كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في خطبتي صلاة عيد الفطر السعيد 22/04/2023م.
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين. ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[1]. نحمدك ونستعينك ونتوسّل إليك ونستغفرك، ونصلّي ونسلّم على حبيبك ونجيبك سيّد الخلق، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين الهداة المنتجبين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين، وصلِّ على أئمّة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.
أبارك عيد الفطر لجميع الإخوة المؤمنين والمسلمين في أنحاء العالم كافة، وللشعب الإيراني العظيم. كما أبارك لكم - أيّها المصلّون - قضاءكم شهر رمضان المليء والمفعم بالرحمة الإلهيّة، وأبارك لكم - أيّها الناس - كذلك.
كان شهر رمضان هذا العام رمضاناً مليئاً بالحضور والحماسة. كان في هذا الشهر الدعاء والتضرع والتوسل، خاصة في ليالي القدر المباركة، وكانت إحياءات الشباب المفعمة بالحرقة واللوعة والدموع الدافئة التي تنساب من عيون شبابنا الأنقياء، بارزةً جداً. كانت المجالس والمحافل التي تعلّم المعرفة والدروس، مجالس القرآن وتلاوة القرآن، في أنحاء البلاد كافة هذا العام - بحمد الله - أكثر، وتبدو للمرء أكثر بروزاً من أي وقت مضى. كان حضور الناس في رياض الشهداء والمجالس والمحافل والهيئات والمساجد حضوراً جليّاً. إضافة إلى ذلك، جاءت المساعدات الإيمانية التي قدمها الناس في هذا الشهر - مساعدة الأيتام والمستضعفين والفقراء - إذْ إن من أهم واجبات شهر رمضان هذا الحضور الشعبي والحضور إلى جانب المستضعفين والمحتاجين. علاوةً إلى ذلك، جاءت تلك الحركة العظيمة للناس في «يوم القدس»، فالناس المؤمنون الذين قضوا الليلة السابقة في الإحياء، قد أطلقوا بأفواههم الصائمة ذاك التجمع المجيد والحاشد في أنحاء البلاد شتى. هذه كلها توفيقات وألطاف إلهية. شهر رمضان هو شهر التضرّع، وكذلك شهر الجهاد. في صدر الإسلام، كانت معركة بدر وفتح مكة في شهر رمضان، وفي هذه السنوات، كان «يوم القدس» يوم نضال الشعب الإيراني، كما أن شعوباً أخرى - بحمد الله - انضمت إليه على نطاق واسع هذا العام.
حقّق أناسنا إنجازات كثيرة في هذا الشهر: رقة القلب، والتقرب من رب العالمين، ونقاوة الروح، والالتفات والتوجّه للروحانية، والتعرف إلى كثير من المعارف الإلهية والإسلامية، وتوجيه ضربة إلى العدو في «يوم القدس». كانت هذه إنجازاتكم في هذا الشهر، أيها الناس الأعزاء، أيها الناس المؤمنون، أيها الشعب الإيراني العظيم. ما أود قوله هو أنّ عليكم أنْ تحافظوا على هذه الإنجازات؛ هذه ذخائر روحية. احتفظوا بهذه الذخائر لأنفسكم حتى شهر رمضان العامَ المقبل، وعززوا هذه الروحية في شهر رمضان العامَ المقبل، إن شاء الله. هذه الروحية هي التي ستتقدم بالشعب مادياً ومعنوياً، وستحل المشكلات كلها، وستصل بكم إلى ذروة الحركة الإلهية والروحية التي أعدّها الإسلام للمجتمع الإسلامي. نرجو أن يمنّ الله المتعالي على الجميع بهذا التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾[2].
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين، [ولا] سيّما عليّ أمير المؤمنين، والصدّيقة الطّاهرة فاطمة الزهراء، سيّدة نساء العالمين، والحسن والحسين، سيّدي شباب أهل الجنّة، وعليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والخلف القائم المهديّ، صلوات الله عليهم أجمعين. وصلِّ على أئمّة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.
من الخصائص لشهر رمضان المبارك تقوية الإرادة. إن إحدى الخصائص العظيمة والمهمّة للصوم أنّه يقوّي إرادتكم. الإرادة أداةٌ جعلها الله المتعالي في وجود البشر كلهم من أجل التحرّك والتقدّم، وهذه القوّة التي جرى تعزيزها في شهر رمضان، واكتسبت المزيد من القدرة، لا بدّ أن تُوظّف بعده في سبيل الرّضا الإلهي والتقدّم، وفي الجهة التي حدّدها الله المتعالي للبشر كافة، ولقد عُهد إلى المجتمع الإسلامي تقوية هذا الطريق وتعبيده وتسهيل الحركة فيه. فليستفِد مسؤولو البلاد من هذه القابلية، فبتقوية الإرادة هذه، يمكن فكّ العُقد وحل المشكلات الكبرى للبلاد، وكذلك بالإرادة القويّة وتلك الأداة المهمّة التي جعلها الله المتعالي في متناول أيديهم.
