يتم التحميل...

كرامةُ اللهِ عزَّ وجلَّ

جمادى الأولى

«أظنَنْتَ يا يزيد، حيثُ أخَذْتَ علينا أقطارَ الأرضِ وآفاقَ السماء، فأصبَحنا نُساقُ كما تُساقُ الأُسارى؛ أنّ بنا على الله هَواناً، وبكَ عليه كرامة! وأنّ ذلكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ عندَه!».

عدد الزوار: 192

كرامةُ اللهِ عزَّ وجلَّ

وردَ عن السيدةِ زينبَ (سلامُ اللهِ عليها) أنها خاطبتْ يزيدَ بنَ معاويةَ في الشام، فقالت: «أظنَنْتَ يا يزيد، حيثُ أخَذْتَ علينا أقطارَ الأرضِ وآفاقَ السماء، فأصبَحنا نُساقُ كما تُساقُ الأُسارى؛ أنّ بنا على الله هَواناً، وبكَ عليه كرامة! وأنّ ذلكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ عندَه!».

لقد أَكرمَ اللهُ عزَّ وجلَّ بني آدم، فقالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلً﴾. وخَصّ أهلَ الإيمانِ بالكرامةِ دونَ غيرِهِم؛ لأنَّ الإيمانَ صفةٌ اختاروها، فكان لهمْ فضلُ الإيمانِ، ومنزلةٌ خاصّةٌ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ. يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قدّس سرّه): «المؤمنونَ لا يعرفونَ شيئاً عن نوارنيَّةِ إيمانهم، ما داموا في الدُّنْيا وعالَمِ الطَّبيعة.‏ إنَّنا -ونحن في هذه الدُّنيا- نُقارِنُ آلاءَ الآخرةِ وآلامَها مع المحيطِ الَّذِي نعيش، فنظُنُّ أنَّ عطايا اللهِ مثلاً كعطايا ملوكِ الدُّنيا أو أكثرَ بقليل... مع أنَّ شيئاً مِن لذَّاتِ الآخرةِ لا يُقاسُ بِكُلِّ لذَّاتِ الدُّنْيا.‏ ومِن هذا الباب، لا يُمكنُ أنْ يُقاسَ ما ذُكِرَ عن كرامةِ المؤمنِ في هذا الحديثِ وفي غيرِهِ بأيِّ مقياسٍ أو ميزان...فالعنايةُ الربَّانيَّةُ هي الَّتِي تُحَكِّمُ الوُدَّ والمحبَّة بينَ المؤمنين، وتُجدِّدُ عهدَ الأُخُوَّةِ فيهِ سبحانَهُ وتعالى».

واختارَ اللهُ عزَّ وجلَّ، مِن بينِ خَلقِهِ، أهلَ بيتِ نبيِّهِ (صلى الله عليه وآله)، فخصَّهُم بالفضلِ دونَ سائرِ الناس، فهمُ الذينَ وَرَدَ فيهِم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِير﴾.

وفي المرويِّ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «للهِ عزَّ وجلَّ في بلادِهِ خمسُ حُرَمٍ: حرمةُ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وحرمةُ آلِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليهم)، وحرمةُ كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وحرمةُ كعبةِ الله، وحرمةُ المؤمن».

ولذا، فإنّ كُلَّ ما جرى على أهلِ البيتِ (صلواتُ اللهِ عليهم) في كربلاء، مِمّا كانت السيّدةُ زينبُ شاهدةً عليه، ومكمِّلةً لمسيرةِ الحسينِ (عليه السلامُ) فيه، تُلَخِّصُهُ الكلماتُ التي خاطبتْ بها يزيدَ في الشام، مبيِّنةً له ولكلِّ الناسِ على مَرِّ التاريخِ، أنَّ هذا كُلَّهُ لا يعطي فضيلةً ليزيد، بل هو مِن أهلِ الهوانِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، مهما علا وتكبّر وتجبّر، وأنَّ أهلَ البيتِ مهما جرى عليهِم في هذه الدنيا، فإنَّ لهم عندَ اللهِ المكانةَ الخاصّةَ.

وخَلَّدَ اللهُ عزَّ وجلَّ لهم هذه المكانةَ في المجتمَعاتِ وفي النفوس، ومنهم السيّدةُ زينبُ (صلواتُ اللهِ عليها). وكما يقولُ الإمامُ الخامنئيّ: «السيّدةُ زينبُ الكبرى (سلامُ اللهِ عليها)، سيّدةٌ جليلةٌ في تاريخِ الإنسانيّة، وليس في تاريخِ الإسلامِ فحسب، وهذا هو الواقعُ حقّاً. تلكَ الشخصيّةُ القويّةُ الصلبة، وتلكَ الإنسانةُ الكبيرة، ... ما قامتْ بهِ قَلَّما يستطيعُ إنسانٌ -سواءً كان مِنَ الرجالِ أو مِنَ النساء- القيامَ بهِ بهذهِ القدرةِ والنزولِ للساحاتِ الصعبةِ بهذهِ الصلابة».

نباركُ لوليِّ أمرِ المسلمينَ، وللمجاهدينَ جميعاً، ولكلِّ الأخواتِ الممرِّضات؛ ذكرى ولادةِ السيّدةِ زينبَ سلامُ اللهِ عليها.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

2021-12-08