم كبير من ميزانيّة البلاد. كلّكم تعرفون كيف كانت حياة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان رئيس الدولة الإسلاميّة وحاكمها، وقد استمرّت هذه السيرة بعده صلى الله عليه وآله وسلم إلى عهد بني أميّة. وإن كانوا قد خالفوا في أمور أخرى، وظهر الانحراف الفاحش في عهود أخرى، وذلك الانحراف الذي أوصلنا اليوم إلى هذه المصائب. وقد أُصلح نهج الحكومة في عهد أمير المؤمنين عليه السلام، وكان مسارها الصلاح والاستقامة. ومع أنّه عليه السلام كان يحكم بلادًا واسعة، كانت إيران ومصر والحجاز واليمن من مناطقها، فقد كان يعيش حياة لا يقدر عليها حتّى طالب العلم الفقير. فبحسب المرويّ، فقد اشترى يومًا قميصين، أعطى الأفضل منهما لخادمه قنبر، والآخر - لمّا كانت أكمامه طويلة - فقد قطع الزائد منها، وارتداه بأكمامه الممزّقة[14]. هذا مع كونه حاكمًا لبلاد كبيرة في المساحة وعدد السكان، وكثيرة الموارد"[15].
 
ولاية الفقيه في فكر الإمام الخميني قدس سره، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الحكم الاستبداديّ هو الذي لا يكون للشعب فيه ممثّل أو حقّ التصويت، ويكون فيه محروماً من أيّ سهم من إدارة أمور البلاد. ومن علامات هذا النظام عدم محدوديّة سلطة الحاكم من الناحية القانونيّة، ووجود سلطة مركزيّة تقضي على أيّ نحو من المعارضة.
[2] أي ملكيّة.
[3] الإمام الخمينيّ، الحكومة الإسلاميّة، مصدر سابق، ص 78.
[4] نظام حكم تكون فيه سلطة الحكومة ناشئة من اعتراف الشعب، وتكون مشروطة ومحدودة طبق أصول معيّنة وقابلة للتطبيق، ويكون الدستور المرجع والمستند الأعلى للإدارة.
[5] الإمام الخمينيّ، الحكومة الإسلاميّة، مصدر سابق، ص 78-79.
[6] الملكيّة أو السلطة شكل من أشكال الحكم، يحمل فيه رئيس البلاد اسم الملك أو الملكة. وخصوصيّة هذا النظام هو وراثة الحكم، وإن كان يجري أحياناً على شكل انتخاب من قبل الملك أو آخرين. والحكومة الملكيّة تارة تكون غير محدودة، وتكون فيها جميع سلطات الدولة بيد الملك، وتصدر السلطات الثلاث عنه، وهذه تُسمّى حكومة مطلقة. وتارة تحدّد سلطات الملك بواسطة مجلس تشريعيّ، ويفوّض وضع القوانين لممثّلي الشعب، وهذا النوع من الحكومة يُسمّى "السلطة المشروطة".
[7] الجمهوريّة نوع من الحكم يُنتخب فيه الحاكم بتصويت مباشر أو غير مباشر من الشعب. ولا يوجد توارث في هذا الشكل من الحكم، ومدّة الرئاسة فيه محدودة. والجمهوريّة تكون في نظام البلدان التي تمتلك ديمقراطيّة برلمانيّة، لكن أحياناً يُطلق اسم الجمهوريّة على الحكومة الدكتاتوريّة غير الملكيّة أيضاً.
[8] الإمام الخمينيّ، الحكومة الإسلاميّة، مصدر سابق، ص 79.
[9] الإمام الخمينيّ، الحكومة الإسلاميّة، مصدر سابق، ص 79.
[10] إشارة إلى واقعة الغدير المترتّبة على نزول هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ سورة المائدة، الآية 67، راجع: الشيخ الأميني، الغدير، بيروت - لبنان، دار الكتاب العربيّ، 1977م، ط 4، ج1، ص 214 - 229.
[11] سورة النساء، الآية 59.
[12] الإمام الخمينيّ، الحكومة الإسلاميّة، مصدر سابق، ص 80.
[13] الإمبراطوريّة اسم للبلاد ذات الأراضي الشاسعة والعدد الكبير من السكّان، والمؤلّفة من أمم وشعوب مختلفة اتّحدت تحت حكم حاكم واحد، هو الإمبراطور.
[14] العلّامة المجلسيّ، محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، نشر دار إحياء التراث العربيّ، لبنان - بيروت، 1403هـ، ط2، ج4، ص 324.
[15] الإمام الخمينيّ، الحكومة الإسلاميّة، مصدر سابق، ص 80-81.

2023-05-31