التعاون بين مسؤولي البلاد في السلطات الثلاث كافة إستراتيجيّة مهمّة جدّاً وأساسيّة. بحمد الله، جميعكم حاضرون هنا، والناس كلهم حاضرون أيضاً - بحمد الله - وأيضاً [الذين] سيسمعون هذا الكلام في أنحاء البلاد: لا بدّ للسلطات الثلاث أن تتكاتف وتتعاون وتتآزر، والدستورُ تدارك الأمور جيّداً في تأسيس هذه السلطات الثلاث. إذا تعاونت السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بصورة كاملة، فلن تتعقد الأعمال إطلاقاً، ولن تقع لها مشكلة. ليتجنّب مسؤولو البلاد أن يصيروا عوائق لبعضهم بعضاً، وليعبّدوا الطريق لبعضهم بعضاً وليفتحوه. مسؤولو البلاد أنفسهم - سواء أكانوا نواب المجلس أم مديري السلطتين التنفيذيّة والقضائيّة الذين يحضرون بين هذه الجموع - ملتفتون إلى كيفيّة إنشاء هذا التعاون والتآزر والتكاتف، فهذه إستراتيجيّة عامّة اليوم.
ثمة إستراتيجيّة مهمّة أخرى هي التركيز على حلّ المشكلات والقضايا وتجنّب الالتهاء والانشغال بالأمور الهامشيّة. تُستحدث الأمور الهامشيّة، وليس العدوّ أيضاً هو الوحيد الذي يستحدثها، فأحياناً نتيجة الغفلة، ومع سائر العوامل ومختلف الدوافع تُستحدث أمورٌ هامشيّة في عمل ما وحركة ما وشخص ما ومدير ما، فينبغي ألا نلتهي بهذه الأمور. ينبغي للناس ألا يولوا الاهتمام لهذه الأمور الهامشيّة وألا يشغل المسؤولون أنفسهم بها، فليركّز الجميع على القضايا الأساسيّة للبلاد.
يُتوقّع من أهلنا الأعزّاء أيضاً أن يصونوا اتحادهم ببركة شهر رمضان المبارك والإنجازات العظيمة التي حقّقوها في هذا الشهر. بحمد الله، ومنذ انتصار الثورة الإسلاميّة، حين كان الإمام [الخميني] الجلیل يشدّد في كلماته النورانيّة دائماً على وحدة الناس واتحادهم، كان الناس عندنا متحدين، واستطاع هذا الاتحاد أن يفتح للناس في حالات كثيرة الطرق الشاقة والمنعطفات القاسية، وكان مشرِّعاً للسبل. يجب أن يصان هذا الاتحاد. إنّ عدوّنا يعارض اتحاد الشّعب الإيراني، وهو يعارض تلاحمكم وكون الشّعب يداً واحدة. إنّ العدوّ يرغب في أن يتقاتل الناس ويتصارعوا من أجل مختلف الرغبات والأذواق. ينبغي أن يعيش الجميع معاً ويعملوا مع بعضهم بعضاً، ويتعاطفوا ويتآلفوا في ما بينهم. يجب أن نبطل مفعول وساوس العدو الرامية إلى إساءة ظن الناس تجاه بعضهم بعضاً، أو إساءة ظن الناس في المسؤولين الكادحين.
في السابق، كان المستعمرون يدخلون الدول بالتحرّكات العسكريّة. هذا التكتيك وهذه الحركة فقدا مفعوليهما اليوم. لقد أدرك الأعداء، أعداء الإسلام، أنّ القوّة العسكريّة غير قادرة على تحقيق شيء. وفي هذه المدة الأخيرة، جرّبت أميركا في أفغانستان والعراق، فلاحظت أنْ لا شيء يتحقق بالقوّة العسكريّة، ولذلك، غيّروا الإستراتيجيّة واختاروا طريقاً آخر. إنّ عملهم وتكتيكهم اليوم هو التزوير والتضليل والكذب وإلقاء الوساوس وعرض ما يغاير الواقع وتحقير الشعوب وجعلها تسيء الظنّ في أنفسها وإخفاء القدرات والنقاط البارزة والمتألقة للشعوب. هذا تكتيكهم اليوم، فلنلتفت إليه ونعرفه.
قلت قبل بضعة أيام[3]: يجب أن نكون مواكبين العصر في معرفة حركة العدو وتكتيكته. هناك أعمالٌ كان من الممكن أن تُفعّل قبل عشر سنوات أو عشرين ولا يعملون بها اليوم، فلديهم أساليب أخرى. [لا بدّ] أن نحصل على كيفيّة إبطال هذه الأساليب. بحمد الله، الشعب واعٍ وذكيّ، ولقد ألحقتم الهزيمة بالعدوّ حتى اليوم، وستهزمونه بعد اليوم أيضاً، بحول الله وقوّته.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)﴾[4].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] سورة الأنعام، الآية 1.
[2] سورة العصر.
[3] خلال كلمته في لقاء مع جمع من طلاب الجامعات، بتاريخ 18/04/2023م.
[4] سورة النصر.