فاسألوا يرحمُكُمُ الله
جمادى الثانية
عنِ الإمامِ الباقر(ع): «العِلمُ خَزائِنُ، وَالمَفاتيحُ السُّؤالُ، فَاسأَلوا يَرحَمكُمُ اللَّهُ؛ فَإِنَّهُ يُؤجَرُ فِي العِلمِ أربَعَةٌ: السّائِلُ، وَالمُتَكَلِّمُ، وَالمُستَمِعُ، وَالمُحِبُّ لَهُم».
عدد الزوار: 194عنِ الإمامِ الباقر(ع): «العِلمُ خَزائِنُ، وَالمَفاتيحُ السُّؤالُ، فَاسأَلوا يَرحَمكُمُ اللَّهُ؛ فَإِنَّهُ يُؤجَرُ فِي العِلمِ أربَعَةٌ: السّائِلُ، وَالمُتَكَلِّمُ، وَالمُستَمِعُ، وَالمُحِبُّ لَهُم».[1]
لقدْ خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ أهلَ البيتِ (عليهم السلام) بأنّهم خزائنُ علمِه، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الباقرِ(عليه السلام): «واللَّه، إِنَّا لَخُزَّانُ اللَّه فِي سَمَائِه وأَرْضِه..»،[2] كما ورد في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «نَحنُ شَجَرَةُ العِلمِ، ونَحنُ أهلُ بَيتِ النَّبِيِّ، وفي دارِنا مَهبَطُ جَبرَئيلَ، ونَحنُ خُزّانُ عِلمِ اللَّهِ، ونَحنُ مَعادِنُ وَحيِ اللَّهِ. مَن تَبِعَنا نَجا، ومَن تَخَلَّفَ عَنّا هَلَكَ، حَقّاً عَلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ».[3]
ولقد عُرِفَ إمامُنا الباقرُ (عليه السلام) بلقبِ "باقر العلوم"، وفي ذلك ورد عن جابر الجعفيّ عندما سُئل: «لِمَ سُمِّيَ الباقرُ باقراً؟» قال: «لأنّه بقر العلم بقراً؛ أي: شقّه شقّاً، وأظهره إظهاراً».[4]
وإذا أردنا أنْ نتحدّثَ عن ميزةِ عصرِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام)، فإنّه يتمثّل بنشرِ علومِ الدينِ ومعارفِ الإسلامِ بين الناس.
ولم يكتفِ الإمامُ (عليه السلام) بنشرِ الحديثِ وترويجِه بين الناس، بل حثَّ الناسَ وشجَّعَهم على المعرفةِ والفَهمِ لهذه الأحاديث، والتعاطي معها تعاطي دراية، فقد روي عنه (عليه السلام): «اعرِف مَنازِلَ الشّيعَةِ عَلى قَدرِ رِوايَتِهِم ومَعرِفَتِهِم، فَإِنَّ المَعرِفَةَ هِيَ الدِّرايَةُ لِلرِّوايَةِ، وبِالدِّراياتِ لِلرِّواياتِ يَعلُو المُؤمِنُ إلى أقصى دَرَجاتِ الإِيمانِ».[5] وفي هذه الروايةِ بيانٌ لوسيلةٍ من وسائلِ الحثِّ على العلم، وهو السؤال، الذي هو مفتاحُ العلم، قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.[6]
ومنَ الأهدافِ المهمّةِ التي كان يَنشُدُها الأئمّةُ منَ الحثِّ على العلمِ والسؤال، هو التمهيدُ لإقامةِ الحكومةِ الإسلاميّة. وأوّلُ خطوةٍ في ذلك، كما يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلُّه): «هي تبديلُ الذهنيّةِ العامّة -الّتي يُصطَلَحُ عليها بأنّها إسلاميّةٌ ضدَّ الإسلام، والّتي كانت قد رسختْ في أذهانِ الناس- إلى ثقافةٍ صحيحةٍ، وإلى القرآنِ الحقيقيّ، والتوحيدِ الواقعيّ، ... وقد بدأ الإمامُ الباقرُ (عليه السلام) هذا العمل. هذا هو باقرُ علمِ الأوّلين، فهو باقرٌ وفاتحُ الحقائقِ القرآنيّة، فهو مَن يبقُرُ ويشقُّ طرائقَ الحقائقِ القرآنيِّة، والعلومِ الإسلاميّة. وكان يبيّنُ القرآنَ للناس. لهذا، كانَ كلُّ مَن يحتَكُّ بالإمامِ الباقرِ (عليه السلام)، ولم يكن تابعاً ولا خاضعاً ولا مشاركاً لمعلَفِهم [معلف بني أميّة]، يُبدِّلُ رأيَه بالنسبةِ إلى وضعِ حاكميّةِ الزمان. لهذا، نجدُ أنَّ الكثيرَ من الناسِ ممّن هم من الطبقةِ الوسطى، في زمنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام)، كانوا يُقبلونَ على مدرسةِ أهلِ البيتِ، ومذهبِ الإمامة، وما هو رائجٌ في عرفِ اليومِ تحتَ عنوانِ التشيُّع. التشيُّعُ هو هذا؛ أي اتّباعَ أهلِ البيتِ من أجلِ إقامةِ الحاكميّةِ الحقيقيّةِ للإسلام، وإعلاءِ كلمةِ القرآن، وبيانِ المعارفِ القرآنيّةِ، وتطبيقِها بين الناس. وكلُّ مَن كانَ الإمامُ الباقرُ (عليه السلام) يتّصلُ بهِ، ويبيّنُ له المسائلَ كانَ يُبدِّلُ تفكيرَه. لقد كانَ هذا هو العملَ الأوّلَ للإمامِ الباقرِ (عليه السلام)، الّذي يُعدُّ عملاً مهمّاً جدّاً، وأساسيّاً، وهو أهمُّ ما قامَ به (عليه السلام)».[7]
ختاماً، نهنّئُ صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجل الله فرجه الشريف)، ووليَّ أمرِ المسلمينَ، والمجاهدينَ جميعاً بذكرى الولادةِ العطِرَةِ للإمامِ محمّدٍ الباقرِ (عليه السلام)، وحلولِ شهرِ رجبِ الخير.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج1، ص:196.
[2] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص:192.
[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج26، ص:240.
[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج46، ص:221.
[5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج2، ص:184.
[6] سورة النحل، مقطع من الآية:43، سورة الأنبياء، مقطع من الآية:7.
[7] كتاب إنسان بعمر 250 سنة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.