فاطمةُ (عليها السلام) الخيرُ الكثير
جمادى الثانية
اتّفقَ المفسّرونَ على أنَّ المرادَ مِنَ الكوثرِ هو الخيرُ الكثير، وأنَّ فاطمةَ (عليها السلام) هي المصداقُ الأتمُّ والأكملُ للخيرِ الكثير،
عدد الزوار: 3141. فاطمةُ (عليها السلام) الكوثر: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾[1].
اتّفقَ المفسّرونَ على أنَّ المرادَ مِنَ الكوثرِ هو الخيرُ الكثير، وأنَّ فاطمةَ (عليها السلام) هي المصداقُ الأتمُّ والأكملُ للخيرِ الكثير، ولا سيَّما أنَّ الآيةَ وردتْ في سياقِ مَنْ وَصَفَ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) بالأبتر، وقد خَصَّ اللهُ فاطمةَ (عليها السلام) بأنْ جعلَ ذريَّةَ النبيِّ في بَنِيها، قالَ الفخرُ الرازيُّ -وهو مِنْ أشهَرِ مفسِّري أهلِ السُنَّة-: «الكوثرُ أولادُه [أي أولادَ النبيّ (صلى الله عليه وآله)]؛ قالوا: لأنَّ هذه السورةَ إنَّما نزلتْ ردّاً على مَنْ عابَهُ (صلى الله عليه وآله) بعدَمِ الأولاد، فالمعنى أنَّه [تعالى] يعطيهِ نسلاً يَبقونَ على مرِّ الزمان، فانظرْ كمْ قُتِلَ مِن أهلِ البيت، ثمَّ العالَمُ ممتلئٌ منهم، ولمْ يَبْقَ مِن بني أُمَيَّةَ في الدنيا أحدٌ يُعبَأُ بِه، ثمَّ انظُرْ كمْ كانَ فيهم مِنَ الأكابرِ مِنَ العلماءِ، كالباقرِ والصادقِ والكاظمِ والرضا (عليهم السلام) والنفسِ الزكيَّةِ وأمثالِهم»[2].
وهذهِ الآياتُ نزلتْ بشارةً للنبيِّ (صلى الله عليه وآله)، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «إنَّ هذا الخيرَ الكثيرَ الّذي أعطاهُ اللهُ تعالى في سورةِ الكوثرِ المباركةِ كبشارةٍ للنبيِّ الأكرمِ (صلى الله عليه وآله)، وقال: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، حيثُ إنَّ تأويلَه هو فاطمةُ الزهراءُ (عليها السلام)، في الحقيقةِ هو مجمَعُ جميعِ الخيراتِ، الّذي سوفَ ينزلُ يوماً بعدَ يومٍ مِنْ منبعِ الدينِ النبويِّ على البشريّةِ والخلائقِ كلِّها. لقدْ سعى الكثيرونَ مِنْ أجلِ إخفائِهِ وإنكارِه، ولكنَّهم لم يتمكَّنوا ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[3]».
2. فاطمةُ (عليها السلام) بابُ الهدى: يقول الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «في روايةٍ أنَّ سطوعَ نورِ فاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام) أدّى إلى أنْ تنبهِرَ عيونُ الكرُّوبيِّينَ مِنَ الملأِ الأعلى، «زهرَ نورُها لملائكةِ السماء»[4]. فماذا نستفيدُ نحنُ مِن هذا النورِ والسطوع؟ يجبُ علينا الاهتداءُ بهذا النَجمِ الساطعِ إلى اللهِ، وإلى طريقِ العبوديَّةِ الّذي هو الصراطُ المستقيم، الّذي سلكَتْهُ فاطمةُ الزهراءُ (عليها السلام)، فوصلتْ إلى تلكَ المدارجِ والمقاماتِ العالية. وإنَّ جَعْلَ اللهِ طينتَها طينةً متعالية؛ فلأنَّهُ كانَ يعلَمُ أنَّها تخرُجُ مرفوعةَ الرأسِ مِنَ الامتحانِ في عالمِ المادّةِ والناسوت «امْتَحَنَكِ [اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكِ] قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ، فوجدَكِ لِما امتحنكِ صابرة»[5].
3. فاطمةُ (عليها السلام) الشفيعةُ يومَ القيامة: ففي الروايةِ عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «فإذا صارتْ (السيِّدةُ فاطمةُ) على بابِ الجنَّةِ، تلتفِت، فيقولُ اللّه: يا بنتَ حبيبي، ما التفاتُكِ؟ فتقول: يا ربّ، أحببتُ أنْ يُعرَفَ قَدْري في مثلِ هذا اليوم، فيقول: ارجِعي وانظري مَنْ كانَ في قلبِهِ حُبٌّ لكِ أو لأحدٍ مِن ذرّيَّتِكِ، فخُذي بِيَدِهِ وأدخلِيهِ الجنَّة، فتأتي وتلتَقِطُ شيعتَها ومحبِّيها كما يلتقطُ الطيرُ الحَبَّ الجيِّدَ مِنَ الحبِّ الرديء، فإذا صارَ شيعتُها معها عندَ بابِ الجنَّةِ، يلتفتون، فيقولُ اللّهُ للشيعة: ما التفاتُكم؟ فيقولون: يا ربّ، أحبَبْنَا أنْ نَعرِفَ قَدْرَنا في هذا اليوم، فيقولُ الله: اُنظروا مَنْ أحبَّكُم لحُبِّ فاطمةَ، أو أطعمَكُم أو كساكُم لحُبِّها، أو سقاكُم شَربةً مِن ماءٍ، أو رَدَّ عنكُم غِيبة؛ فأدخِلوهُ الجنّة، فلا يبقى في النّاسِ إلّا شاكٌّ أو كافرٌ أو منافق»[6].
ختاماً، نعزِّي صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجل الله فرجه الشريف)، ووليَّ أمرِ المسلمينَ، والمجاهدينَ جميعاً، بذكرى شهادةِ الصدِّيقةِ الزهراءِ (عليها السلام).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة الكوثر.
[2] الفخر الرازيّ، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، ج32، ص313.
[3] سورة الصفّ، الآية 8.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج28، ص38.
[5] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، ج6، ص10.
[6] راجع: العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج8، ص52 (قريب منه).