يتم التحميل...

أعمال الإنسان ونظام الابتلاء

مفاهيم

يقول تعالى: ﴿وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾. المصيبة النائبة تصيب الإنسان كأنها تقصده، والمراد بما كسبت أيديكم المعاصي والسيئات، وقوله: ﴿وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾  أي عن كثير مما كسبت أيديكم وهي السيئات.

عدد الزوار: 35

يقول تعالى: ﴿وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾. المصيبة النائبة تصيب الإنسان كأنها تقصده، والمراد بما كسبت أيديكم المعاصي والسيئات، وقوله: ﴿وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾  أي عن كثير مما كسبت أيديكم وهي السيئات.

والخطاب في الآية اجتماعي موجه إلى المجتمع غير منحل إلى خطابات جزئية ولازمه كون المراد بالمصيبة التي تصيبهم المصائب العامة الشاملة كالقحط والغلاء والوباء والزلازل وغير ذلك.

فيكون المراد أن المصائب والنوائب التي تصيب مجتمعكم ويصابون بها إنما تصيبكم بسبب معاصيكم والله يصفح عن كثير منها فلا يأخذ بها.

فالآية في معنى قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾([1])، وقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا﴾([2])، وقوله: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾([3])، وغير ذلك من الآيات الدالة على أن بين أعمال الإنسان وبين النظام الكوني ارتباطا خاصا فلو جرى المجتمع الإنساني على ما يقتضيه الفطرة من الاعتقاد والعمل لنزلت عليه الخيرات وفتحت عليه البركات ولو أفسدوا أفسد عليهم.

هذا ما تقتضيه هذه السنة الإلهية إلا أن ترد عليه سنة الابتلاء أو سنة الاستدراج والإملاء فينقلب الأمر، قال تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾([4]).

ويمكن أن يكون الخطاب في الآية عاما منحلا إلى خطابات الأفراد فيكون ما يصاب كل إنسان بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده أو عرضه وما يتعلق به مستندا إلى معصية أتى بها وسيئة عملها ويعفو الله عن كثير منها.

وكيف كان فالخطاب في الآية لعامة الناس من المؤمن والكافر وهو الذي يفيده السياق وتؤيده الآية التالية هذا أولا، والمراد بما كسبته الأيدي المعاصي والسيئات دون مطلق الأعمال، وهذا ثانيا، والمصائب التي تصيب إنما هي آثار الأعمال في الدنيا لما بين الأعمال وبينها من الارتباط والتداعي دون جزاء الأعمال وهذا ثالثا.

وبما ذكر يندفع أولا ما استشكل على عموم الآية بالمصائب النازلة على الأنبياء عليهم‌السلام وهم معصومون لا معصية لهم، المصائب النازلة على الأطفال والمجانين وهم غير مكلفين بتكليف فلا معصية لهم فيجب تخصيص الآية بمصائب الأنبياء ومصائب الأطفال والمجانين.

وجه الاندفاع أن إثبات المعصية لهم في قوله: ﴿فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾  دليل على أن الخطاب في الآية لمن يجوز عليه صدور المعصية فلا يشمل المعصومين وغير المكلفين من رأس فعدم شمول الآية لهم من باب التخصص دون التخصيص.

وثانيا ما قيل: إن مقتضى الآية مغفرة ذنوب المؤمنين جميعا فإنها بين ما يجزون عليها بإصابة المصائب وما يعفى عنها.

وجه الاندفاع أن الآية مسوقة لبيان ارتباط المصائب بالمعاصي وكون المعاصي ذوات آثار دنيوية سيئة منها ما يصيب الإنسان ولا يخطئ ومنها ما يعفى عنه فلا يصيب لأسباب صارفة وحكم مانعة كصلة الرحم والصدقة ودعاء المؤمن والتوبة وغير ذلك مما وردت به الأخبار، وأما جزاء الأعمال فالآية غير ناظرة إليه كما تقدم.

على أن الخطاب في الآية يعم المؤمن والكافر كما تقدمت الإشارة إليه، ولا معنى لتبعضها في الدلالة فتدل على المغفرة في المؤمن وعدمها في الكافر.

وبعد هذا كله فالوجه الأول هو الأوجه.
 
الميزان في تفسير القرآن - ج ١٨ – بتصرّف يسير، آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


([1]) الروم: ٤١.
([2]) الأعراف: ٩٦.
([3]) الرعد: ١١.
([4]) الأعراف: ٩٥.

2023-03-